بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 أيار 2019 12:29ص «سمية بعلبكي» حكمتنا ساعتين بحنجرتها الذهبية المتدفّقة

غنَّتْ «أم كلثوم» فتحوَّل جمهورها إلى أكبر «كورال» متناغم معها...

سمية بعلبكي على خشبة المدينة سمية بعلبكي على خشبة المدينة
حجم الخط
أحيت المطربة المتمكنة «سمية بعلبكي» ليلة كلثومية بإمتياز على خشبة مسرح المدينة يوم الجمعة في 17 أيار/ مايو الجاري، يرافقها 14 عازفاً من الأوركسترا الوطنية اللبنانية.

منذ فترة وصاحبة الصوت الأصيل والثابت والكبير لم تقم حفلات كبيرة، وهي صورة صاحبتها طوال الأشهر التي أمضتها في بيروت بعد عودتها وزوجها الفنان نبيه الخطيب من الدوحة حيث أمضيا عدّة سنوات هناك.

حالة التعطيش التي أوجدتها «سمية» لصوتها جعلت السميعة الذين يقدّرون موهبتها حق قدرها يلتقون جميعاً وبلهفة في الليلة المشهودة طمعاً في نسبة عالية من الثقافة والأصالة وغزارة الموهبة، في زمن عزّ فيه وجود الكبار، وكان الجميع على حق فالشوق كان متبادلاً بينها وبين الجمهور العريض النخبوي والسمّيع، لذا تحوّل حفل المدينة إلى مبايعة فنية لـ «سمية» بأنها أفضل من غنّى الأصالة والتراث وأصعب الأغنيات.

إختيار «أم كلثوم» لم يكن اعتباطياً، فهذا ملعب «سمية» تدركه، تعرفه تماماً وتختال فيه عارفة كل ما فيه، وكل ما عليها فعله لتبقى الصورة رائعة راقية ومتألّقة، وهكذا فزنا بليلة عامرة بالسلطنة الغنائية على مدى ساعتين إنتهت مع حلول منتصف الليل، من دون أن يتمكن الحضور من المغادرة بفعل الحالة التي سكنتهم من التماهي والتصاعد السمعي حتى الغياب عن الوعي حين يبلغ التألّق قمّة عالية جداً تبدو معه «سمية» في أبهى أداء وأروع إحساس مع أغنيات مختارة لأم كلثوم (حكم علينا الهوى، للصبر حدود، بعيد عنك، فكروني، والأطلال) لكنها لم تقدّمها بالشكل الذي عهدناه، أبداً، لقد جوَّدت واجتهدت ومارست حفلاً فنياً عميقاً في هضم مادة الأغنيات وانفعالاتها ومن ثم التعبير عنها بروح خاصة جداً.

الصالة التي ضمّت عيِّنات من خلاصة المجتمع ثقافياً واعلامياً وسياسياً وفنياً وشخصيات، وغلب عليها كالعادة العنصر النسائي، حكمتها «سمية» من اللحظة التي ظهرت على الخشبة إلى حين إنسحبت مع آخر جملة من قصيدة «الأطلال»، دخلت بالصعب لكي تغرِّد وتجود وترتفع بالارث الكلثومي إلى أرفع مرتبة تليق «بالست» التي تحكم أسماعنا منذ عدّة عقود.

لم تحتج «سمية» إلى مايسترو يقود العازفين الـ 14، الإحساس بالغناء، المشاعر الفيّاضة الخاصة والمتدفقة جعلت العازفين في كامل إستنفارهم معها. إشارة بسيطة من إحدى يديها وهم خلفها تحسم موضوع الإعادة والتمديد وبلوغ نشوة الغناء مع جمهور كان في غاية الانسجام والتواصل، ولم يطلب منه أحد القيام بدور الكورال غير الموجود على الخشبة، فإذا بحالات الانسجام القصوى، تجعل الحضور كلهم من دون إستثناء، الكورال الخاص بالسهرة الرمضانية المؤثرة والرائعة، غنّى الحضور عدّة مرات وإستمعت «سمية»، ثم دخلت عليهم وأكملت ما كانوا بدأوه.

الجميل في صوتها أنه كلما علا لم يفقد من تماسكه شيئاً ولا من متانته، وقوّته، فقد إعتدنا على الأصوات النسائية أن تتحوّل إلى (Aigu) تضرب في الآذان والقلوب فتجرحها، أما مع «سمية» فالحلاوة تبقى، والطواعية تبدو واحدة حتى وهي في أعلى الطبقات، وكم شعرنا بسعادة وقد كان خلفنا مباشرة التينور إيليا فرنسيس، الذي إنفعل بشدّة وراح يغني معها بصوت عال لننال متعة مضاعفة من سمية وإيليا في آن واحد.

«سمية» الرقم واحد، في غناء الأصالة والتراث.

«سمية» تأخذ حقها من جمهور السميعة في كل مرة تطلُّ عليهم.