بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 تموز 2023 12:24ص إرضاء المواطن واجب

حجم الخط
هنالك واقع عالمي هو أن الغضب الشعبي يزداد في معظم الدول بالرغم من أن المؤشرات الاجتماعية العامة تتحسن. من المؤشرات الايجابية ارتفاع العمر المرتقب في كل الدول أو أقله في معظمها. مؤشرات الجوع تنخفض وإن ساء الفقر من وقت لآخر في بعض الدول نتيجة الأوضاع السياسية والفساد. لا نتفاجأ عندما يغضب الشعب في الدول الفقيرة حيث الحاجات كبيرة نسبة للثروات المتوافرة وحيث العدالة الاجتماعية مفقودة. لكن نرى أحيانا الفوضى والاعتراضات تتخطى الحدود المعقولة أو المقبولة في أعرق الدول الديموقراطية وربما أغناها. الفرنسيون يعترضون على مشروع التقاعد الذي قدمه الرئيس ماكرون وهذا حقهم، لكن المفاجأة تكمن في العنف الممارس من البعض وكأنهم ليسوا في بلدهم. في ألمانيا وبريطانيا وغيرهما نرى الاعتراضات نفسها والعنف الشعبي نفسه، وكأنهم يعترضون في دولة أخرى أو عدوة دون أن نقلل من أهمية الاحتجاجات ومنطقها. في الدول التي يسمح النظام الديموقراطي ضمن المؤسسات والعمليات الانتخابية بالاعتراض، نتفاجأ بلجوء المواطنين الى العنف.
اذا نظرنا الى الاحصائيات الاجتماعية العامة والتفصيلية، نتوقع أن نرى شعوبا سعيدة تتمتع بالايرادات الكبيرة التي تأتي اليها مباشرة أو عبر حكوماتها. لكننا نرى على العكس شعوبا غاضبة وأحيانا تعيسة دون أن نقلل من أهمية التحديات التي تواجهها. هنالك أقسام في كل المجتمعات لا تصلها الحقوق كاملة، أي المرأة والطفل والمهاجرين والنازحين كما كافة الأقليات العرقية والدينية التي تظلم. هنالك خطابات عامة تعتمد اليوم وتشير الى كراهية عميقة في بعض القيادات تنعكس تصرفات عنفية ضد الانسان لأسباب ظاهرية منطقية لكن الحقيقية أخطر. هل المظاهر تغش أي هل أن هذه الشعوب التي من المفترض أن تكون سعيدة هي عكس ذلك؟ لا شك أن قسماً من الشعب سعيد والأكثرية غير سعيدة، والا لما حصلت كل هذه الاعتراضات العلنية.
لا يمكن أن ننسى صراع المصالح الذي يتجلى اليوم أكثر فأكثر عبر المواجهة السياسية الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين والذي يمكن أن يتحول الى خطير بسبب تايوان وأوكرانيا وكافة المشاكل الواقعة في أكثريتها في أسيا. اذا كان الصراع الأميركي الروسي سياسيا بامتياز، فلا يمكن حصر الصراعات الأخرى مع المجموعات الدينية المتطرفة بالسياسة فقط، اذ تصل الى الجانب الحضاري الأخطر الذي يمكن أن يأخذ أبعادا في غاية العنف.
لم تعد القنبلة السكانية موضوع الساعة والتي كانت كذلك لفترة طويلة. أصبح الانسان واعياً أكثر حتى في الدول الفقيرة لخطر التزايد السكاني غير المدروس. من ناحية أخرى تحديد الزيادات السكانية كما فعلت الصين له تأثيرات سلبية كبيرة على نمو المجتمعات وتوافر اليد العاملة مع الوقت. تعاني الصين اليوم من نتائج سياسة الطفل الواحد وتحاول عكسه أو تخطيه عبر سياسات اجتماعية أخرى لم تصل بعد الى استيراد الشعوب والهجرة الشرعية. للغضب الشعبي أسباب ونتائج مهمة منها:
أولاً: صحيح أن غنى المجتمعات زاد، لكنه لم يوزع بعدل ومنطق على كافة الطبقات الشعبية. هنالك نسبة قليلة من المواطنين، حتى في الدول الغنية، استفادت أكثر بكثير من غيرها. هنالك مؤشرات تفصيلية تشير الى عدم الرضى، منها بعض مؤشرات الفقر التي تكون في غاية السؤ لمجموعة ولو قليلة.
