بيروت - لبنان

24 تشرين الثاني 2017 12:02ص «جورج خباز» يُعمّر بناية على المسرح تختصر وطناً «إلا إذا» تحذّر اللبنانيين من تصدُّعات تنذر بالإنهيار..؟؟

حجم الخط
سمعنا عنها قبل أن نشاهدها.. الفنان جورج خباز لا يفتتح أعماله على الطريقة اللبنانية» مدعوون، جميلات، مندوبو المحطات الفضائية، وصخب المآكل والمشارب. بعض محبيه حضروا  العروض الأولى لمسرحيته الجديدة «إلاّ إذا» على خشبة «شاتو تريانو»، وتحدثوا عنها بحماسة لافتة فتأكدنا من أن «خباز» لامس الناس في واقعها على عادته، وزاد هؤلاء في القول «مسمّي كل شي بإسمو مسيحية وإسلام، وكل طرف كيف بيفكر وشو بيقول، ضحّكنا لحد البكي». طبعاً لم نكن نحتاج إلى كل هذه المؤثرات قبل مشاهدة العرض الجميل الصادق الحر، نص محب، لبناني أصيل وحقيقي يبتغي إيقاظ بعض الضمائر النائمة إلى خطورة الحال التي نحن عليها، ويضع الحق في نهاية المطاف على الجميع لأنهم يرون أمامهم تصدّع البناء (الوطن) الذي نسكنه، وهو مهدد بالسقوط في اي وقت ومع ذلك فنحن نتلهى بالقشور، فيما محاذير الإنهيار تهددنا في كل لحظة.
نقر ونعترف أننا أدمعنا من الضحك، وبعض الدموع لم تكن دموع فرح، بل أسىً على الحال التي بلغناها ولا نقدر معها العواقب السلبية المترتبة عليها. تسلل «خباز» بمرونة تحت الجلد، وإستراح خلال جولته في أكثر المواطن حساسية، فأثارها وتعامل معها بوضوح وثقة ونبل مشاعر، دخل مغارة الطوائف والمذاهب، قالها بالكوميديا كما أكدها بالطريقة السوداوية التي إختارها لتوصيل رسائله، عارفاً عمق المأزق الذي يمر به الوطن الذي يتوجع ويتفجع منذ 43 عاماً ويزيد.
إختار فناننا صاحب النظرة الواقعية للأمور موضوع الطائفية والمذهبية هذه المرة لمخاطبة جمهوره، من خلال مبنىً قديم في منطقة شعبية، مكون من عدة شقق متلاصقة، وفي كل واحدة ينتمي إلى طائفة أو مذهب مختلف: الشيعي(خباز) السني(غسان عطية) الدرزي (وسيم التوم) الماروني(جوزيف أصاف) الأرثوذوكسي(جوزيف سلامة) والكاثوليكية (سينثيا كرم)، والأرمني (أسبيد كاجادورجيان) لكل منهم خطابه الخاص والذي نعرفه جميعاً بحكم التكرار وتعدد المناسبات المختلفة، والمشكلة التي يوقعهم فيها الكاتب والمخرج والمنتج وكل ما تبقى من مهمات أنه بحث لهم عن أصولهم (مع الإعتذار لتلميحنا إلى سر النص) لتحصل المفاجأة التي تقلبهم في لحظات إلى أبواق ناطقة بلسان الفريق الآخر وهو ما نتركه للجمهور كي يواكبه مباشرة في الصالة، لكن الخلطة المعتمدة بالغة الدقة والذكاء ولم نفاجأ عندما عرفنا أن الفنان جورج امضى أشهراً في العمل عليها وإيجاد مفخخات في النص تخدم الكوميديا السوداء التي تؤلم أكثر ويستوطن وجعها في القلب مدة أطول.
الفريق بالكامل (لورا خباز، جوزيف ساسين، عمر ميقاتي، بطرس فرح، وكريستيل فغالي) ادّى واجبه في ضخ المواصفات المباشرة في صلب الرسالة التي حملها النص، الرشيق، والواضح والمرن والصريح في توصيفه كل طائفة ومذهب على حدة، وكان الكلام عن الجميع مباشراً فلم يمالئ أحداً أو يحابي طرفاً على حساب طرف آخر، ولم يتأخر في جعل كثرة الأبناء وإقتناء وإستعمال قطعة سلاح من سمات حسين (خباز) الشيعي، والذي يتبين أخيراً بأنه من أصول مارونية، بينما زوجته زينب(مي سحاب) حامل على الدوام.
الصالة كانت متجاوبة معه على الدوام، مع كل موقف وعبارة، مع كل إلتفاتة أو ومضة كان الجمهور في الإنتظار لا يُخيّب أملاً ولا يتأخر في إعطاء ردة فعله المباشرة على كل ما يسمعه ويراه، كانت الرسائل متبادلة وبسرعة البرق بين الخشبة والصالة، وهذه من أمتع المشاهد التي يكبر بها الفنان، ولـ «جورج خباز» أن يسعد بكل هذا الحب والتقدير الذي يلقاه من عموم الناس، سواء إلتقوه ممثلاً على الخشبة أو مواطناً عادياً يعبر الشارع أو يجلس في مقهى رصيف.
محمد حجازي