زياد سامي عيتاني*
إبراهيم مرعشلي، ممثل تلفزيوني ومسرحي وسينمائي ومقدم برامج إذاعية وتلفزيونية، عرفه جيل عاش حقبة ذهبية من تاريخ لبنان الفني.
وقد تميّز بعفويته وروحه المرحة، إضافة إلى تمرّسه في مهنته وصدقه في التعبير، مما جعله يحفر إسمه في الذاكرة والوجدان والتاريخ الفني...
واليوم تمرُّ ذكرى رحيل مرعشلي (15 أيلول 2004)، نستذكر تلك المرحلة العصيبة من تاريخ لبنان عندما لم يبقَ أمام اللبنانيين سوى الشاشة الصغيرة للتغلّب على وحشية الحرب، فبرز الممثل الكوميدي إبراهيم مرعشلي كأحد نجومها البارزين حينها، فشكّل «الكابتن بوب» و«إبراهيم أفندي» و«المعلمة والأستاذ» وسواها علامة فارقة في تاريخ التلفزيون فترة الثمانينيات، والتي أدخلت البسمة والبهجة في قلوب اللبنانيين، بالرغم من الأهوال التي كانوا يعيشونها...
وقد عايش مرعشلي بدايات الكوميدية المسرحية والمتلفزة مع الفنان الراحل «شوشو»، وذلك حين قام الأخير بتأسيس المسرح الوطني، فكان نجماً من نجوم الصف الثاني في كوميديا الستينيات، لكنه ما لبث أن شقّ طريقه ليحتلّ بطولة المسلسلات الكوميدية الأشهر خلال الثمانينيات، وتحديداً من خلال مسلسل «المعلمة والأستاذ» الذي شكلّ منعطفاً كبيراً في تاريخ الشاشة الصغيرة بالنسبة للمرعشلي...
*****
• البدايات:
وُلد الفنان إبراهيم مرعشلي في 27 كانون الثاني/ يناير عام 1937 في بيروت، لعائلة متواضعة وهو الإبن البكر، وطوال حياته كان يحلم بتحسين وضع أهله، فترك المدرسة باكراً وعمل في مجال الخياطة ليساعد والده مادياً، ومن ثم راح يرسم كهاوٍ بإنتظار فرصته في التمثيل.
بدأ إبراهيم مرعشلي حياته الفنية في الستينيات، عندما قدّم العديد من الأعمال في السينما اللبنانية والمصرية، منها «عنتر يغزو الصحراء» عام 1960، و«بدوية في باريس» عام 1964.
وفي هذا الوقت ربطته علاقات طيبة جداً مع عدد من المخرجين والكتّاب والممثلين المصريين، تحديداً في الفترة التي هاجرت فيها السينما المصرية إلى لبنان، الأمر الذي جعل صورة المرعشلي حاضرة كبطل ثانٍ بإعتبار البطولة الأولى كانت حصراً للمصريين...
ثم إنضم إلى قسم التمثيل في الإذاعة اللبنانية في بداية الستينيات، وكانت إذاعة لبنان مزدهرة تنتج الأعمال الإذاعية التمثيلية، ومن ثم انتقل ومعه بعض الرفاق إلى تلفزيون لبنان ليعمل ضمن فريق كان يقوده الفنان الكبير الراحل محمد شامل، حيث برزت مواهبه في مجال الكوميديا.
*****
• الشهرة في مسرح «شوشو»:
بعدها اتجه إلى المسرح عقب تأسيس حسن علاء الدين للمسرح الوطني، وقد لاقى إبراهيم مرعشلي شهرته الحقيقية في المسرحيات التي شارك فيها إلى جانب عدد كبير من الممثلين الذين شاركوا «شوشو» مسرحياته على خشبة المسرح الوطني.
إذ رافق إبراهيم مرعشلي «شوشو» منذ أن تأسس أول مسرح «المسرح الوطني»، وكان مرعشلي من دعائم هذا المسرح، حيث إنطلق مع إنطلاقته الأولى عبر مسرحية «شوشو بك في صوفر» من إخراج نزار ميقاتي، حيث نحت اسمه في المسرح اللبناني، حتى غدا أساساً من أسس مسرح «شوشو».
وقد استمرت مسيرة مرعشلي مع «شوشو» مضيفاً إليها الكثير من الأدوار السينمائية، من دون أن يقطع علاقته بالإذاعة أو التلفزيون إلى أن وقعت أحداث الحرب اللبنانية، وأتت من ضمن ما أتت عليه على المسرح الوطني، فيما توقف الإنتاج السينمائي والنشاط التمثيلي الإذاعي.
*****
• التأليف والتألّق:
خلال تلك الفترة، بدأت موهبة التأليف تظهر عند إبراهيم مرعشلي، حيث كان يمتلك أفكاراً تصلح لأعمال فنية، وخصوصاً البرامج والمسلسلات الكوميدية، كما كتب أيضاً مجموعة من الأعمال المسرحية التي حملت إسمه، وشارك في العديد من المسلسلات الكوميدية، كذلك قدّم العديد من البرامج والأفكار في محطات تلفزيونية عدة.
