بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 أيلول 2020 07:31ص حكومة تحقق رؤية رياض الصلح

حجم الخط
بالرغم من الشكوك التي تولّدها حالة الصمت السائدة على مسار تشكيل الحكومة العتيدة، وبالرغم من تبادل تسريبات إعلامية حول بعض الشروط التعجيزية التي تضعها بعض القوى السياسية لتسهيل مهمة الرئيس المكلف مصطفى أديب، يبقى الأمل معلقاً على متابعة دوائر قصر الاليزيه لعملية التشكيل، وعلى اجراء الاتصالات اللازمة بالقوى السياسية المعرقلة من أجل بلوغ التشكيلة برّ الأمان.

ما زلنا في بداية الأسبوع الثاني لفترة الأسبوعية التي جرى تحديدها لتشكيل حكومة الكفاءات المصغرة التي تحدثت عنها الأوساط المقربة من الرئيس المكلف، والكل ينتظر أن تفتح الأيام القليلة المقبلة أبواب قصر بعبدا للبحث جدياً في تشكيلة لحكومة الإنقاذية قادرة على انتشال البلد من الانهيار، وخطر الزوال الذي عبّر عنه وزير الخارجية الفرنسي  جان ايف لودريان أثناء زيارته الأخيرة لبيروت.

لا بدّ في هذا السياق من توقع أن تمارس القوى السياسية الضغوط على الرئيس أديب لاقناعه بعدم ركوب «المغامرة» في محاولاته لتجاوز مصالحها في الاحتفاظ ببعض الحقائب الوزارية المهمة، والتي باتت تعتبرها كإحدى ركائز الميثاقية التي يجب ان تتمتع بها الحكومة. يدعونا لهذا الكلام التسريبات التي تتحدث عن احتفاظ  الطائفة الشيعية بوزارة المال لمنظمة أمل، ووزارة الصحة لحزب الله، وبما يعني الحد من حرية الرئيس المكلف في وضع تشكيلة حكومية خارج أطر المحاصصات السياسية والطائفية، والتي اعتمدت في كل حكومات العهد السابقة، والتي شكلت فعلياً الأسباب المباشرة لفشلها جميعاً في تنفيذ أية وعود اصلاحية ضمنتها لبيانها الوزاري.

تدعو الحكمة والواقعية  السياسية ان يتنبه الرئيس أديب من الوقوع في  شرائك وافخاخ هذه الطبقة السياسية التي استعملت الطائفية والزبائنية من أجل تحقيق مكاسبها الخاصة على حساب مصلحة الشعب والوطن، ولا  بدّ ان يدرك الرئيس أديب أهمية أن يتمسك بمجموعة من عناصر القوة التي فتحت الباب لتسميته كرئيس للحكومة من خارج  المجتمع السياسي التقليدي، ومن خارج الذهنية السياسية المسيطرة على البلد منذ عام 1995، ومن خارج  الإرث الطائفي والاقطاعي القائم منذ بداية الاستقلال، ومن خارج شبكة المصالح المتبادلة القائمة بين الطبقة السياسية و«كارتلات» المصالح و«مافيات» المال التي تسيطر بشكل متواصل على الدولة منذ بداية عهد المتصرفية إلى اليوم.

من المتوقع والمطلوب بقوة من الرئيس أديب أن يعي أهمية الظروف التي كانت وراء تسميته لتشكيل الحكومة العتيدة، وذلك انطلاقاً من عملية السقوط المدوّي لحكومة حسان دياب، كنتيجة طبيعية للنكبة التي أصابت لبنان بسبب فساد السلطة وتلكؤ المسؤولين في تحمل مسؤولياتهم في حماية بيروت وأهلها. نعم ان الظروف التي جاءت بالرئيس أديب هي مختلفة كلياً عن تلك التي رافقت اختيار الرئيس دياب، حيث يمكن القول بأن الرئيس أديب قد جاء نتيجة مجموعة عوامل أبرزها:

أولاً، الصدمة الكبرى، على المستويين الداخلي والدولي، التي تسبب بها انفجار مرفأ بيروت وما خلفه من نتائج كارثية، والتي دفعت الرئيس الفرنسي للتدخل، واضعاً ثقل فرنسا وعلاقاتها الدولية، من أجل  إخراج لبنان من المأزق الذي يواجهه.

