بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 أيار 2023 12:56ص 2023 والتحديات الخمسة

حجم الخط
كانت سنة 2022 شديدة الخطورة لأسباب متعددة أهمها الحرب الأوكرانية وانعكاساتها الخطيرة على الأمن العالمي كما على أسعار الغذاء والطاقة. تضاف اليها المخاطر الصحية والاجتماعية التي ما زالت تنتشر عالميا. أما 2023، فهي امتدادا للسنة الماضية بالاضافة الى تحديات جديدة تفرض توافقا دوليا للفوز عليها. هنالك عالميا أجواء تشاؤمية ربما مبررة لكنها تؤدي الى الاحباط بالرغم من العديد من المؤشرات الايجابية.
محاربة التضخم حاليا تجري بالتضامن بين المصارف المركزية الأساسية بدقة وحذر خوفا من التسبب بركود كبير يرفع مستويات البطالة وبالتالي يعمق حجم الفقر ويسيء الى الإستقرار. تعاني الدول من عجز مالي كبير نتيجة تدخل الحكومات لتعزيز الأمن الاجتماعي في غياب القدرة على زيادة الايرادات وأهمها الضرائب. هنالك دول تقوم بتمويل انفاقها بسرعة عبر النقد أي زيادة حجم الكتلة النقدية مما يسبب تضخما مستقبليا كبيرا. يواجه العالم اليوم تحديات كبرى يمكن وصفها بالحروب الباردة وحتى الساخنة، والتي اذا استمرت أو كبر حجمها، ربما تدخل العالم في أزمات كالتي حصلت في ثلاثينات القرن الماضي. أهم تحديات السنة الحالية من ناحية الطلب يمكن وصفها كالآتي:
أولا: الانفاق العسكري الكبير الذي يأكل من حجم الموازنات العامة وخصوصا من حصة الانفاق الاجتماعي الأساسي والعناية الصحية المهمان جدا خاصة اليوم. في الولايات المتحدة هنالك ضغط شعبي كما من قبل شركات الأسلحة لزيادة الانفاق العسكري تحضيرا لمواجهة مستقبلية محتملة مع الصين وروسيا. ارتفعت موازنة البنتاغون أو وزارة الدفاع 4,3% سنويا خلال السنتين الماضيتين بالدولار الحقيقي. بلغ حجمها 858 مليار دولار أي 45 مليار أكثر مما طلبه الرئيس بايدن، مع بقائها في حدود 3,2% من الناتج الاجمالي أي نسبة متواضعة مقارنة ب 6,6% في السعودية و 4,1% في روسيا.
مع انتقال سلطة مجلس النواب الى الجمهوريين بدا من كانون الثاني، من الممكن أن تتعدل هذه الأرقام. تقدم الولايات المتحدة الكثير من الأسلحة من مستودعاتها وبالتالي يجب أن تنتج الشركات أسلحة بديلة ربما أكثر تطورا وهذا يأخذ سنوات. كما أن اليابان ستضاعف مرتين موازنة الدفاع خلال الخمس سنوات المقبلة. لا تستبدل الدول الغربية أسلحتها القديمة بأخرى جديدة بسبب الحاجة الى القديمة في أوكرانيا.
ثانيا: يعاني العالم من التغير المناخي حيث نشعر جميعا بثقله المزعج وتأثيره على نوعية حياتنا. هنالك تغيير كبير في الحرارة والمياه تتخطى الفصول والجغرافيا لتسيء الى الحياة. بالرغم من كل الاتفاقيات بشأن المناخ، تبقى تحدياته واضحة ليس فقط لغياب التنفيذ وانما لأن المشكلة تكبر بسبب التلوث وتأخر المعالجات المناسبة.
ثالثا: جهوزية العالم لمكافحة الأوبئة التي تنتشر بسرعة ضعيفة. ينتقل العالم اليوم من وباء الى آخر بسبب التلوث كما بسبب سوء الاهتمام الصحي في المناطق الفقيرة. من الصعب حصر الأوبئة في أماكنها ودولها وبالتالي هي مشكلة عالمية أصبحت خطرة جدا.
