بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 كانون الأول 2017 12:00ص وجع الناس!

حجم الخط
 أنكش (كلمة فُصحى) من أرشيفي مقالة كتبتها في شهر كانون الأول عام 2002، وأُعيد نشرها دون تعديل أي حرف منها، وأقول فيها:
بدأتُ الكتابة مُذْ كنتُ يافعاً فساهمتُ في المجلات والنشرات وصحف الحائط المدرسية، وشاركتُ في معظم مسابقات الإنشاء والخطابة.
كما كتبتُ على مدار الأيام عن المدرسة والحي والبلد والوطن العربي الكبير، كتبتُ عن سوق سرسق وسوق النورية في الوسط التجاري القديم ومرفأ بيروت حيث عملتُ كي أتابع تعليمي، كتبتُ عن الشباب والحب والعواطف والأمل، وكتبتُ عن الحركة الطالبية التي كنتُ ناشطاً في إطارها، وعن التـنظيمات والسياسة التي انغمستُ في أتونها.
ثم انتقلتُ إلى العمل خارج لبنان لسنين طويلة، وتقلّص نشاطي إلى الحد الأدنى، متمثّلاً بجمع التبرّعات وإقامة حفلات الإفطار في رمضان لصالح دور الأيتام في لبنان، وحين عدتُ إلى الوطن شعرتُ بالغربة والوحشة بدل الإنتماء، وكنتُ إذا استفسرتُ أو طرحتُ أمراً أو فكرة أفاجأ ممن حولي بردّ هازىء  ساخر «ليك وين بعدُه!».
تنظر حولك في أي لحظة فترى الوطن مُثخناً بالجراح العميقة النازفة المُؤلمة، وتحسُّ بوجع الناس في كل مرفق ومكان، وكل مفصل وموضع، وكل حاجة ومطلب وقضية.
أُصبنا في قوميتنا وعروبتنا في فلسطين والعراق وغيرهما من الأقطار التي استُهدفت أو من هي على لائحة الاستهداف.
وأُصبنا في إسلامنا فإذا بنا نصنّف إرهابيين معكّرين لصفو السلام العالمي وأمن المُجتمع الدولي، وتُشنّ علينا الحملات المُغرضة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً وإعلامياً.
أُصبنا بداء الطائفية والمذهبية، داءً سرطانياً يأكل أحشاء الوطن، ويُدمّر أبناءه، ويحرق الأخضر واليابس.
تنظر في تحوّل المواقف السياسية في لبنان، ولعبة الكراسي الموسيقية، وفن التكويع ونقل البندقية من كتف إلى كتف، فتترحّم على أيام المواقف والمبادىء، وتحزن على انقراض الرجال الأشداء في الحق رغم لوم اللائمين.
تنظر في شأن الفن والشعر والثقافة وإلى أي منحدر وهاوية قد وصلت إليه، وكيف يُستباح الذوق والأخلاق والأصالة، فتبكي على الماضي والتراث، وتلعن المُستقبل والحداثة!
ترى تقاعس الدولة في واجباتها تجاه المواطن صحة وتعليماً ورخاء وأمناً وشيخوخة، وعدالة اجتماعية وإنماء متوازناً، فيُصيبك الإحباط واليأس والقرف، وتكفر بالوطن جاعلاً همّك الوحيد تأشيرة الهجرة.
رغم ذلك، يُشرّفني أنّني من الناس البسطاء، الناس الذين ليس لهم سندٌ أو مُعين سوى إيمانهم وتفانيهم في عملهم وجهدهم وإخلاصهم ومصداقيتهم وحسن صيتهم، والتزامهم بقضايا الناس.
وجع الناس الذي يعتمل في نفسي طبيعي وتلقائي، وهو يتآكل في أحشائي ويتوهّج في داخلي ويقُضّ مضجعي ويحرقني كالجمر اللاهب المتّقد.
لذا أعود إلى الكتابة عن وجع الناس مُدركاً أنّ أبناء بلدي يحتاجون إلى أكثر من أنْ أكتب عن آرائهم وأحلامهم وعواطفهم، واحتياجاتهم ومطالبهم ومظالمهم، لأنّ الإكتفاء بالقول في حالتنا الراهنة هو أضعف الإيمان!