بيروت - لبنان

اخر الأخبار

31 تموز 2023 12:23ص تفاؤل لودريان .. وغيوم أيلول!

حجم الخط
يُقابل اللبنانيون بكثير من الحذر والترقب مسار موجة التفاؤل، التي برزت بعد محادثات الموفد الفرنسي جان إيف لودريان مع كبار المسؤولين والقيادات السياسية، والتي وصفها الرئيس نبيه برّي بأنها فتحت ثغرة في جدار الأزمة السميك. 
لعل السبب الأول للحذر من الإستسلام لأحاديث التفاؤل أن النتائج الأولى للإختراق الحاصل في عقد الأزمة الرئاسية لن تظهر قبل أيلول المقبل، وهو الموعد الذي حدده لودريان لعودته إلى بيروت، بعد إنتهاء إجازته الصيفية، وتبلور مواقف الأطراف السياسية في لبنان، من المقترحات التي حملها بإسم اللقاء الخماسي، إثر الإجتماع الأخير في الدوحة، والقاضية بضرورة إنهاء القطيعة، وفتح قنوات «التواصل والتشاور»، على الأقل، بين الأفرقاء السياسيين، طالما أن الإتفاق على الجلوس على طاولة الحوار مازال متعذراً. 
والتجارب المريرة علمت اللبنانيين، أن ما يمكن تحقيقه اليوم، يصبح تنفيذه غداً صعباً، بل من رابع المستحيلات، في حال ظهرت تطورات أو عوامل مفاجئة، تنسف الأرضية التي بُنِيت عليها التفاهمات الأولية. خاصة في مثل هذه المرحلة الصعبة التي يجتازها لبنان، والتي تُبقي الأبواب مفتوحة أمام رياح المفاجآت والتغييرات السريعة في مواقف الأفرقاء المحليين، وتغيّر المناخات الخارجية. 
غير أن مثل هذا الترقب والحذر ،لا يُلغي ضرورة المتابعة والإهتمام بالتفاهم الأساس الذي حصل في إجتماع الدوحة الأخير، والذي تم التوافق خلاله بين ممثلي الدول الخمس، على ضرورة إجراء الإنتخابات النيابية وفق الدستور اللبناني، بمعنى إبقاء جلسة الإنتخاب مفتوحة لدورة ثانية، أو ثالثة إذا إقتضى الأمر، وإنتخاب الرئيس بالأكثرية المطلقة، مهما بلغ عدد المرشحين، على أن يتعهد كل فريق بقبول نتائج الإنتخابات والتعامل مع الرئيس الجديد وفق مقتضيات الدستور اللبناني، حيث يُصبح رئيساً لكل اللبنانيين، ورمزاً للبلاد، إلى آخر معزوفة الصلاحيات والأوصاف الرئاسية المعروفة. 
وعطفاً على ظروف الأزمة الحادة التي تجتاح بلد الأرز في السنوات الأخيرة، وما أفرزته من إنقسامات على المستوى الوطني، فإن المرحلة المقبلة ستُعتبر إنتقالية بكل ما تعنيه الكلمة، حيث أن الرئيس الفائز لن يشكل تحدياً لأحد، ومن المفترض أن يعمل على توحيد اللبنانيين على الخطط الإصلاحية التي ستنفذها الحكومة، لوضع البلد على سكة الإنقاذ، والخروج من دوامة التخبط الحالي. وكل ذلك يتطلب الإبتعاد عن أساليب الإستئثار بالسلطة، وإعتماد الكيدية في التعامل مع الخصوم السياسيين، على النحو الذي كان سائداً في عهد العماد عون، وأطاح بكل مقومات الإستقرار الداخلي. 
وأحاديث لودريان في بيروت أكدت من جديد أن الدول الخمس، لا سيما المملكة العربية السعودية، ما زالت عازفة عن الخوض في بورصة أسماء المرشحين، أو تفضيل مرشح على آخر، تاركين للبنانيين أن يتحملوا مسؤولية خياراتهم، على أن يتم التعامل مع الرئيس الجديد والحكومة التي ستتشكل،  بسرعة قياسية بعد وصول الرئيس العتيد إلى بعبدا، على ضوء الإلتزام بتحقيق ما يتم الإتفاق عليه من إصلاحات بنيوية إدارية ومالية، والتي على خطواتها المتتابعة سيتم حسم ملف المساعدات المنتظرة للبنان في مساره الإصلاحي الجدّي. 
والسؤال الذي يشغل الكثيرين بعد زيارة لودريان: هل يكفي تحديد الإطار النظري، أو إعداد المسرح السياسي للإنتخابات الرئاسية، لضمان إجراء العملية الإنتخابية في أيلول المقبل، وفي أجواء هادئة ونزيهة؟ 
الواقع أن ما تم تداوله في الدوحة، ونقل جُلّه الموفد الفرنسي إلى بيروت، يُفضي إلى أن الإنتخابات، من حيث المبدأ، يجب أن تجري في أجواء ديموقراطية، وتستعيد الأجواء اللبنانية المماثلة التي كانت تحيط بالإنتخابات الرئاسية، حيث كان التنافس سيد الموقف، وتعدد المرشحين ظاهرة لافتة في الجلسات الإنتخابية، وفوز المرشح الذي يحصل على أكبر عدد من أصوات النواب ، كان من النتائج البديهية، دون المرور بإنهاء الجلسة فور الإنتهاء من الجولة الأولى لعملية الإقتراع. 
وهذا يعني أن الجلسة المقبلة ستشهد إنتخابات حاسمة بين أكثر من مرشح، مثل رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وجهاد أزعور ، إذا إستمر المرشحان، كلاهما أو أحدهما، في السباق الرئاسي، على أن تختار المعارضة مرشحاً في حال إنسحب الثاني نهائياً، وبقي الثنائي الشيعي متمسكاً بمرشحه، وعدم الذهاب إلى مرشح توافقي ثالث، مثل العماد جوزاف عون أو النائب نعمة افرام،  أو غيرهما. 
فهل سيمضي هذا السناريو حتى خواتيمه السعيدة، أم أن أصحاب أجواء الحذر والترقب قلقون من غيوم أيلول، حتى لا يلدغوا من الحجر مرّتين.. بل مرّات !