بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 أيار 2023 12:23ص تحديان أمام الصين

حجم الخط
كان يُعتقد أن الأزمة الآسيوية هي أزمة العولمة الأولى، وأن الصين بدءاً من 1998 ستتقدم على اليابان لتصبح المحرك الاقتصادي لشرق آسيا. تقدمت الصين كثيرا مما سمح بقبول عضويتها في منظمة التجارة العالمية في 2001. يعتبر الاقتصاد الصيني مزيجا من الحر والموجه، أي نموذج يصلح للاقتصادات النامية الصاعدة نحو المستوى الناشئ. طريق الصين ليست سهلة ليس فقط بسبب الكورونا وانما بسبب الحذر الغربي الكبير من نموها المقلق سياسيا وعسكريا. يمكن وصف الاقتصاد الصيني المتطور بعوامل عدة تختصر تحوله مع الوقت من اقتصاد موجه الى رأسمالي حر كالآتي:
أولا: تنتقل الصين من اقتصاد معتمد على الاستثمارات والصادرات الى آخر معتمد على الاستهلاك. ينتقل الاقتصاد الصيني من الارتكاز على الصناعة الى التحول نحو الخدمات تماما كما هو حال الاقتصادات الصناعية المتطورة.
ثانيا: تحولت الصين من اقتصاد يعتمد على فائض التوفير الى مرحلة أخرى يستعمل فيها التوفير لتحسين الأوضاع الاجتماعية عبر نظم ضمانات عام متطور. كما تنتقل الصين تدريجيا من اقتصاد متطور معتمد على التكنولوجيا المستوردة من الغرب الى آخر يعتمد تطوره على تجدد تكنولوجيا الداخل وتنوعها.
أما الرسائل الأخيرة التي أصدرها الرئيس شي، فتؤكد على تغيير كبير في الاستراتيجية أي عودة الى المركزية السياسية والاقتصاد الموجه وهذا ما يعتبر غربيا نقلة مقلقة الى الوراء. في المرحلة الحالية، تواجه الصين تحديان أساسيان هما الكورونا في أيامها الأخيرة والمنافسة القوية مع الولايات المتحدة. خطورة سياسة الاقفال الكوروني أنها حولت الصين من اقتصاد مدهش في نموه الى عادي يواجه صعوبات كبيرة. حاولت الصين القضاء على الكورونا داخلها عبر العزل الداخلي والمقاطعة البشرية مع الخارج. منذ كانون الأول 2022، فتحت حدودها لكن الكورونا لم تنته كليا بعد بل وصل عدد الوفيات الى عشرات الألوف أي مستويات عالية مفاجئة. قدمت الصين اللقاح الى المسنين، لكنها تأخرت كثيرا. يظهر أنها أخطأت في مواجهة الكورونا وأخطأت أيضا في توقيت تغيير السياسة مما جعل الخسائر تكبر في الحالتين.
انتشار الكورونا كان مخيفا اذ هنالك مؤشرات على امتدادها في الداخل خاصة في الأرياف أو المجتمعات التي ليس عندها خبرة وطاقة وقدرة على المواجهة. هنالك ملامة علنية من الصينيين تجاه السياسة الحكومية الصحية، وهذه مواقف جديدة لم تكن تعلن سابقا. قطاع الأعمال خسر الكثير خلال العزل، وها هو يخسر في الأسواق التنافسية العالمية مما ينعكس سلبا على النمو. هل تقوم الحكومة الصينية بتقييم سياساتها السابقة منعا للتكرار ولتحديد الخسائر الطويلة الأمد؟ للنهوض مجددا كالسابق، لا بد وأن تستعيد الحكومة الصينية ثقة قطاع الأعمال بحيث يعود الى انتاج الأفضل والى التنوع المدهش.