ثانياً:اقتناع سياسي وشعبي عام بعدم قدرة الطبقة السياسية الراهنة على تشكيل حكومة جديدة قادرة على اعتماد برنامج إصلاحي للنهوض وخصوصاً بعد فشل العهد وحزب الله وحلفائه في مسعاهم للتفرد بالسلطة من خلال حكومة حسان دياب، والتي أثبتت عجزها وفشلها في القيام بأية عملية إصلاحية جزئية.

ثالثاً: توافق سني عام على ضرورة البحث عن طريقة لكسر العملية التقليدية في اختيار رئيس جديد للحكومة، وذلك في محاولة لكسر سلسلة المصالح التقليدية التي باتت تطوق وتشل عمل الحكومات المتتالية، وذلك في ظل حجج واهية كالتمسك بالديمقراطية التوافقية، وبميثاقية الحكومة، والتوازنات الطائفية، وما يفرضه ذلك من وجود توقيع شيعي ثالث على كل المراسيم والقرارات العامة، هذا بالاضافة إلى تكبيل كل الحكومات واجبارها على قبول ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة في بياناتها الوزارية، مع تفلّت فاضح لحزب الله من الالتزام بالحد الأدنى لسياسة «النأي بالنفس» عن التدخل في الصراعات الإقليمية.

رابعاً:يمكن للرئيس أديب ان يستفيد من دعم دولي وعربي لفك الحصار والعزلة المفروضة على لبنان،  حيث وعد الرئيس الفرنسي بالدعوة لمؤتمر دولي لمساعدة لبنان مالياً للنهوض المالي والاقتصادي.  ويترافق هذا الوعد مع صدور تهديدات بفرض عقوبات  دولية ضد بعض القوى السياسية اللبنانية، إذا عرقلت مهمة الرئيس المكلف في تشكيل الحكومة الإصلاحية المنشودة - ومن هنا تبرز أهمية إدراك رئيس الحكومة لعناصر القوة الموضوعة من المجتمع الدولي لمساعدته على رفض كل عمليات المساومة والابتزاز السياسي التي يمكن ان تلجأ إليها بعض القوى السياسية.

يؤمل ان يستفيد الرئيس أديب في مسعاه لتشكيل حكومة قادرة على تحقيق برنامج إصلاحي شامل للنهوض بلبنان من عناصر القوة المؤمنة له داخلياً ودولياً، والتي لم تتوافر بهذا الشكل الواضح والصريح لأي رئيس حكومة في السابق، ولا بدّ في هذا السياق ان نذكره بضرورة العمل على تحقيق السيادة الوطنية الكاملة، وبما يسمح للبنان للتصرف بمقدراته كما يشاء وكما تقتضي مصلحته الوطنية دون سواها.

ولا بدّ من ان يُدرك رئيس الحكومة أهمية معالجة الطائفية والقضاء على مساوئها، ومن أبرزها التسلّح بحقوق الطوائف لتقاسم الدولة وتعميم آفة الفساد، وبعد ان سممت ايضا روح العلاقات بين الجماعات الروحية المتعددة. كانت الطائفية أداة لكفالة المنافع الخاصة وإضعاف مشاعرالولاء للوطن.

في النهاية نتمنى ان تتشكل الحكومة، ومن الكفاءات التي يريدها رئيسها وأن يكون شعارها ما ضمنه الرئيس رياض الصلح للبيان الوزاري لحكومته الأولى للاستقلال بقوله «الساعة التي يمكن فيها إلغاء الطائفية هي ساعة يقظة وطنية شاملة ومباركة في تاريخ لبنان» وأن تسعى الحكومة «لكي تكون هذه الساعة قريبة باذن الله».

من هنا تبرز أهمية إدراك رئيس الحكومة لعناصر الدعم والقوة التي يمتلكها، وأن يتحلى بالتالي بالشجاعة والجرأة والاقدام في مواجهة القوى السياسية المعرقلة لتشكيل الحكومة العتيدة، الساعية لخلاص لبنان وإخراجه من الأزمات المتراكمة التي يتخبّط فيها منذ سنين.