بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 نيسان 2024 01:40ص العجزان والنتائج الاقتصادية

حجم الخط
لكل حكومة أهداف تحاول تحقيقها بالوسائل المتاحة لمصلحة المواطن.  فالأرقام التي تتوافر للمسؤولين تكون أحيانا معقدة أو متأخرة أو ناقصة، وبالتالي يهمل الأهم خطأ لمصلحة المهم.  هنا يكمن دور الأولويات المنطقية التي توجه الحكومات لتحقيق نتائج ايجابية سريعة لمصلحة المواطن.  لا يمكن للعمل الاقتصادي أن ينجح اذا تجاهل الواقع السياسي كما التحديات الاجتماعية.  في الأرقام، هنالك حسابان كبيران في كل دولة يغطيان مواضيع متشعبة.  الهدف في كل منها ليس تحقيق فائض بل جعلهما يؤثران ايجابا على حياة المواطن ومستقبله. تشرف الحكومة على الحسابين لكنها لا تتحكم بهما، اذ هنالك دور كبير للأسر كما للشركات الخاصة في تحريك الأرقام كما السياسات.  تهدف كل حكومة الى تحقيق أعلى نسب نمو ممكنة كما الى السماح للمواطنين بايجاد فرص عمل مناسبة معيشيا.  أوضاع الحسابان المذكوران ليسا الهدف بل هما وسيلتان لتعزيز النمو وتحسين أسواق العمل وصولا الى بطالة صفر أو ما يقارب ذلك.  هذان الحسابان هما الميزان الداخلي والميزان الخارجي ولكل منهما عجزه أو فائضه.
هنالك مبالغات حول أهمية المؤشرات المالية العامة التي يجب احترامها والبقاء دون سقوفها مهما كلف الأمر.  نتكلم في المجتمعات عن خطورة عجز الموازنة وحجم الدين العام كما عن أوضاع الميزان التجاري وغيرها من المؤشرات المالية الأساسية.  لكننا ننسى أحيانا أن هذه المؤشرات تصب في آخر المطاف في الملف الاقتصادي وما يحمله من دلالات كبيرة تؤثر على الحاضر وخاصة على المستقبل. تكمن أهمية المؤشرات المالية في تأثيرها على المؤشرات الاقتصادية وأهمها نسبة البطالة ودرجة النمو وتوزع التنمية وسوء توزع الدخل والثروة وغيرها.
اذا كانت المؤشرات المالية سيئة، تتأثر المؤشرات الاقتصادية حكما وبالتالي يتضرر المواطن في معيشته ومستقبله.  ما الذي يفعله الجميع اليوم في ظل حربين كبيرين وأوضاع غير مريحة؟  في الأسر كما الشركات والقطاع العام، هنالك موجة تقشف عبر تخفيف الانفاق غير المجدي لأن الظروف السياسية غير مستقرة والتنبه الى الايرادات والانفاق هو حتما في محله.  الفارق بين الحكومة والقطاع الخاص هو أن باستطاعتها تمويل الانفاق عبر الكتلة النقدية بينما لا يستطيع القطاع الخاص ذلك. تمويل الحاجات المالية من الاصدارات النقدية يمارس لكنه يؤدي الى التضخم الذي يجب أن تتجنبه الحكومات المسؤولة.
يعمل القطاع العام تحت سلطة الحكومة، فهو يدها التي تسمح لها بتنفيذ السياسات التي تقررها في كل الميادين.  فالقطاع العام يقوم بالجباية لمصلحة الحكومة وينفق بناء لأوامرها على كل الميادين والقطاعات والمؤسسات. لماذا تجبي الحكومة الضرائب والرسوم المقرة في الموازنة والتي أخذت موافقة السطات التشريعية؟  لا تصلح الايرادات الضرائبية فقط لتمويل الانفاق، بل لها أبعاد اجتماعية كبيرة.  مثلا الضرائب أو الرسوم على التبغ تجبى دون شك، لكن لها أهداف صحية طويلة الأمد أهم بكثير من المال.  من أهداف الضرائب أيضا مساعدة السلطة النقدية على محاربة التضخم الذي يضر بالأسر والشركات ويساهم في افقار المجتمع. للحكومة المسؤولة أهداف اجتماعية كبيرة تنفذها عبر وسائل متعددة أهمها النظام الضرائبي. هذا يعني أن الحكومة تحاول عبر الأنظمة الضرائبية تخفيف فجوتي الدخل والثروة لاراحة الفقراء وتقوية الأمن الاجتماعي الذي تسعى اليه كل المجتمعات.
