بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 شباط 2019 12:04ص أمين عام إتحاد الكُتَّاب اللبنانيّين د. وجيه فانوس لـــ «اللـواء»: الزمن وحده الأكثر قدرة على تمييز الخبيث من الطيِّب

إتحاد الكتّاب المؤسّسة الثقافية والأدبية الأم

حجم الخط
هو الناقد والباحث أمين عام إتحاد الكتاب اللبنانيين ونائب رئيس إتحاد الكتاب العرب، أستاذ أكاديمي في الجامعة اللبنانية وعضو مناقش في لجان لتحكيم في لبنان، وفي عدد من الجامعات خارج لبنان وأستاذ كرسي محمود درويش في الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم، مؤلفاته بلغت ثمانية عشر كتاباً تنوعت بين النقد الأدبي والتراث والحضارة الإسلامية والمعاصرة وقد تُرجم من أعماله الى الفرنسية، هو الدكتور وجيه فانوس الذي كان لجريدة «اللواء» هذا الحوار معه:


{ أصدرتَ عدداً كبيراً من الكتب والأبحاث في النَّقد الأدبي؛ فهل يفكر النَّاقِد وجيه فانوس في النَّقد الثقافي الشَّامِل، إذ أنّ النصوص الأدبيَّة تولد من المحيط الثقافي والاجتماعي؟
- عرف العمل النَّقديُّ الأدَبي، عبر توالي الحقب وتنوّع البيئات وتعدّد المراحل، عدداً لا بأس به من المفاهيم والتَّوجهات نحو المتلقي. فثمَّة نقد يُعنى بتتبع كل خروج عن القواعد والأصول في مجالات الصَّوغ الأدبي؛ وثمَّة نقد يهتم لتاريخيَّة النَّص، إذ ينشغل بتوثيق وجودِ واضع النَّص وما أحاط بولادة نصِّه من أحداث؛ وثمَّة نقد يركِّز على ما يرى فيه النَّاقِد تفسيراً للنص، منغمساً في شرح ما يراه النَّاقِد غموضاً قد يكتنف النَّص؛ وثمَّة نقد يسعى إلى إبرازٍ معيَّنٍ للانفعال الشخصي للناقد بالنَّص؛ كما أن ثمة نقداً مداره العمل على اكتشاف بناية النص وكيفيات تشكُّله؛ وكذلك فثمة نقد لا يرى في النص سوى أنه نتاج جدليٌّ بين البيئة التي يعيشها الكاتب، أو هو يعايشها، وبين الكاتب نفسه، ويكون هدف هذا النَّقد كشف حركية وجود النص عبر هذه الجدليَّة. من جهة أخرى، ثمَّة مجالات أكاديميَّة متخصِّصة للنَّقد، تتوجَّه إلى أهل الدَّرس الجامعي أو المجامع الأدبيَّة والمؤسَّسات العلميَّة، وأخرى ثقافيَّة، تهتمُّ بالجمهور العام وتساهم في بناء الثقافة العامة للبيئة المجتمعية. من هنا، يمكن القول إنَّ لكل توجه أو اهتمام نقدي مسرحه الخاص به، وربما، أيضاً، الجمهور الخاص بهذا المسرح. وبحكم تخصصي الأكاديمي في النَّقد الأدبي، والنَّقد الأدبي المقارن تحديداً وعوالم ما يسمى بما وراء النَّقد، فإني في تدريسي الجامعي، كما في أبحاثي الأكاديمية، بالمعنى الضيِّق للاختصاص، اهتممت للبعد الأكاديمي في النَّقد الأدبي؛ لكني لطالما توجهت، في كتاباتي وأعمالي الأخرى في المجالات الثقافية العامة، إلى الجمهور العام، عبر انتهاجي مجالات النَّقد الثقافي. وهذا لا يعني، أبداً، أن النَّقد الثقافي لا يندرج في رحاب الأكاديميا، بيد أنها، هذه المرَّة، الرحاب الأكاديمية التي لا تنظر إلى المادة الأدبية على أنها مجرد كيانات لغوية أو بلاغية أو تركيبية جامدة، بل على أنها نتاجٌ مركَّبٌ ينهض على تفاعلِ أمورٍ معرفية وحضاريَّة ثقافيَّةٍ كثيرة، من عناصر العيش الإنساني للفكر والتَّعبير والجمال، في ما بينها.  
