بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 آذار 2024 12:29ص التكنولوجيا واقتصاد المعرفة

حجم الخط
مع أن التكلم عن المواضيع الاجتماعية في ظروف حرب ودمار ربما يظهر في غير محله أو سابق لأوانه، الا أن التحضير لها ولتطورها يبقى مطلوبا بل ضروريا في كل الأوقات داخل مجتمعات تريد التقدم والازدهار. هنالك حربان كبيران اليوم يهدران المادة والحياة ومن الضروري أن يؤديا الى فوز صاحب الحق أي المظلوم وخسارة المعتدي والظالم. هذا مطلوب لكنه ليس مؤكدا، اذ تاريخيا انتصر الظالمون في العديد من الحروب مما سبب ويسبب انتفاضة المظلوم ومحاولته استعادة حقه مهما كان الثمن المادي والبشري. مع تقدم العلوم وخاصة في التكنولوجيا المدهشة في ذكائها وآلياتها وحواسبها، لا بد من تقييم تأثيرها على المجتمع خاصة على المستوى المعيشي المهم لكل انسان.
تاريخيا ارتفع مستوى المعيشة عالميا أولا مع تراكم رؤوس الأموال، وثم بفضل التقدم التكنولوجي الذي كان وبقي مدهشا. تبعا للدراسات القيمة التي أطلقها في الماضي الاقتصاديان «جوزف شومبيتر» و «روبرت سولو»، يتبين أن ثلثي مصدر التحسن المعيشي ينبع من التقدم التكنولوجي، والثلث الباقي يأتي من تراكم رأس المال.  طبعا هذه الدراسات لا تغطي كل جوانب الموضوع بما فيها التقدم المجتمعي المادي كما الحضاري. معظم الدراسات جزئية لصعوبة حصر كل شيء في مختبر واحد. هذا اضافة الى صعوبة تقييم بعض العوامل النوعية المهمة التي تترك كفارق بين النتيجة والمسببات.
«اقتصاد المعرفة» ليس جديدا عالميا لكنه يمكن أن يكون كذلك في مناطق جغرافية معينة لم تستطع اللحاق بعد بالتقدم الاجتماعي العالمي. تحقَّق اقتصاد المعرفة منذ زمن بعيد في الدول الغربية التي تشكل المصدر الأساسي لدراساتنا المدرسية والجامعية، كما لطريقة عيشنا في الطعام واللباس والرفاهية وغيرها.  لا شك أن تأثير المعرفة على مستوى المعيشة أهم بكثير من التأثير المادي عبر الانتاجية والفعالية وحتى المنافسة.  لذا موضوع تأسيس «إقتصاد معرفة» يبقى في غاية الأهمية للاقتصاديين وخبراء الاجتماع أيضا.
النجاح في تحقيق اقتصاد المعرفة صعب وسيكون له اذا حصل تأثير كبير طويل الأمد على مستوى المعيشة.  تكمن المشكلة الكبرى في كيفية ادخال المعرفة والتجدد والبحث في المجتمع لأنه لن يحصل من تلقاء نفسه، ولا بد من اعتماد سياسات عامة فاعلة تعطي النتيجة المتوخاة.  هنالك دور كبير للحكومات في الوصول السريع الى الهدف.  للقطاع الخاص دور أيضا، الا أن قطاع الأعمال يركز خاصة على ما يفيده مباشرة. هذا طبيعي إذ أن هدفي القطاعين العام والخاص مختلفان كما أن الوسائل المعتمدة تبقى متباينة، بالاضافة الى المواضيع المالية في التكلفة والعائد.
