بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 نيسان 2024 12:12ص التردُّد مضرٌّ والوضوح مفيدٌ

حجم الخط
لا شك أن أجواء السياسة النقدية الحالية أصبحت أكثر نقاء مما سبق وأقل ضبابية مما يؤثر ايجابا على الاقتصاد اللبناني. أصبحت المصارف المركزية عالميا أكثر انفتاحا على ما يجري في المجتمع كما أصبحت أقل سرية تجاه المواطن.  الصراحة في التخاطب مع الرأي العام التي نشهدها من قبل المركزي الأميركي كما المركزي الأوروبي هي ممتازة وتطمئن المواطن الى واقع ومستقبل عملها.  من الأمور المهمة التي يوضحها مسؤولو المصارف المركزية هي اتجاه سياسة الفوائد وبعض المعلومات عن التوقيت.  حاكم المصرف المركزي الأميركي قال مرارا ان هدفه تخفيض الفوائد لتشجيع الاستثمارات لكنه يخشى التضخم القوي من جديد، وهذا ما يدفعه الى التروي قبل التنفيذ.
في لبنان، كانت السياسة النقدية ولسنوات عديدة سابقة تعتمد على الغموض بل الضبابية في التنفيذ مما خلق جوا مبهما مضرا حولها.  فالغموض يخلق الخوف وعدم الثقة وبالتالي لم تعد هذه السياسات بل هذه العقلية جائزة في الألفية الثالثة وخلال فترات توتر عالمي تدعو الى اراحة المواطن وليس الى اشغاله بتوترات اضافية لا يمكنه فعل أي شيء تجاهها.  ما نشهده من حسن تخاطب جديد مع المواطن اللبناني هو في محله ويجب أن يستمر.  فالمواطن اللبناني ذكي وواع ويتوجع من أمور عدة وغير مقبول أن تضيف السياسة النقدية الى همومه بل يجب أن تخفف منها لمصلحة الاقتصاد العام ومعيشة المواطن.
فصراحة المصرف المركزي اللبناني مهمة وايجابية ويجب الاستمرار بها اراحة للمواطن وللاقتصاد العام.  لكن هذا لا يكفي اذ يجب أن نرى خطابا عمليا جديا والبدء بتنفيذ قرارات سابقة وجديدة بل أفكار اصلاحية يرغب بها المواطن.  طمأنة اللبناني مهمة وضرورية، لكن اذا لم تقترن بالوقائع والتنفيذ، تذهب أدراج الرياح وتنعكس سلبا على ثقة المواطن بالمؤسسة وسياساتها. كل اللبنانيين يريدون اصلاحا نقديا جديا خاصة في هذا الظرف حيث تحتجز أموالهم في المصارف دون أفق واضح فيما يخص مستقبلها. في المنطق لا بد وأن ترد هذا الأموال كاملة لأصحابها لأن أي اقتطاع منها سيؤثر على مستقبل لبنان وستكون تأثيراته السلبية مزمنة وكبيرة جدا.
من ناحية سعر الصرف مثلا والذي على أساسه يسحب المواطن بعض الليرات من حسابه بالدولار على سعر 15 الف ليرة. لا يهم من هو المسؤول الفعلي عن هذا السعر، لكنه يقع ضمن صلاحيات ومهمات مصرف لبنان خاصة تجاه المواطن.  خاطب المصرف المركزي مرارا المواطنين حول رغبته في تغيير رقم الصرف دعما للعدالة ولاحترام المواطن، لكن لا شيء نفذ ويبقى السعر كما هو.  المصرف المركزي هو المسؤول عن هذه السياسة ولا يهمنا تأثير وزارة المال والمجلس النيابي.  فالحوار في هذا المجال هو بين المواطن والمصرف المركزي الذي عليه أن يبقى شفافا وصريحا في امكانية التغيير وحجمه والتوقيت.  على المصرف المركزي أن يستمر في صراحته وأن يقول للرأي العام من هم المعرقلون ولماذا لم يستطع التغيير بالرغم من تطمينات عديدة في هذا الايطار؟
من ناحية القطاع المصرفي، ليس واضحا لنا ما هي رؤية المصرف المركزي فيما يخص مستقبل القطاع.  هل يرغب المصرف المركزي في دمج المصارف الحالية وكيف وعلى أي أسس؟  ما هي أهداف المركزي من ناحية عدد المصارف التي يجب أن تبقى وتتنافس لخدمة الاقتصاد في دولة بحجم لبنان.  المطلوب توضيح الصورة حتى لو لم يستطع تحقيقها. فاللبناني ينتظر من المصرف المركزي مخاطبته بصراحة حول الأهداف والتوقيت وكافة الأمور المرتبطة بها.نعلم أن هذه الأمور تُقرُّ بقوانين في مجلس النواب، لكن رؤية المصرف المركزي مهمة جدا حتى لو لم يؤخذ بها كليا.  لا يمكن للمصرف المركزي أن يتجاهل رغبة اللبنانيين في توضيح مستقبل القطاع الذي كان حتى سنة 2019 مضرب مثل للقطاع المنتج الفاعل والحائز على ثقة المواطن اللبناني بل العالمي. نريد مصرفا مركزيا يحمل هم المواطن ليس فكريا فقط بل فاعلا في التأثير على السلطتين التنفيذية والتشريعية فيما يخص هموم المواطن النقدية.  ما هو تفكير المركزي بشأن الرقابة المصرفية ولماذا لم تنتفض قبل 2019 وما هي الاجراءات التي يمكن اتخاذها لمنع تكرار مفاجاءات كبيرة كالتي شهدناها سابقا.
من مهمات المصرف المركزي اعتماد الشفافية في اصدار المعلومات والأرقام بشكل كامل ودوري وواضح للرأي العام الذي هو صاحب الحق والسلطة.  نحتاج الى معلومات كاملة حول كل المؤشرات النقدية بحيث تقوى الثقة بالسياسة النقدية اذ لا يمكن اخفاء أي رقم أو معلومة تجاه المواطن وهذه ليست مجاملة من قبل المؤسسة تجاه المواطن بل هذا واجبها اعتمادا للشفافية واحتراما لصاحب الحق.
لا نعلم حتى اليوم تفكير المصرف المركزي في ما يتعلق بتحويل الأموال من والى لبنان.  هذه الحرية ميزت الاقتصاد اللبناني لعقود وساهمت في انجاحه وجعلت العديد من اللبنانيين وغير اللبنانيين يرسلون أموالهم الى المصارف اللبنانية. ما هو تفكير المركزي فيما يخص تحويل الأموال وكيفية ضبطها وهل هذا يدعم استقرار لبنان وعودته تدريجيا ومع الوقت الى لعب دور مصرفي نقدي مميز في المنطقة وعالميا.
ما هو تفكير المركزي بشأن سياسة سعر الصرف الذي يجب اعتمادها.  هل الثابت أو الحر أو ما يقع بينهما.  ما هو التفكير الحالي بل الاستراتيجية التي يرغب باعتمادها للوصول الى الهدف؟  من الضروري أن يوضح المركزي علاقته بالحكومة من ناحيتي التمويل والمشاركة بكافة القرارات التي لها طابع مالي ونقدي. الصراحة التي اعتمدها مصرف لبنان خلال الأشهر الماضية جيدة ويجب الاستمرار بها وتوضيحها أكثر وما يظهر من تردد مؤخرا في كيفية ادارة المهمات ينعكس سلبا على المصرف والاقتصاد.  التردد مضر والوضوح دائما مفيد.