بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 تشرين الأول 2018 12:06ص هكذا سرّعت ديبلوماسية الميدان ديناميات سياسية محلية تلتقي على مصالح

هل المصلحة العامة تقتضي تفريع إلتقاءات مؤقتة في مواجهة عون وباسيل؟

حجم الخط

 إذا كانت عبارة «الموارنة لا ينتظمون» رافقت التاريخ الماروني فإن أي حراك مرتبط بالسعي إلى السلطة يصير نقمة متى صار التنافس أعمى وأصم

تُسرّع دينامية جبران باسيل ديناميات أخرى، كثير منها هامشيّ، موقت. فالرجل الذي لا يهدأ ولا ينام، ولا يدعْ أحدا من فريق عمله أو المقربين منه يهدأ أو يهنأ براحة، يُكثر من غيرة خصومه. آخر تلك مظاهر تلك الدينامية، ديبلوماسية الميدان التي جعلته في صلب الإهتمام العالمي، السياسي والإعلامي، يتصدّر عناوين الإعلام الإسرائيلي خصوصا، ويستوي في تغريدات بنيامين نتانياهو على أنه الوجه الناعم لـ «حزب الله» (فيما خصومه المحليون لا يكلون من تكرار لازمة عدم إرتياح حزب الله الى سياسته)، وينساب في تقارير البعثات الديبلوماسية الـ73 التي شاركته الجولة الميدانية عند تخوم مطار بيروت الدولي.
الخرق الديبلوماسي الذي حقّقه وزير الخارجية، ما نزل بردا وسلاما ولا مرّ مرورا يسيرا، ليس في إسرائيل التي أصاب باسيل منها مقتلاً فإنبرى جيشها الى التبرير في فيديو الأيام الثلاثة الفارغ من اي مضمون والذي ثبت أنه كان معدّا قبل الجولة، بل في لبنان، يا للأسف.
ما كبتتْهُ قوى حزبية من غيظ حيال الكسب السياسي والإعلامي والديبلوماسي الذي حقّقه رئيس التيار الوطني الحر، ظهّره الإعلام المحسوب على هذه القوى. فثمّة من بادر الى تهميش الخبر وجعله في منطقة سفلى من الإهتمام، في موازاة من سارع الى إختصار الديبلوماسية الميدانية بمباراة كرة القدم المزمع إقامتها في ملعب نادي العهد، حيث مصنع الصواريخ الدقيقة المزعومة إسرائيليا، ليُبرز في الوقت نفسه قيظ الناطق الرسمي بإسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي، كأن هذا وذاك متساويان في النطق وفي الجريمة!
دينامية جبران باسيل، هي أيضا، تسرّع ديناميات لقاءات التصالح الخالية، في غالب الظن، من المضمون التصالحي، سوى أنها إلتقاء مصالح على قاعدة مكره أخاك، ألزمته ضرورة التكاتف في وجه الإعصار الزاحف صوب سنة 2022. هكذا يذهب تيار المردة والقوات اللبنانية الى إلتقاء حتميّ على مستوى زعيميهما. هو إلتقاء حميدٌ متى صفتْ النيات وسلمتْ. لكن هل هو كذا؟ وهل المصلحة العامة، وتحديدا المسيحية، تقتضي تفريع إلتقاءات مصلحية في وجه ميشال عون وباسيل على حدّ سواء، مهما حاولوا التفريق بينهما أو الإيحاء بأن المواجهة محصورة حصرا بباسيل لأنه منطلق كل موبق؟ هل الأولوية لتصالحات تحت جناح الرئاسة وبمباركتها تضيفها عزما ونجاحا وصلابة، أم لجبهات تتشكّل مصلحيا ولا تلبث حكما الى الإنفضاض متى حانت الساعة الرئاسية؟
صحيح أن عبارة «مورونويي لوم طقسو» (أي الموارنة لا ينتظمون)، رافقت التأريخ الماروني السياسي منذ نشأته وصارت في صلب الذاكرة الجماعية وأي حراك مرتبط بالسعي الى سلطة أو حكم، لكن هذا اللاإنتظام يصير نقمة متى صار التنافس بين الزعماء الموارنة أعمى وأصمّ وأبكم، حاله حال جماعة تهمّ على الإنقراض على خطى جماعات مشرقية أخرى تشتّت وتفتّت وتفرّقت، وصار جلّ إهتمامها أن تؤم غربا هو الآخر غارق في صراع بين النزعة القومية وأولوية حق الفرد، ومآل التصرّف حيال أكبر موجة هجرة في التاريخ البشري (أكثر من 60 مليون مهاجر في العام 2017، ينتقلون من عوالم ثالثة تتنازع كل شيئ، من كسرة الخبز وقطرة الماء حتى التزمّت الديني والمذهبي والثقافة الهامشية، الى عالم يعيش على غاربه، من جهة حريةً وتفلّتا من أي ضوابط، ومن جهة اخرى إرتدادا غير مسبوق الى الذات وعليها، الى ما قبل الحلم المدنيّ، وربما الى القرون الوسطى يوم صارت محاكم التفتيش تعدم على النيّة!
لكل هذا، لا مفر من أن يكون أي إلتقاء مسيحي – ماروني تحت جناح الرئاسة، خصوصا أن الإستحقاق الرئاسي لا يزال بعيدا (بعيد المنال على مرشحين بعينهم). وحريّ بمن هو قادر على غفران خطيئة كبرى (مميتة في مفهوم الدين المسيحي) أن يكون قادرا، والأهم راغبا في أن يضع جانبا حساسيات شخصية وإفتراق طباع، لا أن يجعل مصلحة عامة، وإستطرادا يجعل نفسه توّاقة فكرة، حتى لو بلغت هذه الفكرة مرتبة رئاسة متخيّلة!