ما هي النتائج؟ تأثر الاقتصاد سلبا بسياسات الكورونا فأنخفض النمو. يظهر ذلك في نسبة البطالة المرتفعة الى حدود 20% عند الشباب وان تكن الاحصائيات الدقيقة غائبة. القطاع العقاري مصاب بسبب كثرة العرض وضعف الطلب نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة. نعلم ان تعثر قطاع العقارات يمتد الى كل القطاعات لأن كل شيء تقريبا يدخل في البناء. الانفاق الاستهلاكي ضعيف بسبب القدرة الشرائية المتدنية وغياب الأجواء الايجابية العامة نتيجة سياسات الكورونا والعودة السياسية الى المركزية كما الى الاقتصاد الموجه بعد سنوات من التحرير. أخطأت الصين في طريقة مواجهة الكورونا وأخطأت أيضا في تأخير الانتقال من الانغلاق الى الانفتاح.
أما التحدي الكبير الثاني، فهو المنافسة الكبرى مع الولايات المتحدة حول المركز الاقتصادي الأول وما يتبعه من نفوذ على الصعيد العالمي. المنافسة جيدة وتخلق التجدد والابداع وتؤثر ايجابا على الانتاجية. فيما حاولت أميركا سابقا السيطرة سياسيا على الصين، تبين للادارات المتعاقبة صعوبة ذلك. لذا تغيرت الاستراتيجيا نحو محاولة تغيير تصرف الصين أي تخفيف المواجهة وجذبها الى الاقتصاد الحر بحيث تصبح المنافسة اقتصادية فقط.
لكن هذا لم ينجح اذ كبر المارد الصيني الى حدود لم يكن يتوقعها أحد. لذا تحاول الولايات المتحدة المحافظة على تفوقها على الصين ليس فقط اقتصاديا وانما عسكريا أيضا عبر الانفاق الجديد على أهم أنواع الأسلحة وأحدثها خاصة مع الحرب الأوكرانية. تحاول الولايات المتحدة تخفيف تجارة سلع وخدمات التكنولوجيا مع الصين ووضع تعريفات جمركية على الواردات الصينية بغية تخفيف عجلة النمو الصيني. كما أن الاستثمارات الأميركية في الصين والعكس هما في انحدار ملحوظ.
< ماذا عن النتائج الاقتصادية في الصين؟
بالرغم من أن الصين أصبحت قوة اقتصادية كبرى وربما الأولى اذا احتسبنا الناتج المحلي الاجمالي تبعا للقوة الشرائية، لم ينعكس هذا النجاح بعد على معيشة الأسر خاصة اذا ما قورنت بالغرب. نسبة استهلاك الأسر الصينية من الناتج ما زالت منخفضة جدا تبعا للمعايير الغربية. لا شك أن الاستثمارات الداخلية كبيرة، لكن عائدها ينخفض مع الوقت وهذا طبيعي في دولة نمت بسرعة لفترات طويلة. أما المحافظة على نسبة منخفضة من البطالة، فتم عبر الاستثمار في العقارات الذي بلغ 29% من الناتج وهي مرتفعة جدا. توقعت شركة «غولدمان ساكس» الاستثمارية سابقا أن يصبح الاقتصاد الصيني الأول عالميا في حدود سنة 2025، لكنها أعادت تقييمها وأجلت النتيجة المتوقعة الى 2035 مما يعكس التطورات السلبية على صعيدي الكورونا والسياسة والهيكلية السكانية.
واقعا تنحدر نسبة العمالة الصينية خاصة منذ 2015 بسبب سياسة الطفل الواحد التي بقيت لعقود وتعدلت حديثا مما فرض محاولة زيادة الانتاجية للتعويض، فلم تتحقق كليا. السياسة الصحية كما المنافسة مع أميركا والغرب تؤخران صعود الصين أكثر وتفرضان عليها المواجهة في ظروف جديدة خطرة. أما المنافسة الحادة مع الدول الأسيوية كاليابان والهند، فستشكل قلب السياسات الصينية في العقد المقبل.