بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 حزيران 2019 12:00ص غاب المطرب وحضرت حنجرة الأوتار الذهبية فألهبت حماستنا...

«الكمان يُغنِّي»: متعة سمعية بين عصا «الحاج» وريشة «عقل»

عصا أندريه وريشة جهاد عصا أندريه وريشة جهاد
حجم الخط
معزوفتا مثل القمر (أندريه الحاج) وكفاري (أحمد فؤاد حسن) ثم ألحان: بتلومني ليه، أمانة عليك، رح حلفك بالغصن يا عصفور، ليالي الشمال، مطرحك بقلبي، حبيتك تانسيت النوم، يا لبنان دخل ترابك، الورد جميل، وغنيلي شوي شوي.

هذا البرنامج أدّته الأوركسترا الوطنية اللبنانية الشرق عربية بقيادة المايسترو «أندريه الحاج» في سهرة موسيقية بإمتياز حملت عنوان: «الكمان يُغنّي»، وكان العنوان إسماً على مسمّى لأن ساحر العزف على الكمان جهاد عقل هو الذي جعل آلته الأحب إلى قلبه الكمان تغني.

نعم كل من كانوا على منبر مسرح «بيار أبو خاطر» في الحفل موسيقيون، لم يكن على الخشبة أي مطرب، إطلاقاً، وقد حلّ عقل مع كمانه، مكان المطرب أو المطربة كلما حان في اللحن موعد مع صوت المطرب، وهذا الكلام ليس رومانسياً ولا دبلوماسياً، أو مجرّد إشادة بهذا العازف الماهر، أبدأ، فنحن ومنذ أيام المبدع عبود عبد العال لم نعش لحظات طيبة مع الآلة الناطقة بالكلمات كما سمعنا جهاد مع كمانه.

إنه يستحق اللقب: ساحر الكمان.

ويستحق أن يقال فيه الكثير من الإشادات في مهارته، وحسن تقديمه المقطوعات والألحان، له أسلوبه الخاص، وله مزاج في التعاطي مع كل لحن يريد التعامل معه، وهو يردّد سأحاول إنطاق أي لحن بالغناء طالما عندي قدرة على ذلك، وهو حين ينوي ينجح.

55 عازفاً من الأوركسترا بينهم 22 عازف كمان، لكن وجود جهاد أطفأ الأنوار على الجميع، حتى صوت كمانه مختلف، وليس أسلوب عزفه فقط، وحده سيّد الخشبة، وقائد العازفين المايسترو الحاج حلّق مستقلاً هو الآخر، وكانا بكل بساطة نجمي السهرة التي إمتدت ساعتين في صالة رحبة، مزدحمة بالحضور، ومع جمهور متجاوب حتى آخر نفس، دخل الجمهور عى خط الغناء، كان يأخذ مفتاح الكلام أو الـ «كيو» من كمان جهاد عقل مباشرة غنّى الجميع معه، وهو راح يغرّد أحياناً خارج سرب الأوركسترا، فعزف مغنياً وغنّى الجمهور متجاوباً، وكان المايسترو الحرِّيف والواثق يستعيده سريعاً إلى رحاب الغرفة.

ما من غناء في الحفل إلا أصوات الحضور الذين حفّزهم عزف عقل، وطلبوا منه أكثر من مرّة أن يُعيد، أن يجوِّد هنا وهناك وهنالك، ثم تمّ ردّ الأوركسترا للعزف مجدداً لحن «غنيلي شوي شوي» واستطاع جهاد أن يتميّز بحضوره ومهارته عن العازفين في الأوركسترا وهذا في النهاية دور أعطي له وهو لعبه بحرفية الكبار وتفاعل معه جمهور يعرف قدراته، في الوقت الذي يقدّر الجمهور جهد المايسترو في ضبط الحال العزفية، من دون أي خلل أو برود.

أندريه وجهاد شكّلا «ديو» متناغماً جداً.

ورغم ان هناك ألحاناً في الـ «ريبرتوار» كانت صعبة إلا أن جهاد طوَّعها وجعلها ملك كمانه الذي أشعرنا بفرح غامر، ومتعة يُدرك المتذوقون معناها في سياق تذوّق النغمات الحقيقية والأصيلة بإحساس خاص هو الذي فرض نفسه على المناخ العام.

«الكمان يُغنّي».

ليلة أنيسة متقدّمة في مستواها، وأهم ما فيها هذه الروح النغمية التي رافقتنا على مدى الوقت وأشعرتنا أن حال الموسيقى يصبح أفضل عندما يلتقي عاشقان لها تحت سقف واحد، وعلى منبر واحد، مع مشاعر مشتركة في التعاطي مع الموسيقى الخالصة والعميقة الأثر في النفس ومن خلالها تتولد المتعة الحقيقية في جعل الوقت ملكاً للمبدعين القادرين على تحويله شلال فرح وحنان وتفاعل من خلال الروح والحنايا وصولاً إلى ما هو أرقى... التماهي مع حلاوة الأنغام.

تحية مشتركة  للحضور الكثيف