بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 حزيران 2020 12:25ص نظرية الشرعيات الثلاث بمواجهة الراديكالية الشيعية والراديكالية المسيحية!

رضوان السيّد يُطلق «التجمع الوطني اللبناني» من بوليتكا فارس سعيد: المخاض الصعب

حجم الخط
مِن المُبكر الحُكم على مآلات حركة المفكّر رضوان السيّد الذي أعلن العزم على إنشائها مع «مجموعات من الكهول والشبّان معظمهم من أهل السنّة» لجبه التحدّيات التي تُواجه لبنان، وتضعه على مفترق ضياع الكيان والصيغة والدستور،بفعل تحالف»راديكالية شيعية» يقودها «حزب الله»، و»راديكالية مسيحية» يقودها رئيس الجمهورية ميشال عون وتياره السياسي، استطاعتا «تغيير مسار النظام اللبناني بدءًا بالدستور والمفاهيم التوافقية للعيش المشترك وعلاقات لبنان العربية والدولية، وانتهاءً بالنظام الاقتصادي والمالي، وترتيبات الوظيفة العامة، والقضاء وحكم القانون».

لا اختلاف على أن الأزمة وطنية، ما يتطلّب، من حيث المنطق والتجربة، أن تكون طرق الحل وطنية هي الأخرى.ما كان «ميثاق 1943»، ولا «وثيقة الوفاق الوطني» في 1989، ولا كانت «انتفاضة الاستقلال» في 2005، لو لم تتولّد قناعة وطنية بين الطوائف، أو تخرج جموع لبنانية بلباس وطني خارج مصالح مربّعاتها الطائفية. فحين امتد الجسر العابر للطوائف بين اللبنانيين، كانت التحوّلات الكبرى في البلاد. وهذا ما يطرح تساؤلات مشروعة حول مدى قدرة «حركة شعبية» عمادها «أهل السنّة» في أن تحقق اختراقاً وطنياً يُسهم بالخروج من المأزق الراهن، من دون تحوّلها إلى وعاء طائفي إضافي.

سعى رضوان السيّد، من خلال الورقة التي أعلنها من مؤسسة «بوليتيكا»، التي يُديرها منسّق قوى «الرابع عشر من آذار» سابقاً فارس سعيد،إلى مخاطبة مَن يُفترض أن يكون «الشريك الآخر» في مهمّة الإنقاذ، بتأكيده على ثوابت السنّة في لبنان، بأنهم «وطنيون لبنانيون مقتنعون بالعيش المشترك، وبنهائية الكيان اللبناني، وبالمواطنة الكاملة، وبالشرعيات الثلاث: الشرعية الوطنية الدستورية والديمقراطية، والشرعية العربية، والشرعية الدولية، وهي الشرعيات التي تأسّس عليها لبنان، واجتاز بها سائر الأزمات، فيما يعمل الراديكاليون على التنكّر لها، مرّة بالدعوة لإلغاء الصيغة والكيان، ومرة بالدعوة للفيدرالية».

منسوب الغليان السني يرتفع وسط تبلور معالم إفلاس الدولة ووقائع ثورة 17 ت1 تشكّل رافعة للحركة الإعتراضية

هي مطالعة تُشكّل النقيض للصورة النمطيةالتي تعمل كل من الراديكاليتين على تجسيدها عن السنّة، بإلصاق صفة الإرهاب والتطرّف ببيئاتهم، بحيث إن طرابلس تُوصف في أدبياتهم بـ»قندهار»، ويتمّ استخدام ملف «السجناء الإسلاميين» ورقة لتأجيج وتأليب المجتمعات السنيّة، وتركها قنبلة موقوتة نتيجة الظلم اللاحق بهم لأهداف سياسية.

يتّكىء السيّد على وقائع أفرزتها «ثورة 17 تشرين الأول»، بحيث إن طرابلس والبقاع وصيدا هي بيئات الحراك السلمي ووروده الربيعية النامية. ما قدّمته تلك المدن كان مفاجئاً للمراقبين، فعاصمة الشمال لُقّبَتْ بـ»عروس الثورة»، ليس فقط للمشهد الحضاري الذي اتّسمت به، بل أيضاً للزخم والحيوية والقدرة على المبادرة، والتي بات يُراهن عليها كي تكون رافعة الحراك الشعبي والحركة الاعتراضية. في قراءته أن «السنّة هم الأكثر تذمراً وشعوراً بالفقدان لضياع الدولة والنظام، واستيلاء الراديكاليتين عليهما، كما أنهم، في جمهورِهِم، وليس في نُخَبهم فقط، الأكثر وعياً وإفصاحاً، وبكل وضوح، عن الولاء لوثيقة الوفاق الوطني والدستور والحرص على مقتضيات العيش المشترك، والأكثر رفضاً للسلاح غير الشرعي، وللاستئثار الباسيلي بمقادير الدولة والنظام حتى في مناطقهم». مناطق طرابلس والبقاع وصيدا ستكون الخزان البشري لما ينتظر لبنان من نسخة جديدة من «ثورة 17 تشرين»، ولا يجوز تالياً أن تُترك لألاعيب الأجهزة، أو لالتماس التشبّه بعنف الراديكاليتين.

