الفنان الكبير المخضرم جميل رااتب (92 عاماً) فاقد صوته منذ أسابيع.
لكنه منذ أيام وصل إلى العاصمة الفرنسية لتلقي العلاج ومحاولة استرجاع صوته، ومعرفة أسباب ضيق نفسه، وعدم قدرته على التنفس بشكل طبيعي، مما يجبره على البقاء صاحياً طوال الوقت لصعوبة التنفس التي أرهقته، ويبدو أن الأطباء المصريين وجدوا الأفضل له أن يتلقى العلاج في فرنسا، إما لأن التكليف ستكون على الجهة الفرنسية كون الفنان راتب يحمل الجنسية الفرنسية كون والدته تنتمي إلى هذا البلد أو لأن سقف العلاج في مصر ما عاد يسمح باكثر مما تمّ توفيره له حتى أمس القريب.
الفنان الذي قارب عمر عطائه النصف قرن ينتقل منذ أسابيع بين عدد من المستشفيات في القاهرة، من دون تحقيق أي نتيجة إيجابية في ظاهرة باتت لافتة منذ سنوات قليلة خسر خلالها الجمهور العربي عدداً من كبار الفنانين المصريين الذين شكلوا نجومية عربية كاسحة أمثال: نور الشريف، محمود عبد العزيز، مديحة يسري وغيرهم بما يعني أن هناك جيلاً كاملاً من الكبار، يرحل أفراده وسط غصة من أن هؤلاء تركوا أثراً عميقاً في نفوس كل العرب، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما الذي أعدته مصر لأمة العرب، فهي ولادة على الدوام منذ العام 1927 في إطلاق أهم الفنون وأشهر الأسماء على مدى عقود سواء في مجال السينما، أو المسرح، أو الغناء والابداع التلحيني.
نحن ندرك إستحالة ولادة نجوم كل يوم في بلد ما، ونعرف عن قناعة أن النجوم الكبار يحتاجون إلى وقت كاف لكي يتجذروا في الأرض، وتصبح لهم مرجعية جماهيرية واسعة بحيث يعيشون أكثر في ذاكرة وخاطر النّاس، ويتحولون إلى علامات فارقة أشبه بالأيقونات الخالدة.
ومن خلال مطالعة سريعة، بسيطة وشفافة، فإننا لا نرى البديل المعاصر والمقنع لمعظم الذين خسرناهم في الفترة الأخيرة، فمن أين لنا في يومياتنا الحاضرة مخرجاً في وزن وقيمة الراحل فجأة محمّد خان، وكيف لنا أن نتصور من يخلف الكبير يوسف شاهين في عبقريته والساحة على مدى عشر سنوات تراوح مكانها ربما لأن مصر مرّت في ظروف صعبة طوال 6 سنوات متتالية، لكن المشهد لا يوحي بالاطمئنان، لكننا نسأل هنا، لماذا يكون علي بدرخان، ومحمود عبد العزيز، وعلي عبد الخالق، وصولاً إلى الرائع شريف عرفة، ومع ذلك لا نرى لهم جديداً.
المخرج «بدرخان» يشكو دائماً من وجود أفكار ونصوص عديدة عنده لكنه لا يجد من يمول مشروعاً سينمائياً واحداً لكي يخرجه، ولماذا يترك الآخران المخضرمان من دون إهتمام، فيما يحضر «عرفة» من وقت لآخر كمخرج، متراجعاً عن العمل خلف الكاميرا لصالح دعم مخرجين شباب في مشاريع واعدة، وهذه رسالة سينمائية جيدة يقوم بها هذا الفنان الفذ.
وحين لقائنا الفنان الكبير عزت العلايلي قبل أشهر في مهرجان القاهرة قلنا له: إننا خائفون على مستقبل الفن، لم يظهر جيل مبدع وجماهيري ومعطاء يعادل صورة وقدرة المخضرمين، سواء الذين رحلوا أم المعاصرين، وهو وافقنا قائلاً: نعم خوفك في مكانه فأنا أدعو في كل لقاءاتي وإجتماعاتي إلى دعم المواهب الشابة وفتح الأبواب أمامها لكي تباشر خطوات تصاعدية حتى تبلغ مرتبة الإبداع.
هذه صورة متشائمة نعم.
لكنها واقعية وعلينا قراءة ما نعيشه بشكل شفاف وعميق طمعاً في إيجاد الحلول أو البدائل، حتى لا نفاجأ في الوقت غير المناسب بما نحن عليه من ركود وتكرار وكسل، وإنتظار ما لا نعرف عنه شيئاً.
ندعو بالسلامة للفنان راتب، ونرجو لـ نادية فهمي، ومحمود ياسين، وصلاح السعدني، ويوسف شعبان وكثيرين من جيلهم، كامل الصحة والعافية، بينما نحن سعداء بأن غير القادرين على الصرف على علاج أمراضهم من حسابهم يجدون الدولة المصرية جاهزة لتحمل النفقات.