بيروت - لبنان

اخر الأخبار

آخر الأخبار

14 تموز 2020 09:21م بحر الصين الجنوبي..نزاع يُهدّد بنشوب حرب في أي لحظة

حجم الخط
في كل مرة يتصاعد فيه النزاع بين الصين من جهة ودول بحر الصين الجنوبي المدعومة من واشنطن من جهة أخرى، على حقوق الملاحة والصيد والاستكشاف النفطي والسيادة في بحر الصين الجنوبي، يجري الحديث عن حرب وشيكة. فما هو بحر الصين الجنوبي، ولماذا تهتم به الدول الكبرى؟

الموقع الجغرافي

يقع بحر الصين الجنوبي في الجزء الشمالي من المحيط الهادي وهو متجزئ منه، ويمتدّ من سنغافورة ومضيق ملقة إلى مضيق تايوان، وتبلغ مساحته ثلاثة ملايين ونصف المليون كيلومتر مربع تقريبًا. وتتشارك، نظريًا، دول الصين وفيتنام والفلبين وماليزيا وبروناي وسنغافورة السيادة على هذا البحر، لكن الصين تُطالب تقريبًا بنحو ثلاثة أرباعه مستندة إلى ما تقول إنها وثائق تاريخية. كما تقع تايوان وهونغ كونغ ضمن هذا البحر.

الثروات الطبيعية والأهمية الاستراتيجية

قالت مسوحات جيولوجية صينية إن هذا البحر قد يحتوي نحو 17.7 مليار طن من النفط (وللمقارنة، تمتلك الكويت على سبيل المثال احتياطيًا يقدر بـ13 مليار طن من النفط)، فيما تقول الولايات المتحدة إن الاحتياطيات المؤكدة من النفط تصل إلى 7.7 مليار طن.

ويعتمد ملايين الناس على هذا البحر للحصول على الأسماك أو للتربح من صيدها، حيث أن ما يقرب من نصف سفن الصيد في العالم تعمل في هذا البحر، مما أدى إلى تناقص مخزوناته السمكية بشكل كبير. وتتشارك سواحل البحر اقتصادات كبيرة مثل الصين وسنغافورة وهونغ كونغ وتايوان وماليزيا، ويمرّ عبره نحو ثلث الشحنات البحرية العالمية.

النزاعات والادعاءات

تعد المنطقة موضوعًا لأكثر من 12 نزاعًا متداخلًا ومترابطًا حول ملكية مختلف الجزر والصخور والمياه الضحلة والشعاب المرجانية المنتشرة في جميع أنحاء مياه بحر الصين الجنوبي.

فعلى سبيل المثال، تدّعي كل من الصين وتايوان وفيتنام الملكية الكاملة لجزر سبراتلي الموجودة في البحر، وتدعيها جزئيًا بروناي، والفلبين وماليزيا، وكل من تلك الدول، ما عدا بروناي، تحتل بعض تلك الجزر. كما تتنازع عدد من دول البحر على جزر باراسيل وشعب سكاربرة المرجانية، وكثبان رملية موجودة في مناطق متباعدة من البحر.

وبنت الصين جزرًا اصطناعية أقامت عليها مطارات وموانئ، وتفرض سيادتها بالقوة على مناطق تمتد لمئات الأميال البحرية حول تلك الجزر.

وعلى الرغم من كونها غير مأهولة على الأغلب، تحتوي سلسلتا باراسيل وسبراتلي والمياه المحيطة بهما على احتياطيات من الموارد الطبيعية، ولم تخضع المنطقة لاستكشافات مفصلة، لذا تعتمد التقديرات حول كمية الثروات المعدنية فيها على مقارنتها بالمناطق المجاورة.

ادعاءات صينية من دون أدلة

وتُعدّ الادعاءات السيادية الصينية أكبر المطالبات بالسيادة في المنطقة من حيث المساحة، إذ تدّعي سيادتها على منطقة يُطلق عليها اسم "خط الخطوط التسع" الممتد لمئات الأميال جنوبي وشرقي جزيرة هاينان الواقعة اقصى جنوب الصين.

وتقول بكين إن حقوقها في هذه المناطق تعود إلى عدة قرون خلت ولكن معارضي هذا الرأي يقولون إن الصين لم تُوضح ادعاءاتها بشكل كاف، وأن "خط الخطوط التسع" الذي يظهر على الخرائط الصينية لبحر الصين الجنوبي لا يحتوي على أي إحداثيات.

كما تدّعي كل من الصين والفيلبين السيادة على شعب سكاربره التي يُطلق عليها الصينيون اسم "جزيرة هوانغيان".

وتعترض فيتنام على الرواية الصينية، وتقول إن الصين لم تدعي أبدًا سيادتها على الجزر قبل العام 1940، وتقول فيتنام إنها حكمت سلسلتي باراسيل وسبراتلي فعليا منذ القرن السابع عشر وان لديها الوثائق الضرورية لإثبات ذلك.

كما تدعي الفلبين هي الأخرى سيادتها على السلسلتين وشعاب سكاربره القريبة من أراضيها، وتقول إن قربها الجغرافي لسلسلة سبراتلي سبب كاف لعائديتها لها.

وتبعد شعاب سكاربره نحو 800 كيلومتر من الصين و160 كيلومترا من الفلبين، بينما تدعي ماليزيا وبروناي سيادتهما على منطقة في بحر الصين الجنوبي تقولان انها تقع ضمن منطقتيهما الاقتصاديتين كما عرفهما ميثاق الامم المتحدة حول قانون البحار.

