بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 حزيران 2023 12:08ص حزب الله يجعل من أزعور خياراً مستحيلاً

حجم الخط
تؤكد كل التصريحات الصادرة عن الكتل النيابية بأن الجلسة الثانية عشرة للمجلس النيابي لانتخاب رئيس للجمهورية التي ستعقد اليوم الاربعاء لن تكون حاسمة لجهة انتخاب احد المرشحين الوزير السابق سليمان فرنجية او الوزير السابق جهاد ازعور لموقع الرئاسة الفارغ منذ سبعة اشهر.
وتشير الاحصاءات التي تتناولها وسائل الاعلام بأنه من المرجح انه يحصل الوزير ازعور في الدورة الاولى على ما بين 54 و60 صوتاً، فيما يحصل الوزير فرنجية على ما يتراوح ما بين 40 و43 صوتاً، وذلك بعد المواقف المعلنة او الغامضة التي عبرت عنها كتلة النواب المستقلين بصرخة نواب من التغييريين بالاضافة الى كتلة الطاشناق وبعض النواب المتفردين.
تؤشر القراءة الاولية لهذه المعلومات لنتائج مجريات الجلسة الى استمرار الانقسام العامودي في المجلس النيابي بين الثنائي الشيعي وتحالفاته وبين قوى المعارضة الملتفة حول «التقاطع» الذي جرى بين الكتل المسيحية الرئيسية المتمثلة بالقوات اللبنانية والكتائب والتيار الوطني الحر، وانضمام مجموعة من الكتل الاخرى لتأييد مرشحها جهاد ازعور، وابرزها كتلة اللقاء الديمقراطي برئاسة تيمور جنبلاط وعددها ثمانية نواب.
يبدو بأن اجراء دورة الاقتراع الاولى بات محسوماً في جلسة اليوم، مع ترجيح عدم قدرة اي من المرشحين الحصول على الاكثرية اللازمة للفوز، الا انه من شبه المؤكد ان دورة الاقتراع الثانية لن تعقد، وسيجري تطيير النصاب، وذلك خشية من مفاجآت قد تحملها، فترفع النتائج التي سيحصل عليها ازعور الى 65 صوتاً، وتحسم بالتالي المعركة الرئاسية لصالحه، وبالتالي دفع الثنائي الشيعي للشعورب أنه بات مغلوباً، على المستويين السياسي والوطني، الامر الذي قد يدفع حزب الله الى استعمال فائض قدراته العسكرية للاخلال من جديد بموازين القوى الداخلية، واجبار الجميع على التسليم بمشيئته والبحث عن مخارج من خارج الصيغة والدستور.
تحضيراً للمواجهة الحامية التي ستشهدها جلسة اليوم فقد جهدت كتل المعارضة المؤيدة لأزعور لحشد اعلى نسبة من الاصوات لصالحه، وذلك ضمن رهانها على اقناع شريحة واسعة من النواب التغييريين والمستقلين للانضمام اليهم في لعبة اقصاء فرنجية، من خلال اظهار تخلفه عن النتائج التي سيحصل عليها ازعور. لكن يبدو بوضوح بأن النواب التغييريين المقصودين ومع كتل المستقلين يرفضون الانخراط في هذه اللعبة، مراهنين على انتهاء الجلسة بالتعادل السلبي، وبما يجبر الجميع للبحث عن خيار ثالث، كما سبق لي وعبّرت عنه في افتتاحية سابقة نشرتها «اللواء» يوم الاربعاء الماضي.
واللافت انه استعداداً لمعركة اليوم فقد اصدر ازعور يوم الاثنين الماضي بياناً، يؤكد فيه ترشيحه مع شعار بأنه «لا يتحدى احدا بل يمد يده للجميع».
واضاف بأنه يجد نفسه «في مهمة بسيطة وكبيرة في آن واحد، هي الخروج في اسرع ما يمكن من الوضع الشاذ الذي نحن فيه، والتأسيس لمستقبل مزدهر يعود فيه لبنان مصدر اشعاع وريادة بفضل قدرات ابنائه».
واضاف هناك حاجة لتوافر مقومات عديدة ابرزها: الاستقلال التام عن اي تدخلات اجنبية، وحماية الارض والسيادة الكاملة، واعادة الاعتبار للدولة ومؤسساتها والالتزام بالدستور وتحصين وثيقة الوفاق الوطني وتطبيقها بكامل مندرجاتها. واعداً ايضاً بالتعاون مع الجميع على اعادة وصل ما انقطع «مع محيطنا العربي ومع دول العالم الاخرى».
تحمل هذه الرؤية التي قدمها ازعور شعاعاً من الامل بإمكانية الخروج من النفق المظلم الذي نتخبط فيه منذ ان تغلبت الدويلة على الدولة. وهذا ما فتح الباب للفاسدين للتمكن من تغليب مصالحهم على المصلحة العامة، وبالتالي دفع البلد الى لجّة جهنم، والتي وعدنا بها الرئيس ميشال عون.
