بيروت - لبنان

اخر الأخبار

26 شباط 2021 12:01ص نواب ملقحون.. فراش من حرير، ومنصة تكشف المستور!!

حجم الخط
فيما كان اللبنانيون يتابعون بكل اهتمام وعن قرب الخبر الذي تسلل من خلال وكالة «رويترز» وعبر شاشات التلفزة ومواقع التواصل وأثير الإذاعات بشأن تلقيح عدد من النوب والمدراء العامين تحت قبة البرلمان خلسة متجاوزين الأصول والأعراف وقوانين لمنصة التي خصصت لتسجيل الأسماء والمعلومات بشأن طالبي التلقيح، مما شكل حدثاً بارزاً شغل الساحة اللبنانية لا بل لبنان بأسره من أقصاه إلى أقصاه، كما بعض دول الخارج والمؤسسات العالمية المعنية بهذا الشأن أيضاً.

إلا أنه وبالرغم مما حصل على هذا الصعيد، فقد طالعنا لا بل فاجأنا أحد جهابذة القانون والتشريع في لبنان بمطالعة لا بل مرافعة وبدفاع مستميت لإيجاد مخرج أو مبرر ولو بالشكل وليس بالمضمون طبعاً، محاولاً تبرير ما حصل لمخالفة عدد من ممثلي الشعب لقانون تلك المنصة المخصصة لهذا الأمر، مستخدماً «لعلعة الصوت ولغة الجسد» للتهجم بعنف على ممثّل البنك الدولي في لبنان ساروج كومار جاه مهدداً، متوعداً ومطالباً بطرده من البلد، متهماً إياه بالتدخل في عالم «السياسة اللبنانية» وكأني بالرجل قد تخايل نفسه أمام إحدى محاكم الجنايات يرافع ويدافع بصوته الجهوري المرتفع وبأسلوب فيه الكثير من المغالطات على العديد من المؤسسات الدولية العاملة في لبنان، لتتحول مرافعته ومدافعته إلى مرافعة سياسية بامتياز دون أن تتكل على أبسط قواعد الحق والعدل والانصاف تجاه النّاس كل النّاس، من اللبنانيين الذين ينتظر الكثير منهم دوره لأخذ اللقاح إن كان في المستشفيات أو في المراكز المخصصة لهذا الامر وليس تحت قبة البرلمان أو في أماكن أخرى بالتأكيد، ودون الأخذ بعين الاعتبار المسؤولية البرلمانية التي أنيطت به من خلال انتخاب الشعب له لتمثيله لهم في الندوة النيابية بكل محبة وتجرد واخلاص.

كما لا بدّ في هذا السياق أيضاً من الإشارة الى ما فاجأنا به «معالي» وزير الصحة العامة، الذي يصرّف الاعمال الدكتور حمد حسن حين جاء كلامه بهذا الصدد متأخراً عن تداعيات الحدث وما حدث في هذا الإطار لأكثر من 72 ساعة، محاولاً إعطاء المبررات بطريقة أو بأخرى، اما الملفت بالأمر هو وصفه لنفسه بـ«أول مشاكلجي» في البلد، مذكراً اللبنانيين «بأن لا ينسوا انه بعلبكي»... معالي الوزير، اللبنانيون يحتاجون إلى وزير صحة يبلسم جراحهم وآلامهم في محنتهم هذه، ويقول كلمة حق لا يراد بها باطل مهما كلف الأمر وأياً يكن الثمن غالياً، مع الإشارة إلى انهم لا يحتاجون إلى «مشاكلجي» حالياً علماً ان عادات وتقاليد وشيم أهل بعلبك الكرام لا تمت بأي صلة إلى تحريف الوقائع وإعطاء المبررات والأسباب والمسببات لخطأ فادح ارتكبه بحق المواطنين اللبنانيين على حدّ سواء، ومع التأكيد ان اللبنانيين كانوا حتى الأمس القريب وما زالوا بالرغم مما حصل من خطأ جسيم «يرفعون لك العشرة» على الجهد الذي طالما بذلته ولا تزال في عملك الدؤوب وحركتك الدائمة والمستمرة لمواجهة أخطار وباء كورونا، وتأمين أفضل السبل الناجعة والآيلة للحد من خطر هذه الجائحة وانتشارها بدءاً من مدينة الشمس بعلبك إلى أقصى حدود الوطن.