للقطاع العام دور كبير في خلق اقتصاد معرفة يؤدي في النهاية الى تحقيق نمو متواصل طويل الأمد. ما يميز الدول الصناعية عن النامية ليس فقط الغنى المادي، وانما خاصة فارق مستوى المعرفة في مجموعها وتفاصيلها وتوافرها للمواطن. لا يمكن للدول النامية اليوم فقط نسخ تجارب الدول الصناعية وتطبيقها، بل المطلوب منها أكثر أي تصميم ابداع وتجدد من الداخل مبني على الحاجات المباشرة وعلى امكانية تحقيقها ماديا وماليا وانسانيا. هدف سياسات التنمية هو تخفيف فجوة المعرفة داخل الدول، وبالتالي تطوير التعليم والتدريب والثقافة والبحوث.
ما هي العوامل الاقتصادية التي تخفف فجوة المعرفة ويمكن تطويرها مع الوقت؟.
أولا: الميزات التنافسية حيث تطورت التجارة الدولية مع الوقت من تبادل بين سلع مختلفة الى تبادل ضمن السلعة نفسها. مثلا تستورد الولايات المتحدة سيارات من ألمانيا وتصدر سيارات اليها. هنالك فوارق كبيرة في مستويات التكنولوجيا والنوعية مما ينعكس حكما على الأسعار.  تطوير الميزات التنافسية ضروري لنقل المعرفة وتحسين أوضاع الجميع.  هنالك ضرورة لتطوير المعرفة العامة كما تلك التي تختص بحياة الأفراد والأسر كما بعمل الشركات. لا شك أن هنالك مجتمعات تتعلم بسرعة أكثر من غيرها، وهذه من ميزات الدول الصغيرة كلبنان والأردن حيث الحاجة للتعلم والانفتاح في سبيل النجاح كبيرة جدا. هل هنالك امكانية لتطوير القابلية على التعلم؟ ممكن اذا تم تسهيل التواصل الفكري ضمن المؤسسات خاصة الشركات.  هنا تكمن أهمية وجود شركات كبيرة يسهل فيها التفاعل بين الموظفين والعمال على كافة المستويات. لكن من مساوئ الشركات الكبيرة حصر التجدد داخلها وبالتالي يسوء توزع الابداع داخل المجتمع. حصر التجدد داخل شركات كبيرة يسيء أيضا الى المنافسة في الأسواق، وبالتالي يرتفع مستوى التضخم كما مستويات الفقر.
ثانيا: كيف تظهر نتائج التعلم ضمن المجتمع؟  في الابداع كما في انتاج سلع وخدمات جديدة متطورة تفيد المستهلك وتلبي حاجاته وطموحاته. يظهر في تحسن ادارة الشركات والمؤسسات وجعلها تنافسية أكثر تخفيضا للتكلفة ورفعا للأرباح. يمكن اقتباس المعرفة من البيت وثم المدرسة فالجامعة وكافة المؤسسات المهنية.  تقتبس من التجارب حيث يتعلم الانسان من أخطائه ونجاحاته. يتعلم من الآخرين كما من التبادل الثقافي والمهني والتجاري مع الآخرين في الدولة وخارجها.  من أصعب الأمور تعليميا هي التطور التكنولوجي، والجميع يتكلم اليوم عن الذكاء الاصطناعي كمساعد أو عدو للانسان، وهذه أمور في غاية الدقة والخطورة. العالم أجمع يحاول وضع رقابة على الذكاء الاصطناعي ومفاعيله اللغوية كي لا يطيح بانجازات الانسان السابقة والمشاريع المستقبلية.
ثالثا: هنالك عوائق أمام التعلم منها داخل الأشخاص وأخرى في المجتمعات تميزها سلبا. هنالك أفكار موروثة سيئة تؤخر التقدم لا يقبل المواطن التخلي عنها ويتعبرها من الهوية. هنالك معتقدات تضر بالتقدم منها ما يرتبط بدور المرأة مثلا في بعض المجتمعات حيث تمنع من التعلم أو العمل أو الاستقلالية عن الرجل وضمن العائلة. هنالك معتقدات مرتبطة أيضا ببعض الأديان تؤخر تقدم الانسان. هنا تكمن أهمية انفتاح قيادات الأديان على بعضها البعض في سبيل التقدم العام.