بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 تشرين الثاني 2019 12:05ص حكومة أمر واقع لتحاشي الإنهيار

حجم الخط
لم يعد من الجائز القبول بالأعذار والتفسيرات التي يقدمها الرئيس ميشال عون أو دوائر القصر الجمهوري أو قيادة التيار الوطني الحر حول البدء بإجراء الاستشارات النيابية الملزمة من أجل تسمية رئيس جديد لتشكيل حكومة «عتيدة» تحل مكان حكومة سعد الحريري المستقيلة منذ 29 الشهر الفائت، في وقت تتعاظم فيه المخاطر على الوضعين الاقتصادي والمالي. والمؤسف إن رئيس الجمهورية وبعض القوى المتحالفة معه باتت تتصرف وكأن البلد بألف خير ولا يواجه أزمة ضاغطة باتت تهدد أبرز ركائز الاقتصاد اللبناني والمتمثلة بالقطاع المصرفي، والذي يحفظ للبنانيين كل ما جنوه في لبنان وفي الخارج. فالأخطار قد تعدّت الحدود المسموح بها وتجاوزت حدود الهواجس من حدوث اهتزازات مالية ونقدية وفوضى في تسعير كل السلع الضرورية أو شحّها في الأسواق، إلى مخاطر حقيقية باتت تقوّض بشكل يومي كل الركائز التجارية والصناعية بالإضافة إلى المكتسبات الاجتماعية الأساسية.

إذا كان من الممكن للمسؤولين التحجج بعدم فهم الرسائل الصادرة عن الإنتفاضة الشعبية العارمة والمستمرة منذ أربعة أسابيع، فإنه لا يمكنهم تجاهل مطالب البنك الدولي التي تقدم بها مديره الإقليمي «ساروج كومار جها» والتي حددها في اجتماعه مع رئيس الجمهورية بقوله «نحن بجاحة إلى حكومة ذات مصداقية، تلبي توقعات الشعب اللبناني، ويمكن أن تعمل مع جميع أصحاب المصلحة في البلاد والمجتمع الدولي، لأنه كل يوم يفقد لبنان ثقة المجتمع الدولي والشركات والمستثمرين». وبالرغم من هذا التحذير والذي يشكل إنذاراً للمسؤولين، وفي ظل ضجيج الإحتجاجات المستمرة منذ 27 يوماً، يبدو أن الرئيس مازال يراوح مكانه، في وقت يبقى فيه كل طرف في المعادلة السياسية متمسكاً بمكاسبه في السلطة.

لم تقتصر تحذيرات المجتمع الدولي على موقف المدير الإقليمي للبنك الدولي بل تعدته إلى المنسق الأممي في لبنان «يان كوبيش»، الذي دعا إلى الإسراع في تشكيل حكومة جديدة تضم شخصيات معروفة بالكفاءة والنزاهة تمنح الشعب اللبناني الثقة، وتملك القدرة على إقناع المجتمع الدولي والدول المانحة لتقديم المساعدات والقروض اللازمة لإنقاذ لبنان، وخصوصاً لجهة ضمان المدخرات الموجودة في المصارف، والتي باتت تواجه أوضاعاً حرجة.

لا بدّ أن يدرك المسؤولون اللبنانيون بأن الأزمة التي يواجهها البلد قد تعدّت كل أطر الأزمات السابقة. حيث أنها لا تقتصر على الإضطراب السياسي الحاصل في الشارع، والذي فجّرته المماحكات والأنانيات والاسترسال في الفساد واستباحة المال العام، بل هي أزمة ثقة بين السلطة والشعب، وهي تترافق مع حسّ جماعي تولّد لدى الجماهير بضرورة الإنقلاب هلى هذا الواقع الرديء الذي وصلت إليه البلاد نتيجة سوء سلوكية من هم قابعون في السلطة منذ ثلاثة عقود.

إذا كانت عادة «التذاكي» التي يتقنها اللبنانيون قد حالت دون تجاوب الرئيس عون مع التحذيرات التي أطلقتها الموفدان الدوليان، فإنه لا يمكنه تجاهل مفاعيل خفض التصنيف الإئتماني الصادر عن وكالة «موديز انفستر سرفيس» يوم الخميس الماضي والذي شمل ثلاثة بنوك كبرى في لبنان، وهو ما يعكس ضعف الجدارة الإئتمانية للدولة اللبنانية، والتي تؤشر إلى احتمالات لجوء الدولة إلى إعادة جدولة ديونها في ظل مخاطر التخلف عن سداد مستحقات سنداتها السيادية. ويأتي خفض التصنيف لبنوك عودة وبلوم وبيبلوس كنتيجة فعلية لإنكشافها الكبير على الدين السيادي اللبناني، والذي بات يشكل المصدر الحقيقي للمخاطر التي تواجهها.

لم تعد تقتصر المخاطر التي يواجهها لبنان على الإنكماش الاقتصادي الراهن، مع كل ما يترتب على ذلك من تساقطات سامة على الأوضاع الاجتماعية أو على النسبة العالية للعاطلين عن العمل، أو لضرورات مكافحة الفساد، بل باتت تتعدى كل ذلك إلى مخاطر انهيار النظام المصرفي وضياع مدخرات الناس. إذا حدث ذلك فستكون نتائجه كارثية، وقد يقود البلاد نحو حالة من الفوضى، يمكن أن تؤدي إلى حرب أهلية جديدة أو إلى حالة من التفكك السياسي والمجتمعي.

تستدعي كل هذه المخاطر والتهديدات الناتجة عن تردي الأوضاع المالية والاقتصادية، وأهمها خطر انهيار النظام النقدي والمصرفي، بالإضافة إلى تنامي روح الثورة في الشارع، أن يحزم رئيس الجمهورية أمره، ويبدأ استشاراته النيابية ليصير إلى تسمية رئيس للحكومة، على أن يجري التوافق بين الرئيسين على تشكيل حكومة اختصاصيين من ذوي الخبرات العالية، والتقدم بها لطلب ثقة المجلس النيابي، مع طلب سلطات استثنائية لها، وذلك كخطوة أولى ترضي الشارع، على أن تبدأ هذه الحكومة مسيرة الإصلاح اللازم، بدءاً من إستعادة ثقة الناس بالدولة.

ليعلم الرئيس عون أن جميع اللبنانيين باتوا بانتظاره لاتخاذ خطوة حاسمة، على طريق انقاذ البلد، وبات من الضروري والملح أن يتخذها من خلال تشكيل الحكومة مع رئيس حكومة يختاره، وليتحمل المجلس النيابي بكامل مكوناته السياسية مسؤوليته التاريخية برفضها واسقطاعها أو إعطائها الثقة.

وليدرك الجميع بأن زمن المحاصصات الذي ساد تحت شعار الديمقراطية التوافقية قد ولّى إلى غير رجعة، فالشعب قد أفاق من سباته وبات جاهزاً ليأخذ أموره بيديه. وإن على الرئيس عون أن يتعظ ويستعجل تشكيل حكومة تضع البلاد على طريق الحكم الرشيد.