بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 تشرين الأول 2023 12:02ص اقتصاد لبنان مرهق

حجم الخط
اقتصاد لبنان يعاني منذ ما قبل حرب أوكرانيا وما بعد حرب غزة. توقفنا عن مقارنة أوضاع اليوم بتلك ما قبل حرب 1975 لأنه أصبح حلما مستحيلا ولا فائدة منها.  أقصى طموحنا مقارنة أوضاع اليوم بأوضاع التسعينات حيث كان الطموح كبيرا والأفق واسعا والقدرة على النجاح كبيرة والأمل بالازدهار واسعا.  المقارنة لا تكفي بل تكون مزعجة أحيانا في غياب الرؤية بل الرغبة أو القدرة على التنفيذ.  أسباب المعاناة متشعبة ولا تقتصر على سوء الاداء السياسي، وانما تمتد الى هشاشة القواعد الاجتماعية والقانونية والمؤسساتية.
حسنا لم نعد نتكلم في الاعلام عن الاصلاح والشفافية، أقله لعلمنا أنها مشاريع مستحيلة اليوم قبل الغد. كلبنانيين فعلا لا نريد القيام باصلاحات قانونية ومؤسساتية لأن احترام القوانين والقواعد ليس من عاداتنا ولا نريد القيام به.  عندما يرمي بعض اللبنانيين النفايات في المجاري مع علمهم بما ينتج عن أعمالهم، فما نسمي ذلك؟ عندما يخالف بعض اللبنانيين كافة القوانين الحياتية من قانون السير الى قانون البناء الى القوانين المالية وغيرها، كيف نصف ذلك خاصة عندما يدرك المخالفون ماذا يفعلون وأن أعمالهم تضر بالمصلحة العامة. المخالفات عن قصد تكون مختلفة جدا عن المخالفات المبنية على الجهل أو الاهمال، لكن النتيجة واحدة.
لبنان مرهق اقتصاديا ويظهر ذلك جليا في الاحصائيات بدأ من الناتج المحلي الاجمالي الى مؤشرات التضخم والاستهلاك والى كافة المؤشرات الانتاجية.  لبنان مرهق قبل أن يفكر في الدخول في حرب فرضت علينا أو لم تفرض. لا يمكن تأمين الحماية الاجتماعية في ظروف تعثر مادي وأخلاقي واجتماعي.  لا ينفع الاتكال على انجازات الماضي لنطمئن، بل نعرف جميعا أننا لا نحضر للمستقبل بل في الواقع مستقبلنا متروك للصدف أو لما يقرره الغير لنا.  قطاعاتنا الاقتصادية تعاني من عدم القدرة على التمويل ومن عدم قدرة المواطن على الشراء ومن غياب رقابة جدية على سير الأعمال لمحاربة الغش واستغلال المواطن، وأحيانا من غياب أفكار خلاقة جديدة للتقدم والابداع.
لبنان يعاني من الوجود القسري لملايين النازحين واللاجئين في وقت يغض النظر المجتمع الدولي عن تأثيراته السلبية الكبيرة.  هنالك وقائع تشير الى تشجيع المجتمع الدولي على ذلك ليس حماية للاجئين والنازحين، وانما لفرض تغييرات ديموغرافية كبيرة وخطيرة على مجتمعنا.  لبنان الـ 10452 كلم 2 غير قادر على استيعاب تلك الأعداد، والشلل السياسي الداخلي يمنعنا حتى من الدفاع عن أنفسنا في وجه الارادات الخارجية المضرة. اللبناني حائر من ناحية كيفية مواجهة هذه المخاطر الديموغرافية، وهو حائر أيضا بين غض النظر والمواجهة الشعبية المكلفة حتما.
عندما يتراجع الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي 7% في 2019، 26% في 2020 و10% في 2021، كيف يمكننا تعويض سقوط 43% من حجم الانتاج الوطني في 3 سنوات فقط.  الورشة لم تبدأ بعد، ولا نتكلم عنها بل الحديث القائم يدور في اتجاه المزيد من الانحدار للأسباب السياسية والاجتماعية والانسانية والاقليمية المعروفة.  عندما يرتفع مؤشر أسعار الاستهلاك 146% في 2020، 225% في 2021، 234% في 2022 و223% في 2023، كيف يمكننا عندها أن نعوض لأصحاب الأجور في القطاعين العام والخاص عن خسارة القوة الشرائية؟  وهل باستطاعة أرباب العمل أن يقوموا فعلا بالتعويض المحق؟  هنالك شلل مادي ونوعي في أعمال القطاعين العام والخاص يتجلى ليس فقط في الانتاج، وانما خاصة في الانتاجية وفي نوعية الأعمال التي تخرج منهما.
موازناتنا العامة، أقرت أو لم تقر، هي عاجزة حتما بالرغم من أن تنظيمها في الايرادات والانفاق واجب على المسؤولين الحكوميين وأجهزة الرقابة والاشراف النيابي.  تدني الايرادات العامة بالليرة، بعد سقوطها، من 21% من الناتج في 2019 الى 6,5% في 2022 يجعل عمليا مهمة التوازن المالي مستحيلة علما أن قسما مهما من الانفاق يتم بالنقد الأجنبي. بالرغم من التقشف الانفاقي الجاري، تبقى نسبة الانفاق من الناتج أعلى بكثير من نسبة الايرادات مما يفسر العجز الحاصل.  لذا الاستدانة حتمية ورفض مصرف لبنان اقراض الدولة في محله ليدفعها لأن تقوم بواجباتها من ناحية تحصيل الايرادات المتنوعة المتراكمة منذ سنوات.
أما في العلاقات التجارية والمالية الدولية والتي تتلخص في ميزان الحساب الجاري، فهي حتما سلبية بسبب العجز التجاري الذي وصل الى 53% من الناتج في 2022 وذلك بسبب ضعف الصادرات واتكالنا الكامل على الاستيراد الزراعي كما الصناعي للاستهلاك. كل هذا ينعكس على الاحتياطي النقدي الموجود في مصرف لبنان والذي تدنى حكما كنتيجة وليس كسبب من 31 مليار دولار في 2018 الى 11 مليار في 2022 والى أقل منه اليوم.  اقتصادنا أصبح مدولرا في الانفاق خاصة وأقل منه في الدخل، اذ ما زال قسما كبيرا من اللبنانيين يتقاضون أجرهم جزئيا أو كليا بالليرة علما أن نسبة أكبر بكثير من الانفاق مدولرة مما يفسر تذمر اللبناني المتزايد من الأوضاع المعيشية المتردية.
لم نعد نتكلم اليوم كما في السابق عن الاستثمارات في البنية التحتية، بل لا نبذل الجهد الكافي للحفاظ على البنية الموجودة. في البنية الفوقية نفهم جيدا أسباب تردي الخدمات من تعليمية وصحية وغذائية ومعيشية في وقت يشعر اللبناني خلاله أنه غير قادر على معالجة أوضاعه ولا من يهتم بها.  معالجة الفساد مؤجلة حتما واصلاح المؤسسات حلم لن يتحقق في القريب المنظور.  ما سبق يشير بوضوح الى معاناة اقتصادنا كثيرا في وقت تمر خلاله المنطقة العربية في ظروف تحديات خطيرة وكبيرة.  لا حلول منتظرة وسريعة لمعاناتنا، وبالتالي أي محاولات لتدمير ما تبقى من ثروات عامة بفضل السياسة والتهور الاداري سيضر بالجميع نتيجة ترابط أوضاعنا.