بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 تشرين الأول 2023 12:11ص بين أوكرانيا وغزة

حجم الخط
بدأت حرب غزة بعنفها الذي يفوق كل حدود انسانية وعسكرية وأخلاقية.  نسي العالم وخاصة الاعلام العالمي أن هنالك حرب أخرى قاسية تتم في أوكرانيا، وكأنها انتهت عبر اتفاقية سلام أو عبر رابح وخاسر.  الحرب الأوروبية تقلق السكان وتوتر علاقاتهم مع دولهم في الأمور الاجتماعية.  من الممكن أن تمتد هذه الحرب الى الدول المجاورة الحائرة في اتخاذ المواقف الواضحة.  انحياز الاعلام العالمي الفاقع الى اسرائيل مدهش وحتما غير مبرر، وها هي نشرات الأخبار في أهم الوسائل الاخبارية العالمية العريقة تصبح في الصوت والصورة كأنها نشرات الاعلام الاسرائيلي.  كيف يمكن لاعلام متطور أن ينحاز 100% الى جهة وأين ذهبت معايير العقل والشفافية والمنطق والتوازن والحق؟  فعلا هذا محزن في وقت تقدم خلاله العالم خطوات في الأداب والعلوم وأصبحت معايير البيئة وحسن العلاقات تنتشر الى كل الدول؟ أين هي الأمم المتحدة ولماذا تغيب طوعا عن دورها في أهم الظروف والأوضاع؟  خلل التوازن الاعلامي في الحرب الأوكرانية فاقع، لكنه يبقى دون المستوى المنحاز كليا فيما يخص حرب غزة.  لا بد من القيام عربيا بجهود كبيرة لتصحيح جزء من هذا الخلل المزمن والمضر جدا بمنطقتنا.
انعكاسات الحربين عالمية أي تؤثر على النمو والتنمية والفقر كما التضخم.  تتأثر أسعار المواد الأولية كما يتأثر انتاج السلع المهمة للانتاج.  الوضع الاستهلاكي يتردى في ظروف معيشية صعبة. تبعا لبرنامج الغذاء العالمي WFP،هنالك 349 مليون شخص في 79 دولة لا يحصلون على الطعام الكافي. الغذاء فيها قليل في وقت يتعثر خلاله نقل أبسط المواد الأولية كالقمح.  توقعات صندوق النقد الدولي التي أعلنت حديثا من مراكش بشأن نمو المنطقة لن تكون صحيحة، اذ وضعت الدراسات قبل حرب غزة ولا بد من تصحيحها وهذا ما ستعمل عليه دون شك ادارة الصندوق.  التضخم سيبقى قوياً بسبب انعكاس الحرب على أسعار المواد الأولية كما النقل وسلاسل الامداد وغيرها.
بالرغم من التباطؤ الاقتصادي الحالي نرى الشركات الكبرى تستمر في رفع أسعارها استباقا لتضخم قادم وللحفاظ على ربحيتها السابقة. هنالك استثمارات عالمية واقليمية عدة مقررة ستؤجل الى ظروف أفضل مما يعني أن العرض سيكون محدودا في وقت يرتفع خلاله الطلب على عدة سلع مهمة للعيش. لا بد وأن يتناسى أو ينسى العالم مشاكل البيئة وتغير المناخ في ظروف صعبة كالتي نعيش فيها، مما يعني أن أوضاع الطبيعة ستسؤ حتما على أبواب مؤتمر COP28 الذي ينعقد قريبا في دولة الامارات. ما شهدناه من زلازل طبيعية في سوريا وشمال أفريقيا مؤلم والخسائر كبيرة جدا. لذا الجهود المطلوبة لعودة الحرارة الى الاهتمامات البيئية ستكون أكبر وتقوم بها معظم الدول احتراما للمستقبل وللأجيال القادمة.
التوقعات التضخمية ستبقى قوية في ظروف تقلبات سياسية كبيرة مما يعني أن استعمال الوسائل التقنية الحالية من فوائد وسياسات نقدية ومالية سيبقى ضروريا لتجنب الأسواء.  هنالك مجموعة قليلة من القيادات العالمية تقرر كل شيء ليس فقط في السياسة وانما أيضا في الاقتصاد. لا شك أن التقدم التكنولوجي وارتفاع الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي لأكثرية الدول لم ينجحا بعد في تخفيف الظلم والفقر والتشنجات الاجتماعية وفي تعميم العدالة على المستويين العالمي والاقليمي.  في كل الدول هنالك مجموعة قليلة من المواطنين تسيطر على السياسة والاقتصاد، وبين الدول هنالك عدد قليل منها يسير الأكثرية ويدفعها في اتجاهات تناسبها.
تأثير الحرب الأوكرانية سيكون كبيرا ومزمنا للدولتين المرتبطتين مباشرة بها.  الخسائر في أوكرانيا ضخمة ولا بد من الاستثمار مباشرة في كل شيء للعودة الى الحياة الطبيعية.  لا بد للأموال من أن تؤمن عبر المساعدات والقروض لأن الشعب الراغب في الحياة غير قادر عمليا على تأمين العودة السليمة الى الحياة الطبيعية.  أما في روسيا، فالخسائر المباشرة أقل لكن الدولة تحتاج هي أيضا الى اعادة بناء اقتصادها وتطويره كي تلحق بالعالم أجمع خاصة في التكنولوجيا.  الحروب تفرض أحيانا على المشاركين بها من قبل آخرين أو من قبل واقع يكون ظالما ومقفلا.
أما تأثير حرب غزة، فسيكون كبيرا ليس فقط على الأطراف المشاركة وانما أيضا على كل دول المنطقة حتى شمال أفريقيا.  كيفما انتهت هذه الحرب، ومن المرجح أن لا تبنى على حلول نهائية دائمة بل على وقف مؤقت للصراع، ستتأثر اقتصادات المنطقة كثيرا بها. سنعاني أكثر من شح الاستثمارات النوعية ومن ضعف الزيارات وربما من انهيار القطاع السياحي الذي بدأ يتطور وينمو أكثر من أي منطقة أخرى.  دول المنطقة الغنية تستطيع أن تمول نفسها وتنجح، أما الدول الأخرى فستحتاج الى مساعدة الغنية وربما أيضا الى التمويل الدولي من الصندوق والبنك.  لا تظهر الوقائع أن المنطقة قادمة الى استقرار مزمن مع تعدد الجبهات السياسية والعسكرية، وبالتالي الحلول السياسية مؤجلة.
سياسات التنويع الانتاجي التي تقوم بها دول مجلس التعاون الخليجي هي صحيحة وتتقدم ضمن مختلف البرامج الوطنية والخطط المستقبلية. الدول العربية الأخرى في معظمها متعثرة اداريا وماليا وتحتاج الى المساعدة الاقليمية والدولية.  هجرة العائلات غير الشرعية الى أوروبا تبقى في مقدم تحديات المنطقة علما أنها نتيجة للاهمال الداخلي في تأمين أبسط مقومات الحياة.  تتوقف الهجرة عندما يحصل المواطن على الحد الأدنى من حقوقه. منطقتنا ليست الوحيدة التي تعاني من هجرة أبنائها، فهنالك مناطق أخرى تعاني في أميركا الوسطى واللاتينية كما في أفريقيا وحتى أجزاء من أسيا.  لا يمكن للحلول أن تكون مجزأة، فانما تكون حلول معقولة لكل شيء أو يبقى النزيف قائما دون امكانية توقيفه.  تحديات المنطقة العربية عموما تزداد في وقت تضعف خلاله الامكانات الادارية والأمنية والمالية.