بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 نيسان 2023 01:11ص مشكلة المناخ جدية

حجم الخط
الاهتمام العالمي بالمناخ يزداد ليس فقط نتيجة الوعي الثقافي لأهمية نظافة البيئة وتأثيرها المباشر على حياتنا، وانما للتغير السلبي الواضح في نوعية الحياة. نكتشف كل يوم أمراضا جديدة أو قديمة تتجدد بسبب سؤ النظافة أو الاهمال في الشوارع والصناعات الغذائية وحتى المنازل. ما نراه عالميا من انتشار للفئران مثلا في أهم المدن كباريس ونيويورك وغيرهما هو نتيجة للاهمال وعدم القيام باجراءات النظافة التي أصبحت مكلفة مع الحرب الأوكرانية التي رفعت أسعار كل الأدوية والأسمدة من زراعية وغيرها. المدهش أن معايير النظافة لم تدخل بعد كعنصر أساسي في التنافس الانتخابي في أعرق الدول. ما يهم المواطن أكثر هي الهجرة واللاجئين والتضخم وتوافر الغذاء وغيرها ويهمل شروط تطبيق النظافة التي لا تقل أهمية.
كلنا نتألم من اشتداد الحرارة وقلة المياه وازدياد مصائب الطبيعة وتلوث الهواء وغيرها من المؤشرات الخطيرة. نتألم عندما نسمع أن هنالك قادة عالميين لا يهتمون بالتردي المناخي دون تفسير منطقي أو علمي. ما قاله الرئيس الأميركي السابق ترامب كما الرئيس البرازيلي السابق بولسونارو مؤلم تجاه شعوب بلادهم قبل غيرهم، حيث تجاهلوا خطورة الموضوع خاصة على المدى البعيد. مع الرئيسين بايدن ولولا، نأمل أن تنفذ الاصلاحات والسياسات المناخية بسرعة ودون تأجيل لأي سبب مالي أو اداري. أما التوجه نحو تقسيم الاقتصاد العالمي أي التحرك الحاصل ضد العولمة، فيضر بالسياسات البيئية لأن أي مقاومة ناجحة للتلوث لا بد وأن تكون مشتركة بين جميع الدول والمؤسسات. تشرذم السياسات وتأجيل اتخاذ القرارات المشتركة وعدم تنفيذها سوية تضر كلها بالجميع.
قمم المناخ التي انعقدت مؤخرا كانت عموما ناجحة ليس فقط بسبب جمعها لأهم قادة العالم، بل لأنها أخذت قرارات وتوصيات شجاعة نأمل أن تنفذ ضمن البرنامج الذي وضعوه:
أولا: القرار الأهم الذي اتخذ في مصر مثلا كان تأسيس صندوق لمساعدة الدول الفقيرة أو للتعويض عن الأضرار لما يسمى «ضحايا المناخ» أي الدول النامية التي تتنشق التلوث المستورد. اتخذ قرار مساعدة الدول الفقيرة المتضررة صحيا وتنمويا واقتصاديا من التلوث الذي تسببه دول أخرى خاصة الصناعية الغنية. أخذ القرار الكثير من النقاش والتردد لكنه أقر في النهاية. ممثلو 24 دولة قادرة اجتمعوا ليضعوا الخطوات التنفيذية للصندوق أي الشكل وحجم الأموال والتوقيت ومن يساهم به ويقرر وكيف تكون آليات العمل وأين تصرف الأموال والبرنامج الزمني للتنفيذ الجغرافي والقطاعي وغيرها من الأمور العملية.
هل نفرح ونطمئن؟ طبعا لا نطمئن لأن بعض التجارب السابقة الأساسية غير مشجعة. ما قرر مثلا منذ عشر سنوات من دعم سنوي مهم للدول النامية لم ينفذ الا القليل منه. تأسيس صندوق فارغ لا جدوى منه لأن الكلام والتمنيات لم تعد تكفي. الجدية واضحة لكن التنفيذ ليس مؤكدا طبعا.
