بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 تموز 2018 12:18ص «المكيافالية» المفرطة لتشكيل «ثنائية» التيار والقوات

حجم الخط
في الوقت الذي علت فيه الدعوات لتجاوز كل العقد والمطالب التعجيزية لبعض الأحزاب والكتل النيابية لجهة زيادة حصصها في الحكومة العتيدة، والتي جاءت مترافقة مع تحذيرات من الإنعكاسات السلبية لتأخير عملية التأليف على الوضعين السياسي والإقتصادي، انفجر الصراع على الحصص المسيحية في الحكومة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وذلك على خلفية التفسيرات المختلفة لبنود الاتفاق السري الموقع بين الطرفين في معراب، والذي تضمن التوافق على المناصفة الوزارية ولوظائف الفئة الأولى للمسيحيين، في حكومات العهد كافة.
لم تنجح الجهود التي بذلت لتبريد الأجواء بين الحزبين على خلفية توزيع الحقائب الوزارية بينهما، حيث تمسك الوزير جبران باسيل بمبدأ اعتماد عدد النواب كمعيار للحصة التي ينالها كل فريق في الحكومة، متنكراً بذلك لمضمون الاتفاق . ادى احتدام الصراع في نهاية الأمر الى نشر الاتفاق الذي يمثل خروجاً فاضحاً على كل الأصول الديمقراطية، كما يمثل انتهاكاً واضحاً لحقوق جميع الأحزاب والقوى المسيحية الأخرى. والسؤال المطروح الآن: كيف يجوز لحزبين لا يمثلان كل المسيحيين أو كل الموارنة أن يحتكرا كامل حصة المسيحيين في مواقع النفوذ والسلطة؟
في الواقع يمثل هذا الاتفاق محاولة لإلغاء كل القوى السياسية المسيحية الأخرى، كما يمثل خروجاً واضحاً على الدستور والقوانين والتي تنص صراحة على المساواة بين اللبنانيين في الحقوق والواجبات، وفي الفرص المتاحة للوصول الى الوظيفة العامة.
صحيح بأن السياسة هي فن الممكن، وبأنها تجيز استعمال كل الوسائل والأساليب المتاحة من أجل تحقيق الغايات، ولكن ذلك لا يعني إجازة الخروج على الدستور والقانون، أو التنكر للمصلحة الوطنية أو التعدي على حقوق الآخرين. 
بعد انكشاف مضمون وثيقة التفاهم بالكامل، وظروف توقيعها، وما رمى أن يحققه الحزبان من مصالح خاصة بهما ندرج الملاحظات الآتية: 
أولاً: حاول التيار والقوات، وبطريقة سرية، الإستيلاء على حصة وحقوق المسيحيين في السلطة والوظائف العامة الأساسية، متجاوزين بذلك كل الضوابط والأصول التي يحددها الدستور والقوانين. 
ثانياً: حاول الحزبان عزل او الغاء جميع الأفرقاء المسيحيين الآخرين، وإرساء الاطار لإقامة ثنائية مسيحية، على غرار الثنائية الشيعية، والتي نجحت بالفعل في الهيمنة على حصة الشيعة في الوظائف العامة، بالإضافة الى السيطرة المطلقة على قرار الطائفة. 
ثالثاً: يمثل مضمون الاتفاق والظروف التي رافقت توقيعه مقاربة واضحة من قبل القيادتين العونية والقواتية لخدمة مصالحهما في المديين القريب والمتوسط، بدءاً من تمكين العماد عون من الوصول الى سدة الرئاسة، وإتاحة الفرصة أمام القوات لتكون شريكا كاملا للتيار. وتمثل هذه المقاربة جنوحاً من قبل القيادتين لاستعمال «المكيافالية» المفرطة من أجل احتكار السلطة. لقد تناسى الطرفان بأن الغاية التي ارسى عليها ماكيافيلي مقاربته قد أنطلقت من الحاجة لوجود سلطة قادرة على إدارة الشأن العام تحل مكان السلطة المتهالكة .
إذا كانت قاعدة «الغاية تبرر الوسيلة» قد اعتمدت لملأ الفراغ الرئاسي فإنها قد استعملت دون تقييدها بأية شروط أو معايير قانونية أو وطنية. يمكن ان يدعي مهندسو الاتفاق بأن ضرورات انهاء الفراغ الرئاسي تبيح المحظورات ولكن مع شرط الإلتزام بشروط ومعايير وضوابط شرعية. 
رابعاً: سعى الفريقان من خلال الاتفاق الى السيطرة على اللعبة السياسية لوصول العماد عون الى سدة الرئاسة في مرحلة أولى، وتهيئة الأجواء لإنتخاب خليفة له في مرحلة ثانية، وهذا ما يؤشر إليه احتدام الصراع الراهن بين الطرفين.
في النهاية تدعو الحكمة السياسية والمصلحة الوطنية شجب هذا الاتفاق، ودعوة الحزبين للتراجع عنه والاعتذار للشعب اللبناني والقوى المسيحية الأخرى وأن يدركا بأنه لا يمكن بناء وطن وقيام دولة صالحة من خلال تقاسم السلطة بين ثنائيات طائفية وبأن المعيار الحقيقي لتشكيل الحكومة لا بدّ أن يتركز على اختيار فريق قادر على الحكم.