بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 تشرين الأول 2023 12:05ص حزب الله يدفع نحو حرب تريدها إسرائيل

حجم الخط
في الوقت الذي تتواصل فيه الحرب الجوية على غزة فإن الجبهة الشمالية لإسرائيل تبقى مفتوحة على احتمالات التصعيد المتدرج، وصولاً إلى مواجهة واسعة مع حزب الله، تغطي مختلف القطاعات، امتداداً من رأس الناقورة وصولاً إلى أعالي قمم جبل الشيخ. 
ان الاشتباكات المتواصلة يومياً منذ بدء الهجوم الجوي الاسرائيلي على غزة بين حزب الله والقوات الاسرائيلية عبر الخط الازرق أو في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ما زالت تخضع لضوابط قواعد الاشتباك، التي يُبدي الطرفان حرصاً على التقيد بها، منعاً للدخول في حرب واسعة، لكن هذا الحرص الذي يبديانه في منع التصعيد وتوسيع العمليات لتطاول العمق في لبنان واسرائيل لا يشكل ضمانة لعدم حدوث تطور مفاجئ، يفتح الباب امام الانتقال إلى حرب واسعة ومدمرة.
يبدو جلياً بأن الولايات المتحدة والدول الاوروبية الرئيسية تنصح وتحذر من مخاطر توسيع الحرب، وخصوصاً امتدادها إلى الجبهة اللبنانية، وهذا ما دفع القيادة الاميركية لارسال حاملتي طائرات مع كل السفن والغواصات الداعمة، كقوة ردع قادرة على الحؤول دون توسيع جبهات القتال، هذا عدا عن الاتصالات الديبلوماسية وعبر القنوات المتعددة لإسداء النصيحة لحزب الله ولإيران لعدم توسيع الحرب.
يمكن بالرغم من كل الحشد البحري الاميركي شرقي المتوسط والجهود الديبوماسية فإن مخاطر توسيع الحرب وتدمير لبنان لم تتبدد في ظل التصعيد الاسرائيلي في غزة، مع إمكانية امتداد الحرب هناك لفترة أربعة إلى ستة أشهر، ومع الخطط الاسرائيلية الداعية إلى شن هجوم بري واسع على غزة من أجل تدمير البيئة العسكرية لحماس، في هذا الوقت تستمر المخاوف العربية من إمكانية قيام اسرائيل بعملية تهجير كبرى للسكان باتجاه سيناء أو باتجاه الاردن، وهذا الامر سيفتح الباب أمام احتمال توسيع الحرب لتشمل أطرافاً عديدة في محور الممانعة، وعلى رأسها حزب الله، وبالتالي فتح الجبهة اللبنانية على مصراعيها، وتعريض لبنان لدمار ومخاطر سبق لي أن فصلتها في كتابي عن الاستراتيجية الاسرائيية لتدمير لبنان».
في آخر زيارة، قبل أيام معدودة لقيادة المنطقة الشمالية حذر رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو حزب الله من الانجرار للحرب، حيث توعده مع لبنان بدفع أثمان باهظة، لا يمكنه توقع حجمها.
في رأينا هذا التهديد الاسرائيلي للبنان لا يشكل قضية طارئة يمكن ربطها بالحرب الجارية في غزة، فالتهديد الفعلي قائم منذ نشوء دولة اسرائيل، وهذا ما يفسر الحروب التي شنتها اسرائيل ضد لبنان واحتلالها أجزاء من أراضيه لسنوات عديدة، ولا بدّ من التذكير والتوقف عند الحرب التي شنتها اسرائيل عام 2006، والتي هدفت من خلالها إلى تدمير حزب الله، تمهيداً لإجبار لبنان على الدخول في مفاوضات أمنية تخدم مصالح اسرائيل، وبالتالي فرض الشروط التي فشلت في تحقيقها من خلال اتفاقية 17 أيار، والتي جرى التفاوض عليها بعد الغزو الاسرائيي للبنان عام 1982.
لا يمكن من خلال معرفتنا للفكر السياسي الاسرائيلي المبني على نظرية تحقيق «الامن الاستراتيجي « لدولته على حساب أمن واستقرار الدول المجاورة من تجاهل إمكانية أن نعوّض اسرائيل عن فشل عمليتها البرية في غزة، والتي حددت هدفها الاساسية بتدمير حماس، (وهو هدف يمكن وصفه في خانة المستحيلات) بشن هجوم واسع على لبنان لتدمير الجزء الأكبر من ترسانة حزب الله العسكرية، وتدمير البنى الاساسية للدولة اللبنانية، وذلك انطلاقاً من اعتبارها بأن حزب الله بات يشكل جزءاً لا يتجزأ من الدولة اللبنانية. وتصنف اسرائيل لبنان في خانة الدولة الفاشلة، التي فقدت القدرة على الحفاظ على مقومات السيادة الوطنية، وبأن قرارتها باتت مرهونة بإرادة حزب الله، يسخرها وفقاً لمصالحه ومصالح الجمهورية الاسلامية في ايران.
