بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 شباط 2024 12:03ص موازنات المستقبل مختلفة

حجم الخط
وافق المجلس النيابي على موازنة 2024 مع توازن رقمي محاسبي مدهش بسبب وضع العديد من الانفاق خارج الموازنة. في بلد كلبنان اليوم، لا يمكن لأي موازنة تعكس الوضع الحقيقي للاقتصاد الا أن تكون عاجزة، اذ أن الحاجة للانفاق كبيرة بينما القدرة على تحصيل ايرادات كافية ضئيلة. اذا أضفنا الى الموازنة خدمة الدين العام، فمن المؤكد أكثر أن الموازنة ستكون عاجزة. بالرغم من أن موازنة 2024 لا تعكس عمليا الواقع الحقيقي للاقتصاد اللبناني، الا أن الموافقة عليها من قبل المجلس النيابي كانت خطوة في الاتجاه الصحيح شرط أن تقوم الحكومات في المستقبل في تعديل وتصحيح الأرقام كي تصبح الموازنات أكثر واقعية.
موازنة غير مرضية أفضل من لا موازنة، أقله تساهم في وضع البلد من جديد على الطريق الصحيح. البدء من شيء ولو متواضع أفضل من الفراغ الذي لا يمكن الا أن يكون مضرا. التشاطر والشعبوية في رفض كل شيء بحجة منطقية أو من دونها لا يبني أوطانا بل هو موقف في غاية الأنانية الفارغة من المضمون. أما الموافقة ولو على مضدد لتسيير الأمور مع شرط التقدم مستقبلا هو في غاية المسؤولية والشعور الوطني الصحيح.
من الضروري أيضا ومن الرغبات بل المطالب الوطنية والنيابية الواضحة فهم الواقع الحسابي الماضي أي قطع الحساب حتى يبنى المستقبل على معلومات دقيقة وشاملة. في كل حال، الموازنة هي أرقام مستقبلية لسنة تبنى على الماضي وعلى التوقعات، وبالتالي يجب أن تصحح الأخطاء الماضية وتبني المستقبل اعتمادا على سياسات انفاق مدروسة كما على سياسات ضرائبية وايرادات عامة تعالج جزئيا الفجوة المتزايدة في الدخل والثروات بين اللبنانيين.
يحتاج النظام الضرائبي الى تعديلات دورية وهذا هو حال كل الدول. لن يتم ذلك قبل أن تستب الأمور السياسية. أهم من ذلك هو التحصيل الضرائبي، اذ ماذا ينفع التعديل اذا لم تجب الضرائب والرسوم. لا يمكن أن يترك لبنان من دون انفاق استثماري، فكيف يمكن غض النظر عن أوضاع الطرق وكافة البنية التحتية؟ كفانا اضاعة للوقت والفرص عندما ينتقل العالم الى أجواء الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الفضائية والعملات الرقمية والمشفرة ونحن نتشاجر في لبنان حول كيفية سحب بعض دولاراتنا من المصارف وعلى أي سعر صرف ومتى وغيرها من الأمور البدائية التي رجعنا اليها.
مهم جدا أن تقرر الحكومات المستقبلية الغاء المجالس والمؤسسات التي لم نعد بحاجة اليها ليس فقط لتخفيف الانفاق وانما لتفعيل ما نحن بحاجة اليه. يحتاج لبنان الى ادارة فاعلة تقرر الأفضل للبنانيين وبأدنى تكلفة ممكنة. المطلوب ترشيد الانفاق في كل أبواب الموازنة شرط الوصول الى الأوضاع التي تحمي الأمن الاجتماعي وتقوي الاستقرار.
في وضع لبنان الحالي أي الفراغات المختلفة والشلل الواضح في العمل، لا يمكن وضع موازنات صحيحة واقعية اذ أن الحد الأدنى من ركائز الدول غير موجود حاليا. العودة الى زمن الموازنات الصحيحة يتطلب عودة الاستقرار السياسي والأمني كي يعود النمو الى الاقتصاد. عندما يحصل النمو لفترات طويلة متواصلة، تتحسن الايرادات تلقائيا وبالتالي تتمكن عندها الحكومات من تمويل الانفاق الضروري في كل المجالات. نحتاج في لبنان الى تمويلين استثماري وجاري كافيين لكل القطاعات. نحتاج الى تمويل الأجور التي تسمح للموظفين بالعودة الكاملة الى العمل. الانفاق على البنيتين التحتية والفوقية هو انفاق على المستقبل أي مستقبل الأجيال القادمة. لا شك أن على لبنان أن يعود الى نادي الدول التي يرغب المجتمعين الداخلي والخارجي في اقراضها لأننا نحتاج الى بعض الاقتراض لتعجيل عملية البناء. فخطأ عدم تسديد السندات سابقا ما زال يلاحقنا ولا بد من تصحيح هذا الوضع مستقبلا.
هنالك أمور لا بد من معالجتها بعد أن يملأ الفراغ السياسي وهو اعطاء الفرصة للمؤسسات النقدية والقضائية والادارية للعب دور كبير. يجب أن يتحقق هذا الهدف بالتزامن مع محاربة الفساد الذي امتد مؤخرا الى كل جوانب الدولة في القطاعين العام والخاص. نحن مقتنعون بأنه لا يمكن القضاء في لبنان على الفساد لأنه أصبح شطارة وثقافة، الا أنه من الممكن تخفيفه بنسب محترمة حتى تعود الثقة داخل المجتمع. لن تتحقق الاصلاحات المنتظرة أهمها المالية والمصرفية والادارية قبل أن تبدأ الحكومات بمحاربة الفساد المرتبطة بعودة هيبتها في الميادين الاجتماعية والسياسية والادارية.
ان توقيع الاتفاق مع صندوق النقد وعودة الحرارة الى العلاقات مع كل الدول العربية سيسمح لنا بلعب دور أكبر ايجابي لمصلحة المنطقة. لبنان الصغير جغرافيا لا يمكن أن ينهض وينمو الا في أجواء سلم حيث تتفجر عندها الطاقات الانسانية الموجودة لمصلحتنا ولمصلحة المنطقة. ترك اللبناني مكشوف صحيا وتعليميا واجتماعيا غير مقبول حاضرا ومستقبلا وبالتالي يجب الاهتمام بالأمن الاجتماعي الى أقصى الحدود.
في السنوات القليلة الماضية تحول الاقتصاد اللبناني من متطور ايجابي ينضج مع الوقت الى آخر متأخر يتكل على النقد للتبادل. الأزمة المصرفية وحجز الودائع ضربا ثقة المواطن والشركة في المصارف، وبالتالي أصبح الاتكال على النقد للتبادل اتجاها مفهوما لكنه لا يبني للمستقبل. حتى يستطيع الاقتصاد اللبناني النهوض علينا جميعا بذل كل الجهود لاعادة الثقة الى المصارف التي يجب أن تلعب دورها في خدمة الاقتصاد. الاقتصاد النقدي يشجع على العمليات غير الشرعية لأن التبادل لا يسجل وبالتالي تحصل عمليات خارجة عن القانون ومضرة بالبلد. من ناحية الموازنة كيف يمكن تحصيل الضرائب والرسوم في اقتصاد نقدي شرعي أو غير شرعي؟ مستحيل، من هنا وضع موازنات مستقبلية تعكس الواقع وتبني للمستقبل يجب أن يبنى على اقتصاد مؤسسات يسمح بتطبيق سياسات اقتصادية واضحة تقضي على الفساد وتطور الاقتصاد.