بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 أيلول 2021 08:03ص هل من تواجد فعليّ للإحباط المسيحي في لبنان؟

حجم الخط
وبعد انعقاد الجلسة رقم 13 بين الرئيس ميشال عون، والرئيس المكلّف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي الذي برهن ببراعة فائقة عن انتمائه الى فئة المخضرمين في العمل السياسي، نتيجة اصراره دوماً على الظهور بمظهر المتفائل الشديد باستمرار اقتراب ولادة الحكومة، الا انّ الأمور ما زالت عالقة ويبدو انّ حظوط التشكيل تبقى الى الآن معدومة نتيجة اصرار رئيس الجمهورية على انتزاع الثلث المعطل ولو بطرق غير مباشرة وجراء عوامل اخرى متعلقة بالاختلاف على توزيع الحقائب. أمّا تكتيك الرئيس ميقاتي لا شك انه لقي استحسان واعجاب نسبة مرتفعة من اللبنانيين، لأنّه تكتيك عرف كيف يبث الأجواء التفاؤلية التي حرمت سعر صرف الدولار من الارتفاع، فوق خط ال 20,000 ليرة لبنانية، لأنّ ارتفاع الدولار مرتبط بعوامل سياسية تكون دوماً راتعة في كنف التوتر والتشنج. أما من جهة الرئيس عون، فيبدو أنّه الرئيس الأوحد بعد عملية 13 تشرين الأول 1990، المصر على اعادة عقارب الساعة الى الوراء عبر ربط تشكيل الحكومة بعملية تجميل لاتفاق الطائف تتيح له اعادة أغلبية الصلاحيات التي خسرها الرئيس الماروني نتيجة احكام الدستور الجديد التي اعتلت العرش في خريف العام 1989. من هنا ونتيجة سلوك الرئيس الذي يستكمل تمرّده على اتفاق الطائف تبقى المشكلة عالقة في عنق الزجاجة. أمّا الطامة الكبرى فتكمن بتعامي الرئيس عون وتياره البرتقالي عن أهمية تحرير المادة 95 من الدستور الناصة على تشكيل الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية السياسية وبناء مجلس للشيوخ وتشييد قانون انتخابي يعتمد لبنان دائرة واحدة على اساس النسبية وخارج القيد الطائفي عقب الغاء الطائفية السياسية. لذا يهدف تيار رئيس الجمهورية الى اعادة أغلبية الصلاحيات الى كنف الرئاسة الأولى على أن يبقى الرئيس مارونياً!! وهذا ما ترفضه بقية الطوائف اللبنانية. منطقياً من غير المستبعد استمرار الحرب الخاسرة على اتفاقية الطائف، ويبدو أنّ التيار البرتقالي يريد تحقيق أمر من اثنين من خلال المنازلة التي يخوضها مع انصار الدستور الكثر،

إما استعادة القسم الأكبر من الصلاحيات، أو في حال تعذّر ذلك مع مرور الوقت، الذهاب نحو المناداة بالفيديرالية كصيغة تحكم البلاد والعباد، تحت ستار انّ المسيحيين محبطون ومهمشون. وسبق ان تم عرض احصاءات تشير الى ان المسيحيين في لبنان ستصبح نسبتهم 15 بالمائة عام 2040 و 10 بالمائة عام 2055. لكنّ التيار الحرّ تناسى بأن الفيديرالية ان نمت وبطشت في وطن صغير المساحة وتحيا في ربوعه 17 طائفة تعتبر صيغة تقسيمية بامتياز، وأرجو أن لا يغتاظ من كلامي الأب كميل مبارك المحترم كونه من انصار هذا الطرح. واعتقد بأنّ التيار البرتقالي تناسى ايضاً بأنّ لا قيمة للنسب الديمغرافية في اي وطن او قطر في انحاء المستديرة، لأنّ الانسان الكفوء واللاطائفي والنزيه والمتحرّر من براثن التعصب الديني المقيت هو ثورة هذا الوطن النازف وثروته على حد سواء، ان كان هذا الانسان مسيحياً أو مسلماً او ملحداً. وفي المحصلة النهائية يستمر التيار الوطني الحر بتجنّب الغوص في الحديث عن الأهمية الكبرى لتشكيل الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية السياسية متحججاً بعض الاحيان بأنه يريد أما العلمنة الكاملة، أو في حال اجتاح الفشل الوصول الى ذلك النظام المثالي العودة الشبه الكاملة الى ما قبل تاريخ 13 تشرين الأول 1990. وللتذكير فقط، في البدء يصعب الانتقال بلبنان مباشرةً أو على وجه السرعة من صيغة المحاصصات الطائفية الى العلمنة الكاملة دون انشاء الدولة المدنية. فالدولة المدنية هي المخوّلة بأن تكون الممر الرئيسي الى الدولة العلمانية ولو بعد حين، وقد فات التيار بأننا نقطن في وطن نفوس اجياله الصاعدة من طلبة المدارس والمعاهد والجامعات بحاجة الى احداث التغيير المنشود في الذهنية الطائفية، لأنّ كل اجيالنا حتى يومنا هذا ارتشفت الحليب الطائفي الجيل تلو الجيل. وما يجب أن تعرفه كل الأطياف والمشارب في لبنان، ان احكام ومندرجات الدولة المدنية، ان تسنى لها الولادة في وطن الارز العربي، ستجعل اللبنانيين منفتحين على التعرف الى مناطق لبنانية ما زالوا يجهلون صورها منذ انتهاء الحرب الأهلية، وبالمناسبة قد تسمع لبناني يقول اعرف كل شوارع قرى ومدن ايطاليا، لكنني اجهل شوارع قرى ومدن عكار وطرابلس وصيدا وبعلبك وجونية والمتن.. كما أنّ أحكام تلك الدولة ستعجل في اقرار قانون الزواج المدني الاختياري في لبنان، وستجعل معدلات الزيجات بين شبان مسيحيين وفتيات مسلمات أو العكس يرتفع منسوبها، ما سيجعل التآخي ينتشر أكثر بين أطياف ابناء شعبنا، وأيضاً وأيضاً فإنّ بناء هذه الدولة سيجعل صاحب مسبح لبناني، يسمح لنساء وفتيات من التابعية الأثيوبية أو السريلانكية يرتدن المسبح بعد تسديدهن ثمن بطاقة الدخول وهذا ما هو ممنوع اليوم وبهذا نقضي على العنصرية ونغتالها في مهدها الكائن في نفوسنا. ان الدولة المدنية ان انتصبت اقدامها ومشت وهامتها ارتفعت ومشت تجعل كل شاب او رجل خاض غمار ومعترك الحرب الأهلية ان يعود ويسأل ضميره:

