بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 أيار 2022 08:10ص هل يدعو بري إلى جلسة من دون غالبية واضحة؟

أكثريات المجلس نسبية.. والتعطيل المؤسساتي سمة المرحلة

حجم الخط
منذ أشهر طويلة مثّل تاريخ 15 أيار محط أنظار كُثر من اللبنانيين بوصفه نقطة هامة على صعيد الحياة السياسية اللبنانية لا سيما مع تكاثر الحديث عن عدم إجراء الانتخابات النيابية المقررة في ذلك التاريخ.
لكن كل من عوّل على هذا الاستحقاق لم يُشر الى ما بعد 15 أيار، وتقصدت القوى السياسية التعمية على ما بعد هذا التاريخ وبدا بعد ساعات منه أن تلك التعمية كانت مقصودة وأن ما ينتظر اللبنانيين في الفترة المقبلة بالغ الصعوبة إجتماعياً وإقتصادياً ومالياً وإنسانياً.
وبذلك ينتفي معنى السجالات عالية النبرة بين القوى السياسية حول الأكثرية وأعداد الكتل في المجلس الجديد، وبات على هؤلاء المُساجِلين إدراك أن مزاج جزء وازن من اللبنانيين بات في مكان آخر وبينهم طبعا شرائح توالي هؤلاء المُساجِلين لكنها آثرت الالتزام الحزبي في موازاة سعار طائفي ومذهبي وزبائنية سياسية وطبيعة عقيمة للتغيير للنظام اللبناني، كلها عوامل لعبت ضد المزاج التغييريي الذي رغم كل شيء تمكن من خرق الطبقة السياسية عبر كتلة محترمة العدد.
أزمة وطنية
لكن هذا الاستحقاق قد لا يكون ما بعده مشابها لما قبله، ليس لناحية ما تمظهر عنه في نتائج عمليّة، بل لكون أسّس ربما لأزمة وطنية ستكشف من جديد وفي شكل صارخ الشللية التي يعاني منها النظام اللبناني.
فقد تمخض المجلس الجديد عن توازنات في الكتل حلّت بديلة عن الأكثرية السابقة التي كانت معقودة لـ«حزب الله» والفريق الحليف له، وإن كانت أكثرية نظرية توازي تناقضاتها التشابهات لا بل تتخطاها في بعض الأحيان لولا ضبط الحزب لها.. حتى اللحظة.
ومع بروز «القوات اللبنانية» كتلة رئيسية في المجلس الجديد وتفوق كتلتها البشرية مسيحيا على «التيار الوطني الحر»، وورود مؤشرات على اتجاهها الى التصعيد سياسيا في وجه «حزب الله» وحلفائه، سيكون من الطبيعي دخول البلاد في أزمة كبيرة.
والحال أن الأزمة اليوم ليست جديدة، لكنها تتخذ دقتها لكونها تحلّ وسط الأزمة الاقتصادية الأكبر منذ نشوء لبنان، وحتى قبل ذلك مع المجاعة الكبرى قبل ولادة هذا الكيان الذي أُريد له أن يكون وطناً، بسنوات قليلة..
واستنادا الى التجارب السابقة وهي قريبة، فإن لا معنى لأكثرية لفريق ما في المجلس النيابي وهو ما تؤكده نتائج انتخابات 2005 حين لم تنح الاكثرية لصالح «حزب الله» وفريقه وانتخابات 2009 التي جاءت بنتيجة مشابهة، وانتخابات 2018 التي ظفر فريق الحزب بالأكثرية فيها من دون القدرة على الحكم الفعلي في بلد طائفي توافقي تحكمه الطوائف الكبيرة.
من هنا تفقد دعوة «القوات اللبنانية» الى حكومة أكثرية، معناها، مثلما تفقد الدعوة الى عدم انتخاب الرئيس نبيه بري رئيسا للمجلس النيابي فائدتها ليتركز الحديث على إضعاف بري وطبعا «حزب الله» في انتخابات هيئة مكتب المجلس ومنه الرئاسة.
وفي ظل الظروف الخارجية ومنها الحرب الروسية الأوكرانية التي تعيق الاتفاق النووي الاميركي الإيراني الذي يعاني في الأصل، ووسط عدم اكتمال الخرق على الصعيد الخليجي، السعودي الإماراتي تحديدا، والإيراني، مع تحقيق هذا الحوار في المقابل تقدما هاماً، سيكون من الطبيعي أن تعيق التسوية الخارجية تلك الداخلية.
لذا فالمرحلة الحالية ستتسم بشلل ما في مؤسسات الدولة بدءاً من رئاسة الحكومة ومن بعدها رئاسة الجمهورية. وعلى صعيد المجلس النيابي قد لا يدعو بري الى جلسة انتخاب لهيئة المجلس من دون ضمان «ميثاقيتها» وحلوله برقم وازن، ما يعني ان هذا الاستحقاق غير ناضج.
وعلى الصعيد الحكومي، وفي ظل غياب الرئيس سعد الحريري غير المطروح للرئاسة، سيتمحور الصراع بين الرئيس نجيب ميقاتي والسفير نواف سلام وثمة من طرح اسم الدكتور عبد الرحمن البزري والبعض يذهب نحو إبراهيم منيمنة ممثلا للتغييريين (مع ان ذلك مستبعد).
«حزب الله» يفقد الغالبية «الداخلية»
لذا لا جديد في ولوج البلاد في مرحلة جديدة من التعطيل علما ان مراحل التعطيل أخيرا فاقت المراحل المنتجة على صعيد السلطة التنفيذية رئاسياً وحكومياً، لكن من الأهمية بمكان إدراك ان افتقاد «حزب الله» للأكثرية قد لا يعني أنه سيفقدها في القضايا الكبرى. أي بمعنى آخر هو سيفقد الاكثرية في قضايا الداخل لكنه قد يحصّلها في قضايا الخارج في حال طرح سلاحه على بساط البحث النيابي أو في حال طرحت قضية الحدود المائية وثروات لبنان..
لكن الرسالة يجب أن تُقرأ بتمعن من قبل الحزب وغيره وهي ستضفي جديدا في صراع رئاسة الحكومة وايضا، وهذا أهم، رئاسة الجمهورية.
فبعد تعزيز رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع لمكانته الشعبية، وهو تقدم في شكل مضطرد منذ العودة الرسمية الى الحياة السياسية العام 2005. وفي ظل شبه استحالة وصوله اليوم الى الرئاسة حتى لو حصل على الدعم الخارجي، وبينما تراجعت حظوظ رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل وأيضا رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية على ضوء الانتخابات، قد لا يكون في الامكان حلول قطب مسيحي رئيسا للجمهورية وستتجه الانظار الى «الوسطيين» المدعومين خارجيا ومنهم قائد الجيش جوزف عون ويردد البعض اسم نعمة إفرام..
لكن الفراغ الرئاسي حتمي ونحن مقبلون على مرحلة صعبة وربما خطيرة كون من شأن هشاشة الاستقرار السياسي ان تشكل المحفز الأول للاهتزاز الأمني.
لكن في خلاصة انتخابية لما جرى وبعيدا عن صراع القوى التقليدية، من المبكر كثيراً الذهاب نحو التنبوء بسقوط الطبقة الحاكمة والقدرة على إصلاح جذري، وبغض النظر عن توزع القوى والاكثريات النسبية، فإن فوز التغييريين بهذا القدر وليس أكثر، لهو الدليل على عقم النظام السياسي واستفحال أزمته بينما تحتاج البلاد الى قانون عادل على أساس نسبي ودوائر كبيرة.. وطبعا لفظ بدعة الصوت التفضيلي!