*****
• المعلمة والأستاذ:
يُعتبر «المعلمة والأستاذ» من أنجح المسلسلات التي أنتجتها شاشة «تلفزيون لبنان»، واشتهر بالضحك والعفوية وبالبساطة، وهو من بطولة الراحلين إبراهيم مرعشلي وهند أبي اللّمع، وهما الثنائيّ الذي عُرف بخفةّ الظّل التي كانت تنتقل الى المشاهدين بعفوية. وأحد أسباب نجاح المسلسل، كان التجربة الأولى في مجال الكوميديا للممثلة هند أبي اللمع، التي سطع نجمها في السبعينيات بأدوارها الدراميّة والشخصية الرومانسيّة في مسلسلاتها، مما شكّل تحدّياً لها وللكاتب إبراهيم مرعشلي في إختيارها للمرة الأولى بتأدية هذا الدور.
وللتذكير، دارت القصة في مدرسة لمحو الأميّة، جمعت بين المدرّسيْن (هند وإبراهيم) مع الناظرة ظريفة (ليلى كرم) ومجموعة من التلامذة من فئة الأعمار الكبيرة ومن مختلف المستويات الاجتماعيّة والفكريّة، بدءاً من «صاحب الدكانة» (أبو العبد) وصولاً إلى الابن المدلّل (يوسف). وفي نطاق الأحداث، تألفت قصة حب بين المدرّسَيْن، بمزيج بين الكوميديا والرومانسية. أما بالنسبة للتلامذة، فكان بعضهم صاحب طابع غبي ومضحك ومشاغب، فأضافوا نكهة خاصة إلى المسلسل بالحركات والنهفات الطريفة التي كانت تصدر منهم.
*****
• إبراهيم أفندي:
كذلك برز له مسلسل «إبراهيم أفندي» الذي لعب فيه دور شرطي سير، يحب الفن، ويلتقي بنجومه، ويجبر المغنين على تقديم وصلة لهم في الشارع، أو يكتب له ضبطاً.
وقد كان هذا المسلسل الكوميدي من إخراج إلياس أبو رزق، إذ تم تنفيذه بتقنية جديدة باستعمال «جنريك كروما».
*****
• كابتن بوب:
كما قام أيضاً بتنفيذ مسلسل «كابتن بوب»، وهو من وحي مسلسل «إبراهيم أفندي» الذي كان يختص بنجوم الأرض، بينما «الكابتن بوب» فكانت تجري أحداثه في الفضاء، في الطائرة، بين أفراد الطاقم والركاب.
*****
• الدراما:
الملفت أن إبراهيم مرعشلي برع في الدراما في زمن تلفزيون لبنان، ولعب أدواراً جديّة قد تجعل المشاهد يشك بأنه هو نفسه الممثل الكوميدي الذي ينتزع الضحكة من مشاهديه.
فقد بدأ مسيرته التمثيلية كممثل دراما بأدوار جديّة ومسلسلات باللغة العربية الفصحى بالاشتراك مع أكبر الممثلين، أمثال: هند أبي اللمع ، نهى الخطيب سعادة، نادية حمدي، ميشال تابت وغيرهم. وكان إبراهيم من وراء الكواليس وأثناء القصف يلقي النكات بين زملائه في تلفزيون لبنان، وقفشات تضحكهم وتشحذ معنوياتهم وتنسيهم التعب.
*****
• مقدّم برامج:
لم يكتفِ إبراهيم مرعشلي بالأداء التمثيلي، فقدّم العديد من البرامج كان من أبرزها برنامج «أغاني ومعاني»، وشكّل ثنائياً مع الممثلة رولا حمادة عام 1984، فاستطاع برنامج «أغاني ومعاني» التربع على عرش البرامج اللبنانية لمدة طويلة.
كان البرنامج فريداً من نوعه وجديداً على شاشة التلفزيون الرسمي، حيث كان البرنامج يحمل عدة مشاهد مضحكة بين زوجين في مشاكلهما اليومية، لينتهي بإستضافتهما شخصية فنية، فيتحوّل إلى سهرة مع نجم لبناني، يسألانه ويضحكان ويتعامل معهما الضيف كزوجين فعلا.
ومنذ ذلك الوقت بقي مرعشلي يكتب للتلفزيون ويعمل في تقديم البرامج وكتابتها.
*****
كان إبراهيم مرعشلي شعبياً بسيطاً معبّراً بمعنى قبول الناس لأعماله، حيث يستحضر في شخصه الإنسان العادي شعوراً وذوقاً وتفكيراً من دون تكلّف ومن دون مبالغة.
كان يمثل الناس تماماً، يقول ما يحاولون قوله ولا يقدرون. قابل هموم الحياة بفكاهة شعبية، مؤدّبة محببة، حلت للسامع ولذّت للمشاهد، وإنتقى مشاهده من داخل النسيج الاجتماعي.
*****
* إعلامي وباحث في التراث الشعبي