الحسم الأميركي

كان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أعلن أن بلاده ستتعامل مع سعي الصين للاستحواذ على الموارد في المياه المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي بوصفه أمراً "غير مشروع".

وقال بومبيو في بيان: "نقولها بوضوح: إنّ مطالبات بكين بالموارد البحرية في القسم الأكبر من بحر الصين الجنوبي غير مشروعة بتاتاً وكذلك حملة الترهيب التي تقوم بها للسيطرة عليها".

وأضاف أنّ "الولايات المتّحدة تدافع عن فكرة إنشاء منطقة حرة ومفتوحة في المحيط الهادئ-الهندي. واليوم، نعزّز سياسة الولايات المتحدة في موقع حيوي ومتنازع عليه في هذه المنطقة: بحر الصين الجنوبي".

وإذ ذكّر الوزير الأميركي بأنّ محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي قضت في العام 2016 بأنّ الصين ليس لديها أيّ أساس قانوني للمطالبة "بحقوق تاريخية" في هذه المنطقة، شدّد على أنّ "قرار هيئة التحكيم نهائي وواجب التنفيذ على الطرفين".

وأضاف أنّ "العالم لن يسمح للصين بأن تتعامل مع بحر الصين الجنوبي بوصفة جزءاً من إمبراطوريتها البحرية".

المواجهات

اندلعت مواجهات عدة في السنوات الأخيرة حول هذه الادعاءات المتباينة والمتناقضة، كان أخطرها بين الصين وفيتنام، كما اندلعت مواجهات بين الفلبين والصين لكنها لم تتطوّر إلى العنف.

في  العام 1974، استولت بالقوة الصين على سلسلة جزر باراسيل من فيتنام في صدامات أسفرت عن مقتل أكثر من 70 من العسكريين الفيتناميين، وفي العام 1988، اصطدم الصينيون والفيتناميون مجددا حول سلسلة سبراتلي، وخسر الفيتناميون في هذه المواجهات نحو 60 عسكريا.

وفي أوائل العام 2012، خاض الجانبان الصيني والفلبيني مواجهة بحرية تبادل فيها الطرفان اتهامات بانتهاك السيادة في شعاب سكاربره، تلاها اندلاع احتجاجات واسعة في فيتنام ضد الصين إثر تخريب منصتي استكشاف فيتناميتين أواخر العام 2012.

ورفعت الفلبين دعوى أمام محكمة التحكيم الدولية الدائمة في كانون الثاني 2013، تطعن فيها بالادعاءات الصينية، بينما قامت الصين في ايار 2014 بوضع منصة استخراج نفط إلى منطقة قريبة من جزر باراسيل، ما أدى إلى صدامات بين سفن فيتنامية وصينية.

تغوّل صيني على حقوق الدول

تضغط الصين دائمًا لإجراء مفاوضات ثنائية مع الدول المتشاركة في البحر، وهذا يُمكّن بكين من فرض أجندتها وتحقيق أهدافها، حيث تقول تلك الدول إن المفاوضات مع الصين لن تكون عادلة بسبب القوة الاقتصادية والعسكرية الكبيرة للصين، وتفضل أن تكون الحوارات تحت إشراف دولي وبدور أميركي بالتحديد لحماية الدول المنخرطة في النزاعات، وهو ما ترفضه الصين.

وتطالب بعض الدول الصين بالتفاوض مع منظمة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، المنظمة الإقليمية التي تضم كلا من تايلاند وإندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وبروناي ولاوس.

وقاطعت الصين جلسات محكمة التحكيم الدولي بشأن الدعوى الفلبينية المرفوعة ضدها، وقالت إنها لن تتقيد بقرارات تلك المحكمة، لكن المحكمة حكمت لصالح الفلبين وقالت إن ادعاءات الصين لا تتفق مع قانون البحار.

وحذّرت الولايات المتحدة الصين من "التغول" على حقوق الدول التي تختلف معها حول الجزر. وحثّت الولايات المتحدة البلدان المتشاطئة على تسوية النزاعات حول الملكيات البحرية سلميا وفقا للقانون الدولي.

وقال مايك بنس نائب الرئيس الأميركي في قمة شرق آسيا العام الماضي "إن قيام الصين بعسكرة بحر الصين الجنوبي وتوسعها الإقليمي فيه أمر غير شرعي وخطير".

ميليشيا صينية

وتُحاول الصين السيطرة على المياه باستخدام قوارب الصيد التي تشكل جزءًا من الميليشيا البحرية الصينية وسفن خفر السواحل والسفن البحرية لمضايقة قوارب وسفن الدول الأخرى.

وأفاد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أن التحليل الأخير الذي أجراه عن طريق الأقمار الاصطناعية يُوضح أن أساطيل الصيد الصينية "تُشارك في أعمال شبه عسكرية نيابة عن الدولة بدلا من أن تقوم بالمهام التجارية لصيد الأسماك".

من جهته، أكد بنس أن "الولايات المتحدة ستُواصل الوقوف بجانب حلفائنا وشركائنا لدعم النظام الذي ساعدنا في بنائه"، مضيفًا "سندافع عن حرية البحار وأجواء السماء".

وحاليًا، توجد حاملتا طائرات أميركيتان في مياه البحر، تجريان تدريبات حربية ضخمة نسبيا، بالتزامن مع أخرى مماثلة تجريها الصين في المنطقة، فيما تبادل البلدان اتهامات بعسكرة المنطقة والمسؤولية عن التصعيد فيها.

(اللواء، الحرة)