في مثل هذا اليوم منذ 47 عاماً انطلقت شرارة الحرب الأهلية في لبنان حيث دمرت الحجر وفتكت بالبشر، ومنذ ذلك التاريخ المشؤوم ولبنان معلق على حبل الازمات التي تأخذ اشكال بيت العنكبوت، حيث أن البعض منها ما زال عصياً على الحل منذ ما قبل الحرب وحتى هذه الساعة.
واذا كان البعض قد أطلق على هذه الحرب التي انهكت لبنان واللبنانيين وكادت أن تضيع حتى هويته على انها حرب الآخرين على ارضنا، فإن التاريخ اليوم على ما يبدو يعيد نفسه، حيث أن الصراعات الاقليمية والدولية تطبق على الواقع اللبناني وتجعله أسيرها، وفي أغلب الاحيان يدفع ثمن فواتير لا ناقة له فيها ولا جمل، حيث من أن تبادر أحدهم الى سؤاله عن امكانية حصول حل للازمة في لبنان يحيلك الى هذا الملف الاقليمي والدولي أو ذاك، ويتعهد لك انه في حال حل الملف الفلاني بين بلد أو آخر من الممكن أن ينسحب ذلك على الملف اللبناني، في اشارة واضحة على أن المسؤولين اللبنانيين استقالوا حتى من مجرد التفكير في حل مشاكلهم بأنفسهم وعدم الاتكال على أية رياح تغييرية من الممكن أن تأتي من هذه الجهة وتلك، وهذه الاتكالية تجعل لبنان واللبنانيين أسرى الأزمات الممتدة على مساحة هذا العالم.
الانتخابات النيابية لن تغير من الواقعين المعيشي والاقتصادي أي شيء
وبفعل هذا السلوك السياسي غير الصحي وغير المنطقي نجد لبنان غارقاً في أزمات بعضها مفتعل لأغراض سياسية أو حتى طائفية وشخصانية، والبعض الآخر ناجم عن السياسات غير المبنية على دراسة حقيقية لواقع الامور، وهو ما يجعل المشهد اللبناني دائم الميل الى الضبابية وانعدام الوضوح، حيث انه لم يصادف ولو لمرة واحدة أن اجتمعت كل القوى السياسية على هدف واحد مفاده انقاذ لبنان، حيث ان مقاربة أي ملف لا تتم الا على قاعدة «كل يغني على ليلاه» ولأجل ذلك حتى ولو تمت معالجة أي ملف فهي تكون في غالب الاحيان مؤقتة.
وترجمة لما تم ذكره، فإن المناخات التفاؤلية التي تترافق مع صخب المعركة الانتخابية التي بدأت بالخطابات النارية ونبش الماضي والعزف على الوتر الطائفي والمذهبية، ودغدغة مشاعر الناخبين من خلال وعود يعرف الناس مسبقاً بأنها غير قابلة للتنفيذ، ما هي الا نتيجة تفاهمات اقليمية حول ضرورة الحفاظ على استقرار لبنان بالمعنى العام، حيث لا يبدو تحت هذا العنوان العريض ما يؤشر الى امكانية المساعدة على معالجة فعلية للأزمات المتعددةالتي تعصف بلبنان،حيث أن الأزمات المعيشية والاقتصادية بلغت الذروة ولم يعد في مقدور اللبنانيين أي قدرة على تحمل وزرها، وهم العارفون مسبقاً بأن الانتخابات النيابية إن هي حصلت فإنها لن تُحدث أي تغيير يذكر لا على المستوى السياسي ولا على مستوى المعيشي والاقتصادي الذي يدفع ثمنه اليوم المواطن اللبناني إذلالاً حتى في طلب رغيف الخبز، وهذا الاذلال يتخوف أن يطول أمده خصوصاً وأن المعالجات السياسية للازمات الموجودة ما تزال بطيئة، اضافة الى ان الكلام الذي يُنقل عن لسان فريق صندوق النقد الدولي المفاوض مع الحكومة اللبنانية ما زال غير مطمئن بما فيه الكفاية، لا سيما وأن اتفاق الاطار التي اعلن عنه الاسبوع الفائت تلازم مع عدة شروط يطلبها الصندوق ومعه المجتمع الدولي لتلبية حاجات لبنان، وهذه الشروط غير معروف ما اذا كانت الحكومة اللبنانية قادرة على تلبيتها، خصوصاً وأن اكثر من حكومة أضلّت الطريق التي تصلها الى الاصلاحات في مراحل سابقة مما افقدها ثقة المجتمع الدولي، وزاد طين الازمات بلة.
ومن هنا فإنه يعوّل على الحكومة التي باتت تسابق الوقت لقصر عمرها المرتبط باجراء الانتخابات النيابية لتحقيق ما يمكن تحقيقه من أهداف في سبيل طمأنة المجتمع الدولي وجعله راغباً في تقديم يد العون للبنان للخروج من أزمته، ولذا يُنتظر أن تُقدم الحكومة في الأيام المقبلة على خطوات من الممكن أن يكون البعض منها قاهرة في سبيل إبقاء قنوات التواصل موجودة مع المجتمع الدولي الذي بات المنفذ الوحيد والممر الالزامي لانتشال لبنان من قعر البئر.
ويبدو من خلال المعطيات أن ما من شيء سيطرأ عليه أي تغيير في المشهد اللبناني قبل انقشاع غبار المعركة الانتخابية التي تعتبرها كل الأطراف المحلية والخارجية بأنها ستكون مفصلية لا بل مصيرية وأن نتائجها هي من ستحدد وجهة لبنان أقله سياسياً في الأعوام القادمة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل الحكومة ستكون قادرة على الإيفاء بما التزمت به أمام صندوق النقد الدولي للحصول على ما وعدها به الصندوق أم ستخطئ الطريق مجدداً في ولوج الاصلاحات، وتعود مجدداً الى مربع الازمات حيث تصبح الثقة الدولية معدومة، وتعود أبواب المساعدات لتؤصد من جديد ويغرق لبنان وشعبه في المزيد من الازمات؟
من المبكر الحكم على ما ستفعله الحكومة في عمرها المتبقي، ولكن توحي المؤشرات بأنها جادة في فعل أي شيء من شأنه ان يفسح في المجال أمام نجاح المحاولات الانقاذية، لكن الخوف كل الخوف من أن تكون عين الحكومة بصيرة ويدها قصيرة، فتفشل في تحقيق الاصلاح ويقفل المجتمع الدولي أبوابه مجدداً ويبقى لبنان في ظلمته الدامسة.
حسين زلغوط