بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 تشرين الأول 2019 12:03ص المايسترو «بعلبكي» يفيض إحساساً وديناميكية بين كونشرتو «موزارت» وسيمفونية «تشايكوفسكي»

المايسترو لبنان بعلبكي، وعازفة البيانو تاتيانا بريماك خوري المايسترو لبنان بعلبكي، وعازفة البيانو تاتيانا بريماك خوري
حجم الخط
كانت سهرة ممتعة وزاخرة بكل ما تستطيعه الأنغام من تحقيق الشفافية والإستقرار للمشاعر، وضبط المزاج على إيقاع خارج الحياة وخارج هذا الكوكب وداخل الفضاء الساحر.

لا إسم للسهرة التي دعينا إليها في حرم كنيسة القديس يوسف للأباء اليسوعيين، لكن الثقة التي بنيناها مع مهارة وتميّز وإبداع المايسترو لبنان بعلبكي، معطوفة على إسمين محفورين في ذاكرة الموسيقى العالمية: موزارت وتشايكوفسكي، جعلتنا نلغي كل إرتباط حتى ولو كان فنياً ليلة الجمعة في الحادي عشر من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، لكي نتفرّغ بالسمع والقلب لمواكبة الأوركسترا الفيلهارموني اللبنانية مع أكثر من 60 عازفاً وهي تعزف كونشرتو موزارت للبيانو ترافقها العازفة العالمية تاتيانا بريماك خوري على آلة البيانو في القسم الأول من الحفل حيث إحتل الجهاز مقدمة المسرح وغطّى على جانب كبير من المشهد لكن البديل جاء من قيمة العزف ومهارة العازفة التي دخلت في عمق التلاحم بين الآلات وظلت متميّزة قادرة على التأثير من دون أي خلل أو بطء أو حتى تراخٍ في أي مكان من العزف المتناهي الدقة والرقي، مع عزم واضح لمنع أي نفور في أي نغمة.

موزارت الهادئ، الذي تتلألأ موسيقاه بأنغام سلسة خافتة الصوت غالباً إنسجاماً مع اللمسات التي يريدها قريبة جداً من الفؤاد، وجاءت الضربات الناعمة على مفاتيح البيانو لتضيف إلى السمو العاطفي كثيراً من الشجن الصادق، وليس صحيحاً أن إحساس الرجل مثل إحساس المرأة، أبداً لكل منهما خصوصية وما تحسّه المرأة لا دخل فيه للرجل، فللمرأة خاصية منحها إيّاها الله عزّ وعلا وهي مشاركته في الخلق كوسيلة، بما يعني إحترامها المضاعف مهما فعلت وأبدعت، لأنه لا يجوز أن نبخسها قيمتها.

وراعى المايسترو لبنان بعلبكي هذه الخصوصية عندما كان يعطيها إشارة البدء، ثم نظرة الإحترام لأصابعها تتنقل بتؤدة على المفاتيح أو تسرع في ملاحقة النغمات من دون فانتازيا النجومية فقط هو باب التواضع أمام الموسيقى فكيف وهي من عبقري خالد الذكر على مدى الزمن موزارت. في وقت لا بد من الإشادة بغالبية العازفين الذين كانوا مستنفرين مئة في المئة لمواجهة جمهور سمّيع يعرف قيمة هذه الموسيقى وينطلق منها لدفع ذوقه قدماً إلى الأهم والأفضل لتعزيز ثقافة كلاسيكية نحتاجها في مجتمعنا العربي كثيراً وقد خطا اللبنانيون خطوات متقدمة في هذا المجال من خلال المهرجانات وأبرزها مهرجان البستان.

لا ننكر أن الجزء الثاني من الحفل هزّنا بقوة وعمق أكثر من الأول. ما هذا السمو في موسيقى تشايكوفسكي خصوصاً في السيمفونية الرابعة التي أخذتنا في رحلة أبدية، بدا الرجل حازماً وشديد الرقة في آن، لكنه يمتلك روحاً متوثبة جريئة متدفقة يصعب ضبط مسارها فهي كالبركان حين تسيل منه تلك السوائل المشتعلة، وكم كان المايسترو بعلبكي جاهزاً للتعامل مع هذه الثورة العارمة من الأحاسيس بدعم واضح من عموم العازفين الذين وجدنا فيهم روح التوثب والتحدّي بما جعل العزف يذهب إلى آفاق أبعد وأجمل، كدنا نخاف عليهم فالحمية مطلقة والمتابعون في صالة الكنيسة شاخصة أسماعهم كما نظراتهم لرصد هذا الغزو الجميل من بساتين موسيقى العالم.

ما زالت المتعة تسكننا بعد أيام على السهرة، وهي معنا كلما أردنا ما يبرد قلوبنا.