بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 أيلول 2019 12:04ص كشمير من مشكلة إلى حل !؟

حجم الخط
هل تبادر منظمة التعاون الاسلامي الى التدخل بين الهند والباكستان لتجنّب اشتباكهما في حرب جديدة حول قضية كشمير؟

منذ تقسيم الهند بعد استقلالها عن بريطانيا في عام 1947 الى دولتين، والصراع حول كشمير لم يتوقف. فقد نشبت بينهما ثلاثة حروب مدمرة، واستمرت المشكلة. وقد تقع حرب جديدة –لا سمح الله- من دون ان يعني ذلك التوصل الى حلّ بالقوة. بل من المرجح ان تزداد القضية تعقيداً في ضوء التجارب السابقة.

لقد تحولت الدولتان الى قوتين نوويتين، والصراع بينهما يزداد سخونة. حصلت كشمير على «حكم ذاتي» ولكنه انسحق تحت عجلات الصراع الهندي – الباكستاني. ادى هذا الصراع الى تدهور مستمر في العلاقات الثنائية، ليس سياسياً فقط، ولكن اقتصاديا واجتماعياً أيضاً. وانعكس سلباً ايضاً على أوضاع المسلمين في الهند الذين يبلغ عددهم حوالى 200 مليون انسان. وتزداد خطورة هذا الأمر في ضوء تمكن الحزب الهندوسي (بهاراتيا جاناتا) الذي يتزعّمه الرئيس مودي من الفوز بالسلطة لدورة ثانية وبأكثرية مطلقة في الانتخابات النيابية الأخيرة. وهذا يعني ان «الهندوسية السياسية» في تصاعد واستقواء ؛ وانه لا مصلحة لا لباكستان ولا لكشمير في تجاهل الواقع الجديد.

من هنا فان مبادرة توفيقية تقوم بها منظمة التعاون الاسلامي قد تؤدي في حال نجاحها الى ما هو أكثر من تجنيب الهند والباكستان الوقوع في مأزق حرب جديدة، ولكنها يمكن ان توقف الاندفاعة الهندية نحو اسرائيل والتي انطلقت اساساً كردّ فعل على الموقف العربي من الصراع الهندي – الباكستاني.

ثم ان نجاح التسوية في كشمير يحرر الدولتين التوأم من أعباء الاستعداد العبثي الدائم للحرب، ويطوي صفحة الصدام والاستعداء التي سممت العلاقات بين الهندوس والمسلمين، ويوفر لكشمير فرصة لالتقاط الانفاس والدخول في عالم القرن الواحد والعشرين.

لقد حاولت الولايات المتحدة مراراً التوسط لتسوية القضية الكشميرية انطلاقاً من الاعتراف بقرارات الأمم المتحدة التي تعطي الشعب الكشميري حقوقاً في تقرير مصيره. ولكن بعد أن قرر الرئيس السابق جورج بوش الابن الحرب على الارهاب، وعندما ربط بين الارهاب والاسلام، ضمّ المقاومة الكشميرية الى لائحة المنظمات الارهابية، ونقل «بندقية» التضامن من «كتف» الباكستان الى «كتف» الهند، في عملية انقلابية على دبلوماسية أميركية استمرت حوالي أربعة عقود.

وقد تمثل هذا الانقلاب في اتفاقية التعاون النووي التي عقدتها واشنطن مع دلهي، علماً بأن الهند ليست عضواً في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (شأنها في ذلك شأن الباكستان).

حصلت كشمير على اسمها من الشعوب الاولى التي سكنتها وهم قبائل الكاسا والناغا (الثعبان). وتقول الاساطير انها كانت بحيرة قام بتجفيفها بمعجزة المعلم كاسيا ابن ماريشي ابن براهما.

وتروي اربعة كتب سنسكريتية الحقب التاريخية لكشمير، فكتاب  «راجاتارينجي» يروي الحقبة الاولى حتى عام 1006، وفي كتاب «جواناراجا» تفاصيل واسعة عن الحكم الاسلامي حتى عهد زين العابدين في عام 1420، كما انه يتضمن وقائع عن محاولات الملك الهندي اشوكا تحويل كشمير الى البوذية دون جدوى. وقد استمر الحكم الهندوسي فيها حتى عام 1346 عندما اُعدِم حاكمها «اودجاناديغا» على يد اميرشاه، اما كتاب «سريغارا» فيروي تفاصيل الحكم الاسلامي حتى فتح شاه في عام 1489، ويروي كتاب «راجانا ليباتاكا» مرحلة العهد المغولي الاسلامي حتى عهد الامبراطور اكبر في عام 1586. ومن خلال ذلك يبرز السلطان الاسكندر على انه احد ابرز الحكام المسلمين في كشمير. فقد لقب «بوطشيكان»، وهي كلمة سنسكريتية تعني محطم الأصنام، وذلك بسبب تدميره المعابد الوثنية. وفي عهده غزا تيمور الهند فخضع له الاسكندر، ومنذ ذلك الوقت 1586 انتقلت كشمير الى يد المغول.