رابعا: هنالك تقدم تكنولوجي كبير من أهمه الذكاء الاصطناعي وكافة المشغلات الآلية التي ترفع الانتاجية وتعزز الفعالية لكنها تخيف العامل والموظف اذ يمكن أن يستبدل بها. هنا يكمن دور كبير للحكومات في معالجة القلق وحماية الوظيفة قبل خسارتها كما حماية الموظف والعامل بعدها.
خامسا: يعاني العالم اليوم من فجوتين كبيرتين هما فجوة الدخل وفجوة الثروة. تهدد هتان الفجوتان النظام الديموقراطي العالمي حتى في أهم الدول كالولايات المتحدة. أحداث 6\1\2021 في واشنطن ومؤخرا تعديات مشابهة على أملاك الدولة والمؤسسات السياسية في عاصمة البرازيل بعد فوز لولا بالرئاسة تؤكدان على خطورة تصرفات المتطرفين.
الفوز على هذه التحديات الخمسة يتطلب ليس فقط قدرة مالية كبيرة ربما لا تتوافر في معظم الدول وانما أيضا قدرة تقنية وعلمية مميزة كما رغبة سياسية وادارية واضحة للمواجهة. مشاكل العرض لا تقل أهمية والانجازات المحققة التي من الممكن أن تتقدم بل تكتمل هذه السنة عديدة كالآتي:
أولا: في التكنولوجيا، هنالك تقدم كبير من ناحية الطاقة النظيفة عبر المصدرين الشمسي والنووي. استعمال الطاقة الشمسية سيتضاعف 3 مرات خلال السنوات الخمس المقبلة وبالتالي تصبح أهم من الفحم كمصدر للطاقة عالميا.
ثانيا: هنالك تطور في تكنولوجيا الصحة ليس فقط في الفاعلية وانما أيضا في التكلفة. أما التقدم في قطاعات النقل والاتصالات فهو كبير ويؤثر على فعالية الذكاء الاصطناعي الذي يدهش العالم. يقول البنك الدولي أن عدد الفقراء تدنى في 2022 بالرغم من كل شيء، انما النسب ضعيفة. أما نسبة وفيات الأطفال فهي في انخفاض واضح، وهذا مشجع ويدعو للتفاؤل.
ثالثا: هنالك مشكلة رئيسية تتفاقم وهي سؤ توزع الدخل والثروة والتي كتب عنها الاقتصادي الفرنسي «توماس بيكيتي». يقول أن عائد رأس المال هو أكبر من النمو الاقتصادي وبالتالي تتوزع الثروة أكثر فأكثر تجاه الأغنياء. يقترح بيكيتي أن تتدخل الحكومات لمساعدة الفقراء في الصحة والتعليم والضمانات الاجتماعية وتأمين السلع الأساسية للعيش.
رابعا: هنالك تقدم دولي من ناحيتي الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي مما يخيف العمال والموظفين من ناحية البطالة. تشير التجارب الى أن هذا الخوف غير مبرر اذ يفتح التقدم أسواقا وفرصا أخرى، لكن هذا يتطلب تأقلما من الناس مع المعطيات الجديدة لتحديد فرص عمل مناسبة تبعا للكفاءات والخبرات.
خامسا: هنالك ضرورة لاعتماد سياسات جديدة أصبحت أوضح اليوم مع الحرب الأوكرانية. أصبح تدخل القطاع العام في الاقتصاد الحر مقبولا أكثر لحماية الشعوب اذ أن الأولويات كما الحاجات تغيرت كثيرا. تحتاج التكنولوجيا دائما الى الانسان ليرافقها ويرمم خسائرها كما ليطورها، وبالتالي لن ترتفع نسب البطالة بالضرورة مع التكنولوجيا المتطورة التي ترفع مع الوقت مستوى المعيشة وتضيف الى الناتج وتحسن أوضاع الجميع شرط استيعابها.