بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 تشرين الأول 2018 06:03ص نقاش القسطنطينية لتوفير مقوِّمات بقاء المسيحيِّين لا للبحث عن مكسب آني

الغرض منه إبراز أهمية المصالحة المسيحية ببعديها الفلسفي والإستراتيجي

حجم الخط

إستعادة واقعة سقوط القسطنطينية في لقاء باسيل- رياشي كان انطلاقاً
من مركزية موقع مسيحيِّي لبنان في مشهد ما أبقي من مسيحيّين في الشرق

غالباً ما تصحّ الإسقاطات التاريخية على الحاضر. 
سقوط القسطنطينية أو فتحها (الترمينولوجيا تختلف بإختلاف النظرة والمقاربة والفاتح والساقط!) بدافع ديني – إقتصادي- إستراتيجي طالما إعترى السلطان الغازي محمد الثاني بن مراد العثماني، أسّس عام 1453 لأفول الإمبراطورية الرومانية المسيحية المترامية الأطراف، ولبزوغ إمبراطورية عثمانية إسلاموسياسية حكمت المشرق قرابة 500 عام، عانت فيها ما عانت، جنبا الى جنب، أكثرية وأقليات من جوع وقتل وتهجير ديمغرافي وإتني.
شكَّل سقوط القسطنطينية، أعظم رموز الإمبراطورية البيزنطية وأكثرها شهرة وألقاً، ضربة موجعة على حد سواء للمسيحية الشرقية (الروميّة) وللبابوية الكاثوليكية، رغم الخلاف العقائدي بين الكنيستين الشرقية الأرثوذكسية والغربية الكاثوليكية. ذلك أنَّ المدينة شكّلت عائقا وحاجزا أمام التوغل العثماني - الإسلامي في أوروبا، وبسقوطها مضى العثمانيون قُدما في فتوحاتهم.
أدى هذا السقوط الى هجرة عدد كبير من علماء القسطنطينية وفلاسفتها، من روم (مسيحيين شرقيين) وغيرهم، إلى الدويلات والإمارات والممالك الأوروبية المجاورة. وأغلب هؤلاء لجأوا الى إيطاليا حيث كان ينتظرهم دور رائد في إحياء العلوم والمعارف المختلفة، مما جعلها رائدة ما بات يُعرف بعصر النهضة الأوروبية.
هذه الإمبراطورية العثمانية كانت، فعلا، شكلا من أشكال الإسلام السياسي الذي يعمل السلطان التركي الجديد رجب طيب إردوغان على إستعادته راهنا لبسط نفوذ إمبراطوريته على المنطقة، وهو ما جاهر به قبل يومين، من غير أن يخفي رغبة شديدة في توظيف مسألة مقتل جمال خاشقجي، في إتجاه تكريس فكرته هذه، نظاما إقليميا جديدا يتكئ على الإسلام السياسي، والأدهى بشقيه السني - الإخواني والشيعي.
بالطبع لن يستعيد السلطان الفتوحات بالمعنى العسكري – الدموي، لكن المجال الحيوي واسع لفتوحات سياسية، بدأت مع ما سُمّي الربيع العربي، ولن تخبو، وإن هادن هذا الربيع، طالما أن مشروع الإسلام السياسي هذا حيّ يرزق برأسه وأدواته والمستفيدين منه، إقليميين كانوا أم دوليين.  
إستعادة واقعة سقوط القسطنطينية في لقاء جبران باسيل وملحم الرياشي (الأربعاء، 17 تشرين الأول)، كان الغرض منها إبراز أهمية المصالحة المسيحية التاريخية، ببعديها الفلسفي والإستراتيجي، إنطلاقا من مركزية موقع مسيحيي لبنان في مشهد ما أُبقي من مسيحيين في المشرق، بدءا من حكم السلطنة وليس إنتهاء بحكم حلم إعادة إحياء الحلم!
من يعرف جبران باسيل، يدرك تماما أنه يولي التكتيك القدر نفسه الذي يوليه للإستراتيجيا. كما يدرك تماما تقدّم هذا العنوان في سلّم أولوياته السياسية، ولا سيما توفير مقومات بقاء المسيحيين في المشرق وليس في لبنان وحسب، إنطلاقا من إدراكه أهمية إستمرار هذا الوجود الكياني، كعامل إستقرار وإستيعاب في مشرق تهزّه الصراعات السياسية والطائفية وبكل ما على ضفافه من صيغ حكم وتحكّم وتسلّط وخلافة وتكفير، تماما كما هزّته سابقا ولا تزال علمانية حزبية متخيّلة وموهومة، إستُعملت لإخفاء شهوات سلطة ومتسلّطين. 
إستعادة السقوط الروميّ كانت للدلالة:
أ-من جهة الى مدى التحدي الذي يواجه المسيحيين في هذا المشرق، في وقت يسعى حكام فيه الى إعادة رسم الخرائط الجيوسياسية والى توثيق نفوذ غابر، 
ومن جهة اخرى الى كارثة الإنشغال عن المخاطر المحدقة، بالبحث عن جنس الملائكة (تماما كما إنشغل مسيحيو القسطنيطنية قبل 565 عاما متلهين عن الدفاع عن مدينتهم، فيما كان العثمانيون يتجهزون لإسقاطها). وجنس الملائكة اليوم هو عبارة عن تكثيف البحث في مكسب وزاري موضعي وهامشي أملاً في ملاقاة إستحقاق تفصل عنه 4 سنوات كاملة، فيما المخاطر الكيانية الى زود!