{ ما رأيك في الممارسات النَّقدية المنتشرة بين الصحف والمواقع الإلكترونيَّة، على صعيد البناء النَّقدي وعلى صعيد الانحياز إلى المجاملات؟
- أذكر أن إدارة تحرير مجلة «الهلال»، لصاحبها جرجي زيدان، كانت، قبل قرن كامل من اليوم، تُخصِّص بعض صفحات كل عدد من المجلة لباب تسميه «باب التقريظ والانتقاد»؛ وكان هذا الباب يضم مداخلات منها ما يمتدح العمل الأدبي المعني، أو يشير إلى حسناته، أو يذكر بعض ما عرف عن كاتبه من خصال حميدة؛ وهذا كله يعني «التَّقريظ»؛ وليس النَّقد على الاطلاق؛ في حين أنَّ بعض هذه المداخلات، كان يميل إلى النَّقد، فينشغل في ما ينهض عليه النص من أمور الأدب، ويتابع تعامل الكاتب مع هذه الأمور ويبدي رأياً في تعامله هذا. وأذكر أنه، ومع مرور الزَّمن، فإن بعض المجلات الثقافية العربية تناست عنوان «التقريظ»، واكتفت بعنوان «النَّقد»؛ لكن جلّ ما كانت تنشره كان من باب التَّقريظ وليس النَّقد. واليوم، مع سهولة النشر، عبر ما يشهده العصرُ من استخدام لما بات يعرف بإسم «وسائط التواصل الاجتماعي»، فإن كل من يرغب ينشر ما يرغب؛ ولربما اعتقد بعضهم، لوفرة ما ينشره ولكثرة ما لديه من أصدقاء متابعين لمنشوراته، أنه صار شاعراً أو قاصّاً أو روائيَّا أو كاتب مقالٍ له شأنه الأدبي الممتاز. طبعاً، لا أهمل، ههنا، فاعلية تأثر كثير من ناس مجتمعنا العربي بـ «سحر» الكلمة المنشورة، وهذا يعني مسؤولية الثقافة الجمعية في هذا المجال. وكيف ما دار الأمر، فإن علينا جميعاً تدارك هذا الشطط الاعلامي، مع أنه شطط يكاد يكون شبه غريزي عند بعض الجماعات؛ وتدارك هذا الشطط لا يكون إلا بالعمل الدؤوب على ترشيد الثقافة الجمعيَّة للمجتمع، وعلى تشجيع النَّقد الأدبي الجاد والمسؤول، عبر المنابر الرصينة والمنتديات الجادة.
{ يقوم النقَّاد، أحياناً كثيرة، بإغراق نصوصهم النَّقدية بألغاز لا يستطيع المتلقي فكَّها؛ ألا تعتقد أن الممارسات النَّقدية يجب أن تكتب لغير المتخصصين أيضاً؟
- النَّقد الأدبي هو رحلة مع النص وفي النص وإلى متلقي النص؛ والمتلقي هو الشريك الأساس في وجود النص، بل المتلقي هو الصَّانع الآخر للنَّص. وعندما يأتي العمل النَّقدي محمَّلاً بالألغاز والتَّلغيز، غير قادر على التوصيل إلى المتلقي، أكان هذا المتلقي من أهل الاختصاص النَّقدي الحقيقي أو كان من ناس الحياة العامة أبناء الثقافة الحيَّة، فهو عمل فاشل يدلُّ إمَّا على جهل النَّاقِد، أو على عِيِّهِ في التعبير والتوصيل، أو على غرور أعمى يتملكه لكنه غرور لن يجديه فتيلاً! 
{ ذهب العديد من النقاد نحو الرواية، وربما أنتج ذلك أعمالاً متماسكة وأكثر نضجاً؛ ما رأيك في ذلك، وهل يفكِّر النَّاقِد وجيه فانوس في الذَّهاب إلى الرواية؟
- ليس ثمة ما يعيق النَّاقِد من أن يكون كاتباً أدبيَّاً على الاطلاق، طالما أن هذا النَّاقِد يمتلك الموهبة في المجال الأدبي الذي اختاره للكتابة الأدبية، وطالما أنه يمتلك الأدوات المعرفية لأصول الكتابة ومجالات الابداع فيها، وطالما هو يعرف كيف يصوغ ما يريده ضمن الجماليات الفنية للنوع الأدبي الذي يكتب فيه. أما من جهتي، فأنا أجد نفسي في النَّقد الأدبي، بحكم الدرس والاختصاص والمران المعيشي، وبحكم ما قد أحوزه من قدرات تحليلية ومنطق علمي ومساحات تذوق جمالي. لا أنكر أني أقوم ببعض المحاولات في «السَّرد»؛ لكنها تبقى محاولات محفوظة بين أوراقي وضمن ملفات «محسابي» computer .