بعد ذلك سيطر عليها الافغان، ثم سيطر عليها السيخ في عهد الملك رانجي سينغ في عام 1819. وتوالى عليها ثمانية حكام سيخ وهندوس وحاكمان مسلمان، كان ثانيهما الشيخ امام الدين الذي حدثت في عهده حرب السيخ الاولى في عام 1846 مما مكّن بريطانيا من التغلغل في المنطقة تحت مظلة مساعدة احد  طرفي الصراع - (المهراجا دوليب سينغ) في معركة سوبراون في شباط - فبراير 1846. ?وبانتصار دوليب وقعت معاهدة لاهور في آذار - مارس 1846 التي حصلت بريطانيا بموجبها على مساحة من الارض ومبلغ من المال يقدر في حينه بمليون ونصف المليون جنيه مقابل مساعداتها. ولكن المهراجا لم يستطع ان يدفع المال فقايض الحكومة البريطانية على استبدال المال بالمرتفعات الجبلية المجاورة للأرض التي حصلت عليها بما فيها كشمير. وهكذا اصبحت هذه المنطقة تابعة للتاج البريطاني.. الى ان باعتها بريطانيا بنصف مليون جنيه فقط في عام 1846 الى المهراجا الهندوسي «راج بوت».

استمر هذا الوضع حتى آب - اغسطس 1947 عندما استقلت شبه القارة الهندية عن بريطانيا وعندها وقع الانقسام الاسلامي - الهندوسي ممثلاً بقيام دولتي باكستان والهند. وظلت كشمير موضع صراع بينهما. وقد حدث اول اشتباك في تشرين اول - اكتوبر 1947 (اي بعد شهرين فقط من الانقسام) عندما دخلت الى كشمير من جهة اولى قبائل هندوسية من الشمال الغربي وصلت حتى العاصمة سرينغار، ودخلت من الجهة الثانية القوات العسكرية الهندية معززة بسلاح الطيران.

حدث التقسيم على اساس ان مناطق الاكثرية الاسلامية تتبع باكستان. ومناطق الاكثرية الهندوسية تتبع الهند. كانت كشمير اسلامية بأكثريتها الساحقة. فاستنادا الى احصاء بريطاني للسكان جرى في عام 1941، كان عدد المسلمين فيها 3 ملايين 73 الف و 540 نسمة. اما عدد الهندوس فبلغ 708 الاف و 459 نسمة فقط. اضافة الى 3 الاف 79 مسيحي، 29 الف 374 قبلي وثني 108 الاف و74 من عقائد بدائية مختلفة. بموجب ذلك كان يفترض ان تنضم كشمير تلقائيا الى الباكستان. غير ان حاكمها المهراجا الهندوسي ووريث المهراجا راج بوت الذي اشترى المقاطعة من بريطانيا عارض الانضمام الى باكستان. وعزّز هذا الرفض الطموح الشخصي لرئيس حكومتها المحلية في ذلك الوقت الشيخ محمد عبد الله ورئيس حزب المؤتمر الوطني الذي انضمّ الى المهراجا الهندوسي خلافا لارادة المواطنين المسلمين في طلب الانضمام الى الهند.

ادى ذلك الى وقوع اضطرابات دموية في الشوارع. فتراجع الشيخ عبد الله عن موقفه مما حمل  السلطات الهندية على اعتقاله . وفي السادس من كانون الثاني - يناير 1948 رفعت الهند المشكلة الى مجلس الامن الدولي بحجة ان الباكستان تحرّض على الفتنة والانقسام وانها تدعم القبائل التي تهاجم كشمير من الشمال الغربي. وفي العاشر منه اصدر مجلس الامن الدولي قرارا بوقف اطلاق النار دون ان يقدم حلا. فبادرت الهند الى ضمّ كشمير اليها بعد شهرين من الانفصال (الهندي الباكستاني ). ومراعاة للوضع الخاص في كشمير، تضمن الدستور الهندي في المادة 370 منه تعهداً بمنح كشمير حكما ذاتيا ولكن ذلك لم يتحقق.

في ضوء هذه الخلفية السياسية – الاثنية – الدينية، يمكن لمنظمة التعاون الاسلامي أن تتدخل كوسيط بين دولة اسلامية هي الباكستان، ودولة يوجد فيها 200 مليون مواطن مسلم هي الهند. ونجاح الوساطة رغم صعوبته يخدم مصالح العالم الاسلامي كله.. كما يخدم السلام العالمي.