بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 كانون الثاني 2020 12:02ص هل يستقيم شعار «كلّن يعني كلّن» ليستكمل لبنان انتفاضته؟

حجم الخط
ينقسم اللبنانيون فريقيْن حول شعار «كلّن يعني كلّن» (بالعامية اللبنانية، حيث تضمر الهاء وتنوّن الميم، أي كلّهم يعني كلّهم) في تعريف من يشمله الشعار ومن يتجاوز عنه، الأمر الذي يتسبّب بخلافات بين المتظاهرين، وقد يكون مطلوباً مراجعة هذا الشعار الّذي تمّ ارتجاله عند إنطلاقة الحراك الشعبي في السابع عشر من تشرين الأوّل من العام المُنصرم. 

«كلّن يعني كلّن» بين مؤيِّد ومُنتقد

اُطلق شعار «كلّن يعني كلّن» مفتوحاً أمام احتمالات التأويل تاركاً بذلك لكلٍّ التفسير على هواه. فلَو كنّا أمام شعار «كلّن يعني كلّن مسؤولين» ومُقصّرين وربما فاشِلين، لربّما كانت ردّة الفعل العامّة «ايه كلّهم»، ولَو كنّا أمام شعار «كلّن يعني كلّن حراميّة» وفاسدين، لربّما كانت ردّة الفعل «مش الكلّ».

أما وقد أتى الشعار فضفاضاً، يكون قد تركَ مجال للتضارب في الرأي العام، حيث تسبّب بخلافات بين المتظاهرين، بين مؤيّدين للشعار ومُنتقدين له.

من جهة يُشير مؤيّدو شعار «كلن يعني كلن» الى مسؤولية كلّ القوى السياسيّة لما وصلت إليه أزمة البلاد، بمن فيهم من يشارك ويشترك، ومن يغطي ويسمح، ومن يصرف النّظر عن الانتهاكات. فالشعار يتطرق الى هذه البنية الفاسدة بغض النظر عن السجل النظيف لبعض الشخصيات، وعليه فالمؤيّدين يطالبون برحيل الطبقة السياسية برمّتها ومحاسبة جميع المسؤولين، وجميع من كانت لهم مساهمة، بشكل أو بآخر، بصفتهم مسؤولين عن الوضع المزري الذي وصلت إليه البلاد.

كذلك يدعو شعار «كلّن يعني كلّن» جميع اللبنانيين إلى نبذ جميع زعماء السلطة والأحزاب والطوائف لتحقيق اللحظة الوطنية المطلوبة لبناء الوطن. من هنا تحوّل الشعار إلى مشروع تغيير شامل له منظّروه وكتّابه وخبراؤه، وإن لم يتمكن كل هؤلاء من إنتاج خريطة طريق فعليّة وقابلة للتطبيق تقنع المنتفضين.

أمّا منتقدو الشعار فيعتبرون انّه يعاني من ضعف بنيوي وتناقض داخلي إذ انّه لا يُفرّق بين الصالح والسيئ داخل الطبقة السياسية اللبنانية، ولا يجوز شمل الجميع في خانة الفساد. ثُمّ إن بعض الطبقة السياسية أنتج وزراء ونوّاب ومُدراء أكفّاء يشهد لهم بالنزاهة والمناقبيّة والمهارة، وأن التخلّص من هذه الطاقات لصالح شخصيات مجهولة في خبراتها وفي خلفياتها وارتباطاتها فيه تسوية غير سويّة. كما يشيرون أن في الشعار سذاجة تعتبر أن الفساد مرادف للسياسي وأن النزاهة مرادف لغير السياسي. كذلك لا يجوز وضع الخونة والوطنيين جميعاً في سلة «كلّن يعني كلّن».

«هُم وليس نحن»!

انبرت بعض القوى السياسية أمام شعار «كلّن يعني كلّن» تتنافس على أنها كانت السبّاقة في المطالبة بمحاربة الفساد، وكل فريق بدأ يُضيء على مكامن الفساد لدى خصمه، بذهنية «هُم وليس نحن»، بينما الشعب يريد محاربة «كلّن يعني كلّن» ومحاسبتهم جميعاً.

كذلك باتت بعض شخصيات السلطة تستميت للتموضع خارج الـ «كلّن»، فأخذت تتبرأ من الفساد وتجاهر بالتصدي له وكأنّا تقول «مش أنا»، وتعتبر أن الشارع المُنتفض هو تعبير عن صميم قناعاتها بل عن مشاريعها الاصلاحيّة والوطنيّة. وإن كان الأمر لا يتعدى دراميّات فاشلة ومحاولة بائسة لـ «ركوب الموجة»، فإن هذه الشخصيات لن تستطيع النجاة من مقتضى «كلّن يعني كلّن».

ومن جهة ثانية، يعتبر بعض المتظاهرين ان شعار «كلّن يعني كلّن» كلمة حق ينقصها جمع الشعب اللبناني مع أهل «كلّن» باعتبار انّه طرف مسبِّب بقصور الواقع المتردّي بتعظيمه للأحزاب وقادتها على حساب الوطن والعدل والإنسان.

«كلّن» تحت مجهر المساءلة

عندما انتفض لبنان ضد الطبقة السياسيّة برمّتها، سَمَح شعار «كلّن يعني كلّن» باختراق حاجز الخوف عند اللبنانيين بعد ان اكتشفوا إصرار الطبقة الحاكمة على زرع الفرقة بينهم وتخويف الجماعات من بعضها البعض وتقديم القيادات نفسها على انها المُخلّص.

على الرّغم من ذلك، ترى شريحة من المتظاهرين أنّ شعار «كلّن يعني كلّن» لا يستقيم إلّا عند القيام بتشريح سياسي وأدائي يضع كلّ من تعاقب على السُّلطة تحت مجهر المُساءلة، ما يسمح بالفصل بين شريحتين من السياسّيين والمسؤولين، الصالح منهم والطالح.

«كلّن تحت المجهر»، من هذا المنطلق، يُطالب البعض بمراجعة تاريخ وأداء كلّ سياسي ومسؤول بموضوعية ليتم فرز الفاسدين المفسدين عن أصحاب السجلّات النظيفة الساعين لبناء دولة حرّة ومستقلة، من خلال العودة الى الوقائع الدامغة والوثائق والمستندات، والتعاطي مع المسؤولين المشتبه بهم بالأسماء والملفات والتهم والبراهين، والاحتكام الى القضاء اللبناني لإثبات ممارسات الفساد.

بهذا يتم الابتعاد عن منطق التخوين والتعميم الذي يستفزّ شريحة من اللبنانيّين، ويردم الصدع بين كافة المتظاهرين، ما يُعطي الانتفاضة زخماً إضافيّاً لمحاسبة ناهبي المال العام.

ليس المطلوب إغفال الشعار أو إنكاره، إنّما المطلوب توضيح أهدافه ومراميه وغايته، بحيث يُصبح نقطة التقاء بدلاً من أن يكون محل خلاف وافتراق.