بيروت - لبنان

3 آب 2018 12:00ص «موسوعة الموسيقى العربية في مئة عام» لم تُنصف «الأخوين رحباني» و«فيروز»

كلام عمومي لم يُركّز على الإنقلاب الذي أحدثوه أواسط الخمسينات

حجم الخط
أكثر ما يتعبنا في عالم الثقافة العربية هو الذاكرة..
لا ذاكرة كاملة عندنا، لا في الموسيقى، ولا الغناء، ولا المسرح ولا حتى السينما. وهذا موقف ليس سلبياً من دون أساس. فمنذ فترة ونحن لا نقرأ إلا تجميعاً لمواد ومعلومات بالإمكان إستقاؤها من «غوغل» بشكل مبرمج وواضح، يفوق ما يوفّره بعض المشتغلين في مجال الرصد الفني والثقافي، بأحجام كثيرة ومتفاوتة.
نريد من يقرأ ما يسمع، ومن يكتب ما يشاهد، ومن يصدق حين يريد وضع نص تقييمي، فما نقرأه بكل بساطة هو شهادة على زمن وعلى مواهب وطاقات إرتبطت به، وصُنفت بأنها من جيناته وبطانته.
وبحكم إهتمامنا الفني أرهقتنا المؤلفات غير المنهجية التي تصدر في أكثر من مكان في العالم العربي، ففي السينما أفلام وأفلام عربية وأجنبية ومهرجانات وتظاهرات لا عدّ لها، ومع ذلك كلما قرأنا لواحد ممن يحملون صفة النقد نجد إما هو ينشر مجموعة من حفلاته التي سبق ونشرها في مطبوعة أو أكثر، أو هو يمر على العناوين ويفصلها فقط لكي يضيف عدد صفحات على كتابه، وإذا تمّ تناول إسم فنان تمّ إغراقه بكيل مذهل من عبارات المديح والاستحسان والإشادة.
ليس المطلوب فرحة كبيرة باصدار كتب لمجرد زيادة عدد المؤلفات على رفوف المكتبات. إنما إفادة لأجيال المعاصرة، والقادمة من خبرة أصحاب الشأن ومن قدموا الكثير في حياتهم وباتوا جاهزين لنقل ما عندهم لسواهم.
وفي السياق ساءنا عدم إعطاء الاخوين الكبيرين الراحلين عاصي ومنصور الرحباني، والسيدة الكبيرة فيروز ما يستحقونه من قراءة واهتمام وقيمة، في الكتاب الجديد الذي صدر مؤخراً في إمارة أبو ظبي بعنوان «موسوعة الموسيقى العربية في مئة عام» للمؤرخ العراقي الراحل منذ سبع سنوات عادل الهاشمي فقد قال كلاماً عمومياً عن صوت السيدة فيروز، ومر على أسلوب ومدرسة الرحبانيين بكثير من اللامبالاة المنهجية، مضافاً إلى ذلك إقتصار التناول على مساحة أقل مما يستحق هذا الثلاثي الذي أحدث أواسط الخمسينات أكبر انقلاب موسيقي غنائي مسرحي في المنطقة العربية، عندما جعل ما قدموه الأذن العربية تدير وجهتها إلى بيروت بدل القاهرة التي كانت تتحكم بمفاصل الغناء والموسيقى والمسرح في تلك الحقبة.
«فيروز بدأ نبوغها في خمسينيات القرن العشرين، وهي قدمت نفسها من خلال أغاني: عتاب، مين دلك عالهوى، راجعة، ثم أغاني مستمدة من مزيج بين الفولكلور والروح العصرية «تحت العريشة سوا» وأغاني مستمدة من أصول البناء العراقي في فن التلحين «ع الروزانا» ثم أخذت تغني لوناً لبنانياً قام بتشكيله الأخوان رحباني: «نحنا والقمر جيران».
هذا ما يورده «الهاشمي» في كتابه عن سفيرتنا إلى النجوم، ليضيف:
«إن الخط الذي تمثله (السيدة) فيروز في الغناء العربي لم يكن محصوراً بين الكلاسيكي القديم أو الجديد المنسلخ عن الجذور الأصلية للغناء العربي، بل هو هذا المخرج المحكم في أصول الغناء العربي مع السماحات الأساسية في التطور الموسيقي والغنائي العالمي، كما أن صوت «فيروز»  قدم الأغنية اللبنانية في إطار وصفي تفصيلي للتعبيرية الغنائية الفائقة وبأثر فوري غريب».
كل ما قرأناه لا يفي ولو نزراً قليلاً من قيمة الثلاثي اللبناني، أبدأ هذا الكلام التضخيمي ليس نقداً، مطلوب أن تقال حقيقة ما أنجزه عاصي ومنصور وفيروز، ما قدموه للأغنية اللبنانية، بالمقاونة مع الواقع الغنائي والموسيقي الذي كان سائداً في القاهرة، وتضيء عليه عشرات المؤلفات.
نحن لا يكفينا القول عن الثلاثي إنهم جيدون بل تحديد مفاصل الإضافات التي قدمها الرحبانيان على كلمات الأغنية، وأنغامها، وعلى الصوت المذهل الذي ترجم كل ما عندهما في أغنيات حفرت عميقاً في ذاكرة الأمة العربية، ويكفي أن تكون واكبت محطات تاريخية مفصلية في حياة العرب، وعبرت عنها خير تعبير، خصوصاً القضية العربية التي نالت قسطاً وافراً من اهتمامهم، وبقي نتاجهم المخصص لها من أروع ما صاغه فنانون في شرح الحق العربي، والمدى الذي تبلغه القضية مع الأحرار من الأمة، فلماذا النقص في الاهتمام.