أما بالنسبة للسادة النواب الذين «تلقحوا» إضافة الى عدد من المدراء العامين في المجلس النيابي بعيدا» عن الأنظار والشهود العيان، فلا بدّ من الثناء على ما أدلى به عدد من أولئك النواب الذين قدموا اعتذاراً بشكل مباشر إلى الشعب اللبناني بأسره عمّا قاموا به «عن قصد أو عن غير قصد» لأنه وكما يقال الاعتراف بالخطأ فضيلة، وباعترافهم بمثل ذاك الخطأ يقدمون الدليل القاطع على من حاول التبرير والدفاع  عما حصل، قد ارتكب هو نفسه خطأ يضاف إلى ما ارتكب بهذا الشأن بالتحديد!

هنا يتبين موقف النواب الآخرين «الملقحين» والذين حاولوا تبرير فعلتهم تلك، فبدل «ان يكحلوها فقد اعموها» محاولين اختراع أسباب وموجبات وذرائع من خلال تصريحاتهم عبر وسائل الإعلام أو تغريداتهم على تويتر محاولين إقناع النّاس ان فعلتهم كانت بريئة ولا تمت إلى مخالفة القوانين المرعية الاجراء المعتمدة من قبل المنصة بأي صلة. أما كيف ذلك وفي أي خانة يُمكن تصنيف اقوالهم وافعالهم تلك، فهذا الأمر متروك للناس وحدهم للحكم عليه أولاً وأخيراً بعد ان أشير إليهم بالبنان في كل مكان في هذا البلد.

صحيح ان السادة النواب كانوا قد سجلوا أسماءهم على المنصة المذكورة أعلاه، وصحيح أيضاً ان اعمارهم قد تجاوزت السبعين عاما، الا انه من غير الصحيح على الإطلاق أن تكون مؤسسات معنية بالتلقيح بحسب الأصول والقواعد كانت شاهدة وموافقة على ما قاموا به. وعلى سبيل المثال لا الحصر، نفي الصليب الأحمر لأي دور له في هذا السياق، كما تأكيد ممثّل البنك الدولي في لبنان ساروج كومار جاه على فعلة النواب ومخالفتهم لقوانين المنصة، مع تهديد البنك الدولي بأن هذا العمل قد يؤثر على استمرار دعم لبنان بتأمين اللقاحات إلى اللبنانيين الذين هم بأمسّ الحاجة إليها اتقاءً لأخطار كورونا، لا سيما في هذه الظروف الحالكة والصعبة التي يعانون منها على كافة المستويات، خاصة الصحية والمعيشية والحياتية والمالية والاجتماعية منها. ولا ننسى موقف رئيس اللجنة الوطنية للقاح كورونا الدكتور عبدالرحمن البزري الذي كان على قاب قوسين أو أدنى من تقديم استقالته من رئاسة اللجنة اعتراضاً على مخالفة النواب لقوانين المنصة.

نعم، لقد تلقحوا وأخذوا الجرعة الأولى من لقاح فايزر، فيما غيرهم من اللبنانيين ينتظرون دورهم بفارغ الصبر حتى الآن خاصة كبار السن والمرضى، الذين يعدون الأيام والساعات والدقائق لأخذ اللقاح، اما هم أي السادة النواب فقد ذهب كل منهم بعد «التلقيح» الی منزله أو منتجعه لكي «يتلقح» على فراش من حرير وعلى وسادة من ريش النعام، ويلتحف بغطاء من الصوف الخاص عليه حمية من البرد القارس دون أن يُدرك أحدهم ان لا شيء يُمكن أن يغطي موبقاتهم وصفقاتهم وما فعلوه على مدى سنوات طويلة أوصلت البلد واللبنانيين جميعاً الی الدرك الخطير والی شفير الهاوية، فهم تلقوا فعلاً الجرعة الأولى من اللقاح، و«تلقحوا» على فراشهم بإطمئنان، فيما معظم اللبنانيين بات بأمسّ الحاجة إلى لقاح من نوع آخر خاص بهم يحميهم من خطر السياسيين والمسؤولين الفاسدين، علّ وعسى أن يجدوا ضالتهم في وقت قريب.

في نهاية المطاف ، لا بدّ من تذكير كل المسؤولين والسياسيين في البلد. الذين يتبادلون التغريدات المتطايرة في كل اتجاه ضد بعضهم البعض، والشتائم والسباب والاتهامات دون خجل أو رادع أو وازع، بأن البلد والناس في وطن الأرز ما زالوا حتى الساعة من دون حكومة وما عليهم إلا رحمة البلاد والعباد والعمل بأي شكل كان للتنازل عن المطالب والشروط التعجيزية لتشكيل الحكومة العتيدة قبل وقوع المحظور وقبل ان يجرف «الكورونا» في طريقه كل شيء،وعندها لن ينفع لا لقاح ولا منصة ولا حتى ملقحين وقبل أن يصبح الآتي أعظم!