ثانيا: لم تعالج القمم عموما أسباب التردي المناخي والسخونة الأرضية وكيفية معالجة نوعية المصادر لتخفيف الاضافات السامة في الطبيعة. تمت دراسة النتائج وكيفية معالجتها دون دراسة، كما دون أخذ قرارات صارمة بشأن المسببين بالتلوث في الدول الغنية والفقيرة أيضا. اتفق على التنبه الى الارتفاع الحراري لأن الاهمال يؤدي حكما الى كوارث طبيعية على الانسان. هذا يتطلب أن تتخذ الدول المشاركة قرارات صعبة لتخفيف الانبعاث الفحمي الذي يلوث الحياة والصحة. المطلوب تخفيف هذا الانبعاث بنسبة 50% قبل 2030. هل هذا ممكن؟ طبعا اذا رغبت الدول الملوثة بذلك، واذا وضعت الموارد الكافية الضرورية للوصول اليه.
ثالثا: هنالك ضرورة للاستمرار في تنفيذ التحول في الطاقة من الملوثة الى النظيفة بكافة أقسامها وأشكالها. الجميع يعمل عليه لكن التنفيذ ما زال بطيئا ليس فقط لأسباب مالية بل أيضا لأن هنالك مصالح كبرى تحاول الاستمرار في الأوضاع الحالية التي تناسبها. تقول الدراسات أن العالم يحتاج سنويا الى ما بين 3 و 8 ألاف مليار دولار حتى سنة 2050 لتأمين الانتقال الهادئ الى الطاقة النظيفة. فهل الأموال موجودة في ظروف الحرب الأوكرانية والأوضاع الصحية والغذائية العالمية كما مع التضخم المخيف الذي يأكل معيشة الفقراء؟ هل من يتخذ هذه القرارات الكبرى واع للمخاطر وهل هو مستعد لمواجهة جبهة الملوثين القادرة سياسيا وماديا؟
رابعا: هنالك قناعة دولية بأن القطاع العام غير قادر على محاربة التلوث لأسباب عدة أهمها الفساد. لا بد من التعاون بين القطاعين العام والخاص لانجاح المهمة. يمكن للقطاع العام أن يضع الايطار القانوني وأن يسمح للقطاع الخاص بالتنفيذ تحت اشراف المؤسسات المتخصصة من محلية ودولية. لا يكفي التزام مؤسسات القطاع العام باحترام المعايير البيئية الدولية بل يجب على القطاع الخاص وخاصة الشركات الصناعية الكبرى أن تحترم هذه القرارات بدقة. يمكن للقطاع العام أن يؤثر كثيرا عبر شروط الاقراض. في فرنسا مثلا، أقرضت الحكومة شركتي «اير فرنس» و»رينو» أموالا ميسرة شرط الالتزام بتخفيف التلوث.
من أهم القوانين الجديدة المحاربة للتلوث هو قانون مكافحة التضخم الأميركيIRA الذي يسمح بانفاق 370 مليار دولار خلال عشر سنوات أو ما يعادل 0,1% من الناتج المحلي الاجمالي. بالرغم من أن النسبة قليلة، الا أن القيمة الأسمية كبيرة وتسمح بتحقيق العديد من الأهداف. ينفق هذا المبلغ على تطوير الطاقات النظيفة والعناية الصحية ويخفض الضرائب لغايات هادفة معينة. يصيب القانون التضخم لأنه يعزز العرض وبالتالي تتغير تدريجيا هيكلية الطلب. يعتبر القانون استثمارا في المستقبل أي في النظافة وصحة الانسان وطريقة عيشه. في كل حال لا يمكن لأي قوانين تحمي البيئة أن تنجح اذا لم يقتنع بها الموطنون. مهما فعلت الحكومات والشركات، ستفشل اذا لم يتعاون المواطن معها في احترام القوانين وتغيير السلوك.