هؤلاء الأشخاص لا بد وأن يكونوا تعساء تجاه حالاتهم ومقارنة بالمواطنين الآخرين فيعترضون.
ثانيا: يواجه الانسان اليوم تحديات تقلقه بل توتر أعصابه في هذا الاقتصاد التنافسي الخطير. من هذه التحديات خطر الوقوع في البطالة الذي يواجهنا كل يوم وبالتالي يقلق المواطن ويوتره. لا يوجد عمل سهل اليوم، وبالتالي حتى الذي يعمل بنجاح يضطر الى حماية نفسه بالطرق العملية الموضوعية أي رفع انتاجيته عبر التدريب أكثر والعمل بجهد أكبر.
ثالثا: عدونا الأول اليوم في كل المجتمعات هو الخوف بل القلق على الحاضر والمستقبل. نقلق تجاه ما يجري في مجتمعاتنا وحتى خارجها. نقلق اذا تقدمت العلوم وحتى اذا تأخرت. لكل تقدم حتى في الطب والصحة وجه سلبي ليس فقط في التكلفة وانما في الانعكاسات العلمية السلبية على الصحة. هنالك من لا يزال يقلق حتى اليوم من نتائج اللقاحات التي أخذت ضد الكورونا وغيرها خائفا من جوانبها السلبية الممكنة. الخوف هو مستشار سيىء، اذ يدفع باتجاه اتخاذ قرارات خاطئة على المستويين الشخصي والوطني. للخوف مزايا ايجابية اذا بقي تحت السيطرة وضمن الحدود المعقولة والمقبولة. ينتج الخوف أيضا من عدم الثقة تجاه من يحكمنا، خاصة عندما يتخذ الحاكمون قرارات في غاية الغباء وسؤ المسؤولية ويدافعون عنها حتى النهاية.
رابعا: بعد الهزات الأرضية الخطيرة التي حصلت في دول منها تركيا وسوريا وبعد الاعصارات والفياضانات والمصائب الطبيعية التي حصلت في أماكن عدة، ارتفع خوف الانسان من الخسائر الآتية عبر الطبيعة والتي شارك الانسان في وضعها. فالضرر المناخي لم يعالج بعد الا كلاميا بالرغم من كل المؤتمرات والاتفاقيات الدولية الموقعة. أما التقدم العلمي الكبير في النووي سلاحا وفي الطاقة كما التقدم في الكيمياء وعلوم الحياة، فلا نتجاهل تأثيرهم على خوفنا من ناحية استمرارية الحياة بالطرق التي تحمينا وتحمي أولادنا.
هنالك أفكار كبرى يمكن أن تخفف الغضب الشعبي المتزايد عالميا. هل يمكن للدول الناشئة أن تعوض ما تخسره الدول الصناعية؟ هل يمكن أن نرفع انتاجية القطاع الزراعي العالمي لزيادة الانتاج وتخفيض الأسعار؟ هل ستؤثر التكنولوجيات الجديدة على مستقبل الانسان وأسواق العمل؟ هل ننجح في تخفيف التلوث ومساوئه على صحة الانسان؟ هل يمكن محاربة الفساد بنجاح على المستويين الوطني والعالمي؟ هل يمكن تحويل الشعوب من غاضبة الى راضية عبر تحسين جزئي لأوضاعها؟ أسئلة تحتاج الى أجوبة يمكن أن ترضي الشعوب مرحلياً.