{ هل لك أن تخبرنا عن سر هيمنة الرواية على سائر الفنون الأدبيَّة؟
- لعل رؤية كثير من الناس إلى «السرد» على أنه أمر عفوي وبسيط وممكن؛ إذ كل منا يسرد، وباستمرار، أحداث يومه وذكريات ماضيه ومسارح أحلامه؛ شكَّل أحد الدوافع الأساس لهذا الولوج المتعاظم إلى «الرواية». لكن لا بد، ونحن في حضرة الرواية، من التفريق بين ما هو من باب السرد الإخباري اليومي، الذي يعيشه كل واحد منا، وما هو من باب السرد الفني، الذي تنهض عليه «الرواية»، وبه، وربما له، فثمَّة بون شاسع، ههنا،  بين هذا السرد وذاك. ومن هنا، قد أستعين بالمثل الشعبي الذي يقول «مش كل من صف صواني، صار حلواني». وطبعاً، فإن الزمن وحده هو الأكثر قدرة على تمييز الخبيث من الطيب في ساحة الرواية، كما في سواها من ساحات الفنون الأدبية.
{ وجع إتحاد الكتاب اللبنانيين متى سينتهي؟
- طالما أننا نؤمن بأنه لا يمكن للمثقف إلا أن يكون المعارضة الواعية والنَّاقِدة والبنَّاءة، وإن المثقف ضمير الأمة وصوت الحق برؤيته ورؤاه، فإن وجع «اتحاد الكتاب اللبنانيين» لا ينتهي، بل لا يجب أن ينتهي. أما إذ كانت الإشارة، ههنا، إلى الوجع المادي لـ «إتحاد الكتاب اللبنانيين»، فـ«الاتحاد» ينخره الوجع منذ أن كان، ويستقل به الألم حيثما يكون، ولولا هذا التضامن الرائع والتآلف الطيب بين أعضائه وناسه، رغم اختلافاتهم في ما بينهم من رؤى وطموحات، ورغم اعتراضاتهم على بعض أمور «الاتحاد»، لما كان لهذا «الاتحاد» أن يستمر ويبقى عاملا حيَّاً، شاغلاً مساحات مرموقة من الحياة الثقافية والوطنية في لبنان والعالم العربي. نحنُ نفخر، بين كثير من اتحادات الكتاب العربية، بأن «اتحاد الكتاب اللبنانيين» مستقل ولا يتبع لأي جهة، سوى أعضائه؛ وأنه اتحاد لا يتلقى تعليمات من أحد ولا يرفع تقارير إلى أحد؛ ولذا، فإنه إتحادٌ يعيش فقره المالي بفخر وشرف وكرامة، حتى ولو اضطر بعض أعضائه إلى تغطية بعض عجزه المالي من جيوبهم الخاصة. لا بد من سعي إلى تأمين دعم ماليٍّ يكون بمثابة مصدر ريع مستمر لـ «الإتحاد»، ولا بد من أن يقوى إيمان أهل السلطة السياسة في لبنان بأن استقلال «إتحاد الكتاب اللبنانيين» وحريته يشكلان ميزة حضارية أساساً للوطن؛ بيد أنَّها ميزة لا تمنع رفد «الاتحاد» بالمساعدات الفعلية وليس «الرَّمزية»؛ وأن «الاتحاد» هو المؤسسة الثقافيَّة والأدبيَّة الأمُّ، التي لا تمييز طائفي أو مذهبي أو مناطقي أو سياسي أو حتى أدبي أو عقائدي بين أعضائها وأهلها؛ وأن «الإتحاد» سيبقى، رغم كل ما يواجهه من إجحاف ولامبالاة، شامخاً شموخ العزة التي يسمو بها علم لبنان وتكبر بها طموحات اللبنانيين جميعا. وجع الاتحاد اليوم هو وجع الأحرار؛ فطوبى للحرية مصهراً لبقاء «إتحاد الكتاب اللبنانيين».
 حاورته: دارين حوماني