هذه المجتمعات التي عانت التهميش والغُبن، والتي تحوَّلت إلى مجتمعات مُضيفة للاجئين السوريين منذ العام 2011، شهدت - بفعل اهتمام المنظمات الدولية بها - قيام عشرات الجمعيات الخيرية والتنموية الجديدة ليس للأهداف العادية للجمعيات الخيرية فقط؛ بل من أجل الكفاية والكفاءة والتفكير بالحاضر والمستقبل. بات ثمّة تطوّر جديد في تلك المجتمعات، يمكن المراكمة عليه، من خلال خلق مجموعات تحفيز وبناء تنموي وسياسي.

شبكة ذات امتداد أفقي في المجتمعات السنيّة ستحمل «اسم التجمع الوطني اللبناني»،وسيتم العمل على بناء هيكليتها خلال الأشهر المقبلة من خلال تنسيقيات في كل منطقة، تتحضّر للمشاركة في مؤتمر عام لإعلان الولادة الرسمية للتجمّع. التوقّع أن تمتد عملية التحضير أشهراً ستة على الأقل، وأن يكون الجهد التنظيمي والمالي ذاتياً. فمسألة أن يكون الدعم المالي ذاتياً مهمّة جداً بالنسبة للتجمّع، أقلّه إلى حين رسوخ فكرته وهيكليته وانطلاقته، ويعوّل بذلك على انخراط الطبقة الوسطى بشكل أساسي في الدعم.

وستكون هناك وثيقة سياسية - اقتصادية، والهدف أن «يكون للحركة السياسية صوتٌ وفعاليةٌ في كل حدثٍ مناطقي أو وطني، وتتطلّع ليكون لها أصدقاء وحلفاء، ولا شرط لديها للعمل معاً على المستوى الوطني، إلا الاتفاق على الشرعيات الثلاث، ومعارضة السلاح غير الشرعي، واعتماد النظام اللبناني على قوّة التوازن، وليس على توازن القوى المتقلّب، والمسبّب لانعدام الاستقرار».

كان الاتجاه لأن يكون حُكم المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، الذي كان مقرراً أن يُعلن في أيار، مناسبة لإطلاق «حركة تصحيح المسار»، ذلك أن الإدانة السياسية للجريمة وإدانة السلاح غير الشرعي تُصلحان لأن تكونا منطلقاً للتحشيد لحركة جديدة. تأخّر إعلان الحُكم، وقد يتأخر أكثر، فيما منسوب الغليان الداخلي على المستوى الوطني عموماً، والسني خصوصاً، يرتفع وسط تبلور معالم إفلاس الدولة، وتغوّل «الراديكاليتين» في أخذ لبنان إلى محور إيران والتماهي مع النظام السوري، ودفعه إلى الانخراط أكثر في حلف الأقليات تحت عناوين على شاكلة «المشرقية»، وإلى الابتعاد أكثر فأكثر عن موقع لبنان الطبيعي في محيطه العربي والمجتمع الدولي.

مشروع كبير بطموح تحوطه شكوك، لدى المراقبين، حول إمكانات نجاحه في أن يُشكّل عنصر استقطاب فعلي داخل المجتمعات السنيّة. ليس هاجس التجمّع مواجهة القوى السياسية الموجودة، ولاسيما «تيار المستقبل»، ولا أن يطرح نفسه بديلاً عن تلك القوى. ففرص تقدّمه الفعلية تقوم على تراجع الآخرين. الطبيعة تكره الفراغ، فكيف إذا غدا استسلاماً وتلكؤاً وقصوراً وعجزاً؟ ولا بد من مقاربة تلك البيئة بكثير من العناية، فهي تمتلك من الطاقات الكثير ولا تستهويها الطروحات الراديكالية، لكنها تشعر بكثير من القهر والغبن والخوف، ويستمر العمل على اختراقها تارة عبر «سرايا المقاومة» أو عبث الأجهزة، وعبر الاستقواء السياسي عليها والسعي إلى تطويعها ترهيباً أو ترغيباً، وطوراً عبر خلق أعرافٍ خارج الدستور وإخراجها من المعادلة الوطنية، مما يدفعها إلى مزيدٍ من الاحتقان والإحباط وخيبة الأمل واليأس، وهي عوامل قد تُشكّل قوّة دفع للحركة السياسية في اتجاه استعادة الدولة والدستور والعيش المشترك وإنقاذ ما تبقّى من لبنان، ذلك إن صحّت حسابات الرهانات على الاستجابة المتوقعة للشارع السني وحيويتها!.