لم اقتتلنا وجندلنا بعضنا وماذنني ان ولدت مسلماً وكان اسمي محمد؟

وماذا ذنبي ان ولدت مسيحياً وكان اسمي جورج؟

ان الدولة المدنية ستجعل الرئيس عون يقتنع بأنّ الإحباط المسيحي نقمة ونغمة يسمعها نسج خياله فقط، وهي دولة تنشر التآخي لتجعله يحل مكان الفراق والشقاق وان الرئيس عون مطالب بالاقتناع بأنّ قسماً كبيراً من المسيحيين يحبون الحياة، وهنالك قسم هام منهم لا يريد السير في درب الجلجلة على صورة ما أجبر عليه السيد المسيح، بهدف تجميل الطائف او نسفه لأنه يرى بأنّ لا داعي لذلك وبأنّ لا شيء يستحق ارغامه على ذلك، ولأنّه مقتنع بما قاله يوماً المفكر الهولندي باروخاسبينوزا، عندما يتكلّم الله يقول اريدك ان تتمتع بالحياة، أن تغني ان تعمل وان تستمتع بكل ما قمت به من أجلك، أنا معك يا انسان، ستراني معك في الجبال والاشجار والوديان والبحيرات والانهار ستراني في نظرة صديق، في نظرة طفلك اليك، لقد جعلتك حراً في حياتك لكن انتبه تصرفاتك هي من تجعل من حياتك جنة أو جهنم بما أننا نعيش في عصر جهنّم. أنا معك هنا في الطبيعة، انتبه الى الطبيعة وشكل معها جسماً واحداً لأنك جزءاً هاماً منها. نعم يا فخامة الرئيس انت من يجب ان يحمي اتفاق الطائف برموش العيون لأنّ المادة 95، تتوق الى ابصار النور، لذا لا تستحق ان يجهضها احد ويرميها ميتة فور سحبها من احشاء امّها، المساواة.

إقبل بتشكيل الحكومة يا فخامة الرئيس، كرمى عيون الجائعين والفقراء والكادحين والمرضى ويجب الاّ يغيب عن بالك بأنّ ثورة الجائعين ان نشبت فكل قصر لنارها حطب. نحن نعيش في جمهورية مغاورها زاخرة باللصوص والحواشي والمحاسيب. هناك مشرّدون ينامون تحت جسور المشاه، بينما الأزلام والحواشي يبيتون لياليهم في ابهى غرف قصور الدساكر على وسادات وثيرة قابعة في اجمل الأرائك.

وعلى العموم فإنّ كل افراد الطبقة السياسية الذين أفقروا وجوّعوا عليهم ان يتذكروا بأنّ القائد الخالد جمال عبد الناصر شيّد عشر مصانع للفقراء والعمال بملايين الدولارات التي منحها اياه امير الكويت بهدف بناء قصر فخم يليق به كزعيم للعرب،

وإنّ جوزيف ستالين قاهر قطعان النازية مات ولم يكن يملك منزلاً امّالينين فقد مات وعُثر في جيبه على 6 روبلات وانّ ماوتسي تونغ مؤسس الصين الحديثة كان ينزل الى الشارع ليكنّس الطرق مع عمال النظافة وان القائد الفييتنامي هوشي مين مات في بيت من القش بين احضان رفاقه القدامى.

يقول التيار الوطني الحر لكنهم منعونا من العمل!! لكن من منعكم من تشييد الأسواق الشعبية من كل المدن اللبنانية؟ ومن منعكم من اعادة بسطات واكشاك الفقراء الى الأرصفة في شوارع المدن؟ من منعكم من بناء المزيد من المدارس الحكومية على كل الأراضي اللبنانية؟ من منعكم من بناء معامل الكهرباء في لبنان وفي كل المناطق اللبنانية؟ وما كانت حاجة التمسك بالبواخر؟ من منعكم من بناء بيوت خشبية فيها مراحيض في شوارع المدن، من منعكم من توسيع الطرقات في بعض الأقضية اللبنانية؟

من هنا أنتم مدعوون يا فخامة الرئيس الى دعوة كل مواطن الى شطب اسم طائفته عن اخراج قيده كبادرة حسن نية نحو اقرار المادة 95 من الدستور واخلاء سبيلها من بين اسطره.