تؤكد التصريحات الاسرائيلية الصادرة عن مختلف القيادات السياسية والعسكرية بأنها جاهزة لمواجهة حزب الله وبأنها قادرة على الاقتصاص منه ومن لبنان، وتزداد مؤشرات توسع المعركة الدائرة في غزة لتشمل لبنان وجبهات اخرى، من خلال المقال الذي نشرته صحيفة «واشنطن بوست» والذي تحدثت فيه عن خطة أميركية لإجلاء الرعايا الأميركيين عن المنطقة، وذلك على خلفية امكانية توسيع الحرب لتشمل على الاقل حزب والميليشيات التابعة لايران في العراق وسوريا والحوثيين في اليمن.
تنطلق السلطات الأميركية في تقييمها لإمكانية الانزلاق نحو حرب واسعة من قاعدة انه لا يمكن التحكُّم بمسار الحرب الجارية خصوصاً بعد انطلاق الهجوم البري الاسرائيلي في غزة، في حال فشل القوات الاسرائيلية في تحقيق هدفها في تدمير حماس فإن نتانياهو سيفتش عن وسيلة لحماية نفسه وحماية اليمين الاسرائيلي من خلال توسيع الحرب، وذلك بدءاً من الجبهة اللبنانية. فنحن أمام حرب تحتمل الانزلاق نحو أسوأ الخيارات، ومن هنا فإننا إذا كنا نعرف كيف بدأت فإنه من باب المستحيلات تصوّر كيف ستنتهي؟ ومتى ستنتهي؟.
هذه المخاطر تستدعي من الحكومة اللبنانية أن تتحرك وتبذل قصارى جهودها الديبلوماسية في الخارج من أجل لجم اسرائيل من اعتماد أسوأ الخيارات التي ستواجهها بعد الفشل في تحقيق هدفها الاساسي الذي أعلنته بعمليتها في غزة، والذي يتركز على تدمير حماس، والذي يبدو من المستحيل تحققه اليوم أو في المستقبل .
على المسؤولين في الدولة اللبنانية أن يدركوا أن كل المناقشات التي أجرتها القيادات الاسرائيلية حول استراتيجية الحرب ضد لبنان قد انتهت إلى ضرورة اعتماد استراتيجية غير مباشرة، بحيث تستهدف العمليات العسكرية البنى الاساسية للدولة اللبنانية، بدل استهداف حزب الله الذي سيلجأ بعد المعركة المحدودة التي يخوضها في القرى الجنوبية إلى الانتشار والاحتماء والتخفّي في المدن والمناطق الآهلة وسيكون من الصعب جداً على القوات الاسرائيلية  اقتفاء آثار مقاتليه وقواعده ضمن هذه المدن، في الوقت الذي يبدو فيه من السهل جداً التعرُّف على مجوعة واسعة من الاهداف والبنى الاساسية التي تملكها الدولة اللبنانية وأبرزها المطار والمرافئ ومحطات توليد الطاقة والجسور، والأبنية الاساسية الخاصة بالدولة.
من المؤكد ان اسرائيل، متى اندلعت الحرب مع لبنان، فإنها لن تعتمد سيناريو الرد المحدود في المواجهة، بل ستخوضها حرباً واسعة تستعمل فيها قدراتها الجوية والبرية والبحرية، وذلك على أمل انهائها، وتحقيق النتائج السياسية التي يريدها نتانياهو واليمين الاسرائيلي، إن كان لجهة انقاذ رأس نتانياهو أو لجهة تأمين استعادة اليمين لقاعدته الشعبية.
في النهاية لا بدّ من الاعتراف بأن لبنان بات على شفا حرب مدمرة مع اسرائيل ويدرك رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي مدى قصور مساعيه لاقناع حزب الله في ضبط أو وقف الاشتباكات الجارية على الحدود والتي ستؤدي حتماً في نهاية الامر للانزلاق إلى حرب واسعة تريدها اسرائيل، لذلك فإن خطورة الوضع تستدعي بذل كل ما يمكن من مساع ديبلوماسية باتجاه مجلس الامن ودول القرار الغربية ودعوتهم لبذل جهودهم لحماية لبنان من أخطار الحرب المدمرة.
في المرحلة الراهنة يبقى احتمال شن اسرائيل حرباً مدمرة، مع تنفيذ عملية برية واسعة تصل إلى خط الاولي – جزين – القرعون – راشيا الوادي.
ويبدو أن الخلل الحاصل في موازين القوى السياسية والعسكرية على المستوى الاقليمي والداخلي سيقرّب احتمالات اندلاع هذه الحرب.