بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 نيسان 2023 01:39ص جاذبية الدولار مستمرة

حجم الخط
قسم كبير من دول العالم يربط نقده بالدولار وقسم آخر يربطه بسلة عملات أساسية ضمنها وبثقل كبير الدولار. فالدولار القوي له ميزاته ويؤثر مباشرة على أوضاع عشرات الدول. يبقى الدولار قويا بالرغم من أن الأوضاع الاقتصادية للولايات المتحدة ليست مثالية. المنافسات السياسية الداخلية والمواضيع التي تهم الأميركيين تسبب حدة في النقاشات والحوارات كما شهدنا في الانتخابات الرئاسية والنيابية. التضخم مرتفع وهو الأعلى منذ عقود وهنالك العجزين التوأمين الداخلي والخارجي اللذان يشيران الى خلل قوي داخل الاقتصاد الأميركي.
حصة كل مواطن من الدين العام الأميركي يعادل 94 ألف دولار ومجموع الدين العام أكبر من الناتج المحلي الاجمالي أو 135%. العجز التجاري ضخم و 60% منه يأتي من مصدرين هما التجارة مع الصين واستيراد النفط. قلب أزمة 2008 المالية كان في الولايات المتحدة أي مصدرها أميركي ونتائجها أميركية وثم دولية. لكن الدولار يبقى قويا بالرغم من كل شيء.
ما هي أسباب قوة الدولار التي تجعل منه ومن الاقتصاد الأميركي جاذبا للاستثمارات والادخارات العالمية؟
أولا: سياسة المصرف المركزي النقدية التي رفعت الفوائد مرارا لمواجهة التضخم وبالتالي قوت جاذبية النقد. تأخر المصرف في رفعها اعتقادا من قيادته أن التضخم سيكون خفيفا وربما يختفي بسرعة. هذا الخطاء في التوقع جعل المصرف يقوم لاحقا برفع الفوائد بسرعة. من المتوقع أن تستمر هذه السياسة وان يكن بوتيرة أبطأ منعا لادخال البلاد في ركود عميق.
ثانيا: الحرب الأوكرانية التي أصابت الاقتصادات الأوروبية أكثر بكثير من الأميركي. العنف في الحرب سيترك أثارا لن تمحى بسرعة في النفوس والعقول. القرب الجغرافي الأوروبي عامل مهم جدا وله تأثيرات كبرى على التجارة والاستثمارات. نسبيا أصبح الاقتصاد الأميركي أقوى مقارنة بالمنافس الحليف الأوروبي.
ثالثا: الوضع الاقتصادي الصيني المتأثر سلبا بعوامل عديدة منها سياسة الحكومة تجاه الكورونا وفائض العرض العقاري نتيجة البناء الكبير غير المدروس. نضيف اليها التأثيرات السلبية على قطاع التكنولوجيا الذي ميز الصين لعقود والذي يصاب اليوم بتوقف الصادرات الأميركية المتخصصة. أما تحويل ادارة البلد أكثر فأكثر نحو المركز أو العاصمة مع بداية الولاية الثالثة للرئيس شي، فنتائجه السلبية ستظهر تدريجيا في 2023.
رابعا: عامل الطاقة في أسعارها وتوافرها التي تؤذي أميركا أقل بكثير مما تؤذي أوروبا واليابان. نسبيا تستورد الولايات المتحدة القليل من النفط على عكس أوروبا واليابان الذين يستوردون كل شيء. عامل الطاقة لا يقتصر فقط على أوروبا بل تتأثر به دول الأوبيك كما دول المنطقة العربية المصدرة والمستوردة لها.
