إن الأزمة التي تمرُّ بها المصارف اللبنانية، ليست الأولى التي يمرُّ بها القطاع المصرفي اللبناني، فقد شكّلت أزمة بنك إنترا في العام 1966 أولى الأزمات الكبرى، والتي كادت تطيح بالقطاع المصرفي، وثاني تلك الأزمات كانت الحرب اللبنانية، والتي كان لا بد من إجراء معالجة شاملة لمشكلة القطاع المصرفي بعد إنتهاء تلك الحرب، كون المشكلة بدأت مع نهاية الحرب البغيضة، حيث شهدنا سلسلة من إفلاسات البنوك المحلية وتوقف البعض الآخر عن الدفع، مما عرّض أموال المودعين للخطر، ليصل عدد المصارف المتعثرة الى ثلاثة عشر مصرفاً، بعضها طلب التصفية الذاتية، والبعض الآخر توقف عن الدفع.
بدأ الإتجاه أولاً، نحو دمج البنوك الصغيرة، فجرَتْ تسوية أوضاعها، بمقتضى قانون تسهيل إندماج المصارف رقم 192 تاريخ 4 كانون الثاني عام 1993، ووافق المجلس المركزي لمصرف لبنان على خمسة وعشرين عملية دمج نهائية خلال ثماني سنوات (1994- 2002)، وكانت أولى خطوات الدمج، قيام فرنسبنك بشراء أسهم بنك طعمة في آذار من العام 1993، بمبلغ ثمانية ملايين دولار، ليتم بعدها دمج البنك المتحد للسعودية ولبنان ويونيفرسال بنك مع فرنسبنك أيضاً.
كان لخطوة فرنسبنك تلك، دور في تحريك الجمود المسيطر، فأقدم «سوسيتيه جنرال» على شراء أسهم مصرف غلوب بنك، وتم دفع أموال المودعين في شهر أيار من العام 1993، ثم تم دمج بنك ج. جعجع وبنك الإنعاش بسوسيتيه أيضاً، وقام مصرف لبنان بتزويد كابيتال ترست بنك بمبلغ ستة وعشرين مليون دولار، لتعويمه ولدمجه مع بنك الإعتماد اللبناني، الذي دمج فيه ايضاً أميركان إكسبرس بنك وفيرسن فينيسيان بنك.
كما وافق المصرف المركزي على عملية شراء ثمانية وتسعين في المئة من إسهم مصرف «يونيبنك» من قبل كمال وطنوس قرداحي وطنوس الفغالي وجان لوي قرداحي، وذلك في 16 كانون الأول من العام 1992، ليتولّى كمال قرداحي رئاسة مجلس الإدارة في 4 آذار من العام 1993.
كما جرى أيضاً دمج ثلاث بنوك مع بنك بيبلوس، هي بنك بيروت للتجارة وبنك ويدج للشرق الأوسط ومصرف هولندا العام أمرو، كما تم دمج بنك الإعتماد التجاري للشرق الأوسط وبنك الشرق للتسليفات مع بنك عودة، أما بنك بيروت فقد دمج معه بنكان أيضاً هما: ترانس أورينت بنك وبنك بيروت الرياض، وتم دمج البنك اللبناني الباكستاني مع بنك الإنعاش، وبنك كريديه ليونيه مع الإعتماد المصرفي تحت إسم «كريديت بنك».
تعتبر خطوة دمج المصارف التي تمَّت بعد إنتهاء الحرب، من أهم خطوات الإصلاح المصرفي والأهم في تاريخ لبنان، فقد طبق قانون تسهيل إندماج المصارف على عمليات الدمج بين شركات لبنانية حيث تكون فيه إلغاء لرخصة البنك المدموج، وقدّم مصرف لبنان قروضاً للبنوك الدامجة بالليرة اللبنانية بلغت قيمتها 671 مليار ليرة بفائدة 7 في المئة.
وبذلك أصبح القطاع المصرفي في كانون الثاني من العام 2003، يضم ثلاثة وخمسين مصرفاً عاملاً، فهل نشهد عملية مماثلة في الأزمة الحالية، تنقذ القطاع المصرفي والأهم أموال المودعين؟، أم الخلافات السياسية ستطيح بكل أمل لحل أزمات هذا البلد؟
ماجستير في التاريخ