بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 أيلول 2023 12:03ص حلول اقتصادية مرحلية

حجم الخط
مشاكل لبنان كثيرة ومعقدة.  هنالك محاولات داخلية وجهود خارجية مخلصة تبذل اليوم على كل المستويات لوضع حلول مناسبة لأزمتنا المتشعبة، لكنها تبقى دون حجم المشكلة وعمقها. الجهود الحالية ربما تكفي لتقطيع بعض الوقت أي مؤقتة لوقف الخسائر الاقتصادية وثم لاحقا تبذل جهود أكبر لوضع حلول ترتكز على مبادئ أوضح وتدوم طويلا.  التحديات التي تواجهنا كبيرة وللأسف نتفرج عليها كمواطنين ومسؤولين مع علمنا أنها تضر بنا وبمستقبلنا.  المؤسف أننا نعتقد كمجتمع أن العالم مهتم بايجاد حلول لمشاكلنا، منها عجزنا عن انتخاب رئيس كل فترة.
هنالك من يوهمنا بأن موضوع لبنان هو أولوية في المحادثات أو الاجتماعات الدولية، وهذا ليس صحيحا كما يتبين لنا لاحقا من النتائج والوقائع.  يجب أن نفهم كلبنانيين أننا وحدنا مسؤولين عن مشاكلنا والحل بيدنا وفيما يخص انتخاب رئيس للجمهورية، الحل هو بيد 128 شخصا يجب أن يحسموا الأمر كما هو مطلوب ومنتظر منهم.  أهم من ذلك، أن عدم قدرتنا على انتخاب رئيس للجمهورية كل فترة وعدم قدرتنا على الاتفاق على أمور عديدة أخرى لا تعود الى محتوى الدستور أو الى بنود «الطائف» بل المشكلة أعمق وتعود الينا كلبنانيين لأننا غير متفقين على مواضيع كبيرة ولا يوجد أي نص حاليا يمكن أن يحل المشكلة.  هنا تكمن الصعوبة والحل لا يمكن أن يأتي الا عبر الحوار على كل شيء، ومن ثم ايجاد الايطار السياسي المؤسساتي القانوني لتحديد العلاقات الديموقراطية الداخلية.
من مشاكلنا اللبنانية التي تنعكس على الاقتصاد هو عدم وجود رأي عام يحاسب.  هنالك أحزاب تضم أعددا كبيرة من المواطنين الذين لا يحاسبون رئيس الحزب بل يخضعون له في كل شيء.  هذه ليست ديموقراطية بالمعنى الصحيح للكلمة، بل هذا تزلم أو تزلف أو خضوع لمشيئة القائد وهذا لا يبني أوطانا. مشكلتنا السياسية اليوم لا تعود اذا الى أي نص مكتوب بل الى أمور خلافية أعمق بكثير ولا يجري الحوار حولها لتأسيس لبنان جديد بمواصفات أخرى مختلفة.  ضمن هذا الايطار، ما هي الأمور التي يمكننا حلها أو محاولة حلها على المدى القصير؟
أولا:  هنالك أزمة ثقة بين اللبناني والمسؤولين السياسيين كافة.  لا يمكن بناء اقتصاد من دون ثقة بين كافة أطراف المجتمع أي بين المواطن والقطاع العام كما ضمن كل من القطاعين العام والخاص.  عدم وجود ثقة هو حاجز في وجه الاستثمارات أي حاجز في وجه المستقبل ودافع للبنانيين الشابات والشباب للمغادرة والعمل وثم ربما الهجرة.  من يهتم اليوم في لبنان باعادة بناء الثقة بين المواطن وحكومته، بين المواطن ومجلسه النيابي، بين المواطن والادارة العامة؟  للأسف لا أحد وبالتالي المواطن ضائع وقلق بل لا يتضح له الأفق المستقبلي العملي والمتوقع.  اللبنانيون يرون فقط ما هو ممكن على المدى القصير.
ثانيا:  لم تعد مشكلة لبنان اليوم مشكلة سعر صرف أي الدولار تجاه الليرة. معظم الأجور والايرادات تدولرت كليا أو جزئيا، وبالتالي الطلب على الليرة لن يكون كبيرا. معظم الايرادات العامة والخاصة تدولرت أيضا، وبالتالي لا تكمن المشكلة في سعر الصرف وانما في عدم توازن الايرادات المدولرة مع الانفاق المدولر.  حتى اللبناني اليوم الذي يتقاضى أجره بالدولار لا يستطيع العيش براحة مع الأقساط المدرسية والجامعية الجديدة كما مع أقساط التأمين الحالية. لا ننكر أبدا أن اللبناني سيتعذب لتسديد فاتورة الكهرباء والاتصالات وغيرها من الحاجات الأساسية لأي مواطن.  اذا المشكلة اليوم ليست في سعر الصرف الذي سيستقر بل في عدم تناسب الدخل المدولر مع الانفاق المدولر مما يعني أن الوضع سيزيد صعوبة على اللبناني العادي مع تفاقم الفساد وعدم جدية محاربته ليس فقط في مصرف لبنان وانما أيضا في كل فروع القطاعين العام والخاص.
ثالثا: خطوة اعلان موازنة 2024 جيدة لكنها حتما غير كافية اذ لا بد وأن نشك في أرقام الانفاق اذ تعودنا دائما على تفوق الانفاق الحقيقي على الانفاق المتوقع، وهذا يرفع العجز والدين العام.  أما الايرادات وفي ظل اضراب موظفي الادارة العامة، لن تستطيع الحكومة تحصيلها وبالتالي سيكون العجز أكبر بكثير مما يتوقعه البعض.  لذا المطلوب حل مشكلة الاضراب العام عبر المفاوضات بين الحكومة والموظفين كي يعودوا الى العمل لأن لا جباية ولا ايرادات من دونه.
رابعا:  لا بد من البدء بمعالجة المواضيع المالية المصرفية والنقدية.  أهم شيء اليوم هو التفكير بكيفية اعادة كل الودائع الى أصحابها.  اعادة ال 92 مليار دولار واجب ولا يمكن التهرب منه والا ينتهي لبنان الاقتصادي لعقود وربما قرون قادمة.  لا يمكن التهرب من اعادة كل الودائع كبيرة أم صغيرة الى أصحابها.  لذا يجب التركيز على الاصلاح المصرفي لأن لا اقتصاد معاصر من دون مصارف.  في النقد، حقا قرر مصرف لبنان عدم اقراض الحكومة لكن هذا لا يشكل حلا انما يخفف النزف الذي استمر لعقود.  هنالك ضرورة لتصحيح العلاقة بين الحكومة ومصرف لبنان كما بين المصرف والمجلس النيابي.
مشكلة لبنان ليست عادية وليست مشكلة انتخاب رئيس وما يتبع، بل أن المشكلة أكبر، وما هو معروض كحوار ليس هو الحوار الضروري المطلوب للمستقبل.  المعروض اليوم حوار آني ضيق يهدف فقط الى انتخاب رئيس، لكن هذا غير كاف ولن يؤدي الى حل المشكلة.  انتخاب رئيس هي خطوة أولى في الطريق الصحيح، لكن بناء لبنان الجديد سيبدأ معه ومع الآخرين للوصول الى آليات تسهل حياتنا كما حياة كل من يرغب بمساعدتنا عربيا ودوليا.  اللبناني يعي دقة الوضع لكنه يعرف أيضا أن الحلول صعبة حتى لا نقول ليست في متناول يده.