بيروت - لبنان

اخر الأخبار

26 كانون الثاني 2018 12:15ص «أبو الغضب» إسم على غير مسمى لـ «جو قديح» وحيداً نوستالجيا ملاجئ الحرب بعيداً عن أهوال الموت...

حجم الخط
جو قديح من جديد على الخشبة وحيداً..
له كاريسما، حين يطل ويقول مونولوغه، له خصوصية تدخل في المسام بتؤدة.. هذه المرة إختار واحداً من الألقاب المرعبة في الحرب: «أبو الغضب» حين كان لكل حزب واحد على الأقل يحمل هذا اللقب، ويعيش معه، زارعاً من حوله قدراً حتى لا نقول خوفاً، من شعوره بعدم الإرتياح ومن ثم الغضب.
لكن «قديح» لم يقدم هذه الصورة وهو يقدم اللقب في عنوان عمله الجديد، كان ودوداً، إنسانياً، ولطيف الكلمات. ولم يقتل أحداً أمامنا بينما باقي الغاضبين لا يعطون هذه المساحة من كرم الأخلاص وحسن التصرف بل الكلمة الحسم للرصاص، والجثث الملقاة أمامه.
على خشبة الجميزة، المسرح الذي إكتشفه ورعاه واستمر معه يقدم الفنان «قديح» عمله الجديد هذا، والذي إفتتحه في عرض للإعلام يوم 17 كانون الثاني/يناير الجاري، فيما العرض الرسمي للجمهور في 25 منه، والمناخ العام: نعم تذكير بما كانته النّاس خلال الحرب المنصرمة على لبنان، وكيف عاش اللبنانيون جلّ وقتهم في الملاجئ، مع عادات وتقاليد وأمزجة الرجال والنساء من مختلف الطبقات والاهتمامات تحضر بقوة في العلاقات المتبادلة بين نزلاء المكان المجبرين على التعايش رغم كل المخاطر المحدقة بهم معاً.
صورة «أبو الغضب» التي في أذهاننا لم نرها على الخشبة، كان أمامنا «جو» غاضباً، من تصرفات بعض الذين حملوا متاعهم من شققهم إلى مكان التجمع اليومي هذا تفادياً لسقوط القذائف العشوائية في ساعات الليل والنهار، وهنا يُطلق بطلنا العنان للسانه كي يقول كل شيء منتقداً ما تفعله فلانة أو فلان رغم سوء الوضع في الخارج وإنعدام إمكانية فعل الأفضل في مثل هذه الظروف الكئيبة والخطيرة.
هذا المجتمع الذي تشكّل في الملاجئ يرصده «قديح» بكثير من الشفافية والعمق، ويروي حكايات لا نهاية لها من دلع هذه الصبية وغباء ذلك الشاب وكسل آخر، ونقل إحدى الحاضرات معظم أدوات مطبخها وغرفة نومها إلى هذا المكان المكتظ فقط من أجل الا تشعر في أي وقت بأن شيئاً ينقصها في اللحظات غير المحسوبة.
حركة «جو» أسلوب حديثه وصياغة عباراته، كلها تحت المجهر ولا شيء إضافياً في الصورة المكبرة، حتى المشية لم تتبدل وإن كان ينتعل بوطاً عسكرياً للإيحاء بالروحية الميليشياوية التي لطالما ميزت «أبو الغضب»، لكن هذا الرجل لم يفعل شيئاً مكتوباً لكي يلعبه على الخشبة، نعم روى من الحكايات ما لا يُعدُ أو يُحصى لكن في إطار ملء فراغ العمل، وإطلاق ملاحظات حول كل التفاصيل الصغيرة خصوصاً الحمامات العربية القديمة التي ما عاد موجوداً منها سوى القليل، ومع ذلك فإن الحنين إلى هذه النوعية كبير، وهو ما يجعل «أبو الغضب» يحن إلى تلك الصور والأجواء التي تدل على جانب من ماضي لبنان المؤلم من الحرب وتداعياتها.
آنستنا المسرحية. وشعرنا معها بالحميمية والإقتراب من روحها خصوصاً نوستالجيا التعاطي مع الأهل والمقربين بأسلوب عفوي، صادق، فيه من المودة الكثير، ويجيء التذكر نوعاً من علاج غير مباشر، للواقعين تحت تأثير الصور المهولة للحرب، وسؤال واحد يطرح نفسه: كيف إنضممنا إلى هذه اللعبة المجنونة..
«أبو الغضب» حكى وجعاً، وقدم صورة وطن تمّ حشر أهله تحت الأرض، في الملاجئ، لكن هؤلاء عاودوا الحياة والحرية، «طلعوا على الشمس، طلعوا عالحرية»، وما زالوا يتنفسون عبق الحياة.