ماذا يعني العجز المالي الداخلي أي عجز الموازنة؟  عندما يزيد الانفاق عن الايرادات يحصل عجز يجب تمويله من السوق الداخلي أو الخارجي. هنالك رابط كبير بين عمل الحكومة وشفافية كما فعالية الأسواق المالية ومؤسساتها من مصرفية وغيرها. تفاقم العجز المالي مضر تضخميا ومعيشيا اذ سيكون على المجتمع الحالي والمستقبلي تسديد الديون مع خدمتها. يكون التأثير على النمو والبطالة كبيرا وبالتالي لا يمكن السير بعجز كبير مستمر يتفاقم دون برامج للتسديد. فالحكومة المسؤولة تراقب حجم عجزها وبالتالي تقوم بتحصيل الايرادات والتنبه الى الانفاق دون هدر مع هدف دائم يكمن في تخفيف الفساد الذي يمتد داخل كل القطاعات العامة. العجز المالي مهم لكن الأهم منه تأثيره على المؤشرات الاقتصادية من نمو وبطالة وفوائد وتوزع للدخل والثروة وتنمية وغيرها.  ما يدعو للعجب هي بعض التشريعات غير المنطقية في أهم الدول والتي تسهل الانفاق أيا كانت أسبابه.  في الولايات المتحدة مثلا، يمكن لمجلس النواب أن يزيد الانفاق أيا تكن الانعكاسات على التضخم شرط أن يكون ذلك ضمن السقوف المسموح بها.
ماذا يعني العجز الخارجي الذي يحصل عندما تخرج العملات الصعبة من البلد أكثر من دخولها اليه.  ميزان الحساب الجاري مهم جدا لكن أهميته ليست مالية فقط بل اقتصادية لما تعنيه للمواطن العادي وللبلد ككل.  معالجة العجز الخارجي يتم عبر سياسات عدة أهمها تشجيع الاستثمارات في البلد وثانيا تشجيع الصادرات لجذب العملات الصعبة.  في الحالتين، سيتأثر الاقتصاد في أسواق العمل والنمو مما ينعكس ايجابا على حياة المواطن العادي ومعيشته.  تخفيف العجز الخارجي يعالج النزف المالي، لكن أهم من ذلك هو يزيد الثروة الداخلية عبر النمو والعمل وتحسين كل مؤشرات الانتاجية والتنافسية.
هذا يعني أن ما يهم في الأخير هو تأثير الحسابين على المؤشرات الاقتصادية العامة التي تدخل ضمنها معايير مالية ونقدية واجتماعية. هنالك معياران كبيران يجب أن يوجها عمل الحكومات وهما الشفافية والمحاسبة واللذان يحسمان نوعية النتائج.  قال الاقتصادي «أبا لرنر» أن على الحكومة أن تعدل دائما موازنتها للحفاظ على البطالة الدنيا، مما يعني عمليا أن الموازنة هي الأداة والوسيلة وليس الهدف كما يعتقد البعض.  هنا يكمن دور الحكومات في تحويل بعض البطالة التي لا يستوعبها القطاع الخاص الى القطاع العام طوعا، أي اعطائهم فرصا للعمل في الخدمات العامة المختلفة كالكهرباء والمياه والهاتف والنقل خدمة للاقتصاد والمناطق.