يضيف هذا الخطاب المليء بالأمل الى شخص ازعور بعداً سياسياً واصلاحياً، لم يتوفر لدى المرشحين الآخرين الذين جرى التداول بأسمائهم في الشهرين الاخيرين، فالرجل عبّر عن رؤية متقدمة وعن نيّة حسنة وواضحة باطلاق ورشة اعادة بناء الدولة، وبما يحقق احلام اللبنانيين. ولا نغالي اذا اعتبرنا ان ثقافة الرجل وتجربته العملية داخل لبنان كوزير للمالية، وخارج لبنان في اهم مؤسسة دولية مالية يعطيانه المقومات اللازمة لاستعادة الثقة بلبنان وبدولته من قبل الدول العربية ومن الدول الاخرى. ان ما يحتاجه لبنان بالفعل منذ انتهاء مؤتمر «سيدر» هو هذه الثقة المفقودة بمصداقية القيِّمين على حكمه.
لكن يبدو بأن هذه المقومات والقدرة على اعادة بناء قواعد الثقة مع المجتمعين العربي والدولي لا تروق لحزب الله، ولا يمكن ان يرتاح لرؤية صاحبها، وذلك لانها تتعارض كلياً مع مشروعه، للحفاظ على دولة ضعيفة لا تملك المقومات اللازمة للحفاظ على استقلالها وسيادتها.
انه لأمر واضح وطبيعي ان يسعى حزب الله وحلفاؤه في المشروع الايراني للهيمنة على لبنان وعلى عدة دول عربية لبذل اقصى جهودهم لتأجيل دورة الاقتراع الثانية، من اجل قطع الطريق على اي احتمال لالتفاف عدد من النواب المترددين حول ازعور. وتأمين الاكثرية اللازمة لانتخابه اي ما يزيد على 65 صوتاً، والتي بات من الممكن والمأمول به بعد بروز امكانية تغيير عدد من النواب «المترددين» لمواقفهم وخياراتهم، التي يلفها الغموض، الامر الذي يؤكده تصريح كل من النائبتين بولا يعقوبيان ونجاة صليبا بقرارهما للتصويت للمرشح ازعور. وسيكون من نتيجة هذا التبدل في المواقف اثارة المزيد من الهواجس لدى حزب الله وحلفائه، وبما يجيز التساؤل حول امكانية تعطيل الجلسة النيابية من خلال المقاطعة وبالتالي العمل على منع تأمين نصاب 86 نائباً، او من خلال افتعال حدث ما يضيع البلد امام مواجهة مخاطر حصول فتنة مذهبية. لا يمكن تصور ماهية مثل هذا الحدث بصورة استباقية، ولكنه سيجعل انتخاب ازعور قوياً.
نحن نعيش في ظل نظام مترهل وديمقراطية متعثرة بسبب ما اصابها من وهن يتخبط من خلال الممارسة القائمة على المتاريس الطائفية، وهذا بالتحديد ما سمح للثنائي الشيعي بمطالبة الآخرين بالخضوع لمشيئتهم، وتأييد مرشحهم سليمان فرنجية، وبالتالي تكرار ما فعلوه في الانتخابات الرئاسية السابقة، بإجبار الجميع على انتخاب مرشحهم ميشال عون.
في رأينا في ظل زمن التحولات الجديدة الجارية على مستوى المنطقة، يشعر حزب الله بإمكانية مواجهة ظروف محرجة وخطرة على سلاحه ومشروعه الاقليمي، اذا لم يأتِ رئيس للجمهورية يمكن ان يؤمن له جانبيه ومؤخرته. من خلال ايجاد صيغة قانونية، ومدعومة شعبياً من شرائح مختلفة من اللبنانيين، من هنا يمكن تفسير حرصه على التمسك بترشيح الوزير فرنجية، المتمترس منذ عقود في خياراته مع سوريا ومع محور الممانعة.
تفيد المعلومات المتوافرة والاصطفافات الراهنة لمختلف القوى السياسية بالاضافة الى المواقف الصلبة التي يعبّر عنها الثنائي الشيعي حول مسار الجلسة النيابية، بأنه لن يكون هناك رئيس منتخب في نهايتها، وبأن الامور تسير نحن منع حصول دورة اقتراع ثانية على الاقل، بل تأجيل عقد جلسة اخرى في المستقبل المنظور، مع ترجيح ظهور المزيد من التصلب في المواقف والخيارات ما بين الثنائي الشيعي والمعارضة، وبما يعطل كل امكانيات الحوار بحثاً عن مرشح تسوية، وبالتالي تعميق ازمة الحكم في لبنان.
اذا قُدِّر للبنان ان ينتخب رئيساً جديداً، وان يشكل حكومة فاعلة فلا بد ان يدرك من في السلطة اهمية اجراء تعديلات دستورية، وتعديلات في النظام الداخلي للمجلس النيابي، وبما يفتح الباب لاعتماد ضوابط تؤمن حدوث الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها، كوسيلة لاستمرارية وجود الدولة الفاعلة والسيّدة.