للدولار القوي تأثير كبير على الولايات المتحدة كما على العالم. الصادرات الأميركية تتأثر سلبا، لكن الواردات تصبح أرخص وبالتالي يتأثر الميزان التجاري سلبا. للدولار القوي تأثيرات سلبية ايضافية على الاقتصاد الأميركي، اذ يصبح الانتاج في الداخل مكلف أكثر كما أن السياحة في أميركا تتأثر سلبا. من ناحية الاقتصاد الدولي ولأن معظم التجارة محرر بالدولار، تتأثر التجارة سلبا بالدولار القوي. ارتفاع الدولار يضرب اقتصادات الدول النامية والناشئة لأن تجارتها كما ديونها محررة بالدولار، والأهم أن وارداتها الغذائية كما النفطية محررة به وبالتالي تصبح أكلف.
نضيف الى ما سبق، أن القطاع الخاص الدولي يتأثر أيضا سلبا لأنه يقترض بالدولار فيصبح ثقل الدولار أكبر أو موجعا أكثر. تتأثر الشركات الدولية كثيرا في أرباحها العالمية بقوة الدولار مثل «آبل» و»كوكاكولا» و»ماكدو» وغيرهم. من الممكن أن تحول هذه الشركات استثماراتها نحو الداخل أي مثلا الى أسهم شركات الخدمات العامة كالكهرباء والمياه التي تصمد في ظروف كالتي نعيش معها. فالمستهلك لا بد وأن يسدد فاتورة الخدمات العامة لاستمرارها كما أن هذه الشركات توزع أرباح أكثر بكثير من غيرها بسبب أفضليات ضرائبية تعطى لها. هنالك أيضا قطاع العقارات الذي يجذب ويعتبر حمائي للمستثمرين. حقيقة، لا شيء يحمي كليا المستثمر في ظروف دقيقة وخطيرة كالتي نمر بها انما يمكن تخفيف الخسائر والتعويض جزئيا.
يمكن للنتائج أن تتغير مع ما يجري في السياسة كما في العلاقات العامة المرتبطة بالحرب الأوكرانية وبكافة الصراعات الحارة عالميا. هل هنالك حلول عملية لمواجهة هذه التحديات؟
في دول الوحدة الأوروبية ومنطقة اليورو، يسعون الى تنفيذ السياسات الثلاثة مجتمعة:
أولا: وضع سقف على سعر الطاقة المستوردة وهذا يعني اما فرض سعر على المصدر أو دعم الفارق بين سعر الواردات وسعر المبيع للمستهلك. في الحالتين المشكلة قائمة. في الأولى، ليس مؤكدا ان المصدر سيقبل بوضع سقف خاصة وأن العالم يحتاج الى المادة وان الطلب موجود عالميا. في الحالة الثانية، تقوم بعض الدول بنوع من الدعم لكن الاستمرار به أو توسيعه سيكون مكلفا جدا ويشجع على الهدر والتبذير. انخفضت أسعار النفط العالمية مع بداية التباطؤ الاقتصادي العالمي لكن قرار تخفيض الانتاج بدأ من 1\5\2023 من قبل أوبك بلاس سيدفع بالاتجاه المعاكس.
ثانيا: فرض تقنين على استهلاك السلع المستوردة وهذا يمكن تحقيقه مع الطاقة وأصعب بكثير مع السلع الغذائية. بدأت الدول الأوروبية بالتقنين الطوعي أي طلبت من المواطنين تخفيف الاستهلاك، وهنالك مؤشرات على حسن التجاوب. أما اذا لم يحصل التجاوب كما هو ضروري، من الممكن أن تقنن الحكومات قسرا أي تقطع الكهرباء لساعات في النهار والليل وصولا الى الهدف.
ثالثا: هنالك حل ثالث وهو فصل تسعيرة الكهرباء كليا عن سعر المصدر أو الغاز تحديدا، وبالتالي تدعم الدولة الفارق أو تستفيد منه تبعا للأرقام. هذا يريح المواطن ويبعده عن تقلبات البورصة لكنه يمكن أن يكون مكلفا للموازنات العامة اذا توسع الفارق. يكمن الحل ربما في الاستثمار أكثر في الطاقات النظيفة المتنوعة.