بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 أيار 2023 12:36ص هندسة أمنية إقليمية جديدة هل ينتهي التطبيع مع سوريا بخيبة أمل؟

حجم الخط
اثمرت مؤخراً الجهود السياسية والديبلوماسية التي بذلها قادة دول دولة الامارات وعمان والاردن للانفتاح على سوريا بهدف اعادتها الى الحضن العربي عن نجاح لافت جداً، بعد تلقي الرئيس الاسد دعوة لحضور القمة العربية التي ستعقد في جدة يوم الجمعة المقبل، كما تشير المعلومات بأن الرئيس الاسد عازم على حضورها شخصياً.
وهكذا نحن امام مشهد جديد، استعادت فيه سوريا مقعدها ودورها كعضو فاعل في جامعة الدول العربية بعد غياب «قسري» دام 12 عاماً، وذلك على اثر قرار عربي على خلفية استعمال النظام للعنف المفرط ضد المتظاهرين من ابناء شعبه.
تعود سوريا الى الجامعة العربية تحت شعار بأن التطبيع معها قد يؤدي الى دفعها الى تغيير سلوكياتها تجاه شعبها وتجاه الدول المجاورة لها، بعدما فشل نظام المقاطعة والعقوبات في تغيير سلوكيات السلطة تجاه شعبها، ورفضها شبه الكامل للدخول في اية مفاوضات لتحقيق الاصلاحات المطلوبة بموجب القرار الدولي 2254.
يبدو جلياً بأنه ما زال من المبكّر جداً الحديث او احتساب النتائج التي يمكن يجنيها النظام السوري او تلك التي ستحققها الدول العربية من قرار التطبيع او حضور الاسد القمة العربية المقبلة، فالحديث عن نتائج العودة الى الحضن العربي هو سابق لأوانه، وفي ظل حالة غموض النتائج فإنه لا يمكن الحكم على مدى واقعية القرار السياسي الكبير الذي اتخذه وزراء الخارجية في القاهرة.
في رأينا اتخذت الدول العربية القرار باعادة سوريا الى الجامعة العربية انطلاقاً من قناعتها بأن قرار العزل والعقوبات لم يجد نفعاً، وبأنه ضار للشعب السوري وبجيران سوريا، وصولاً الى دول الخليج، وذلك على خلفية الوجود السوري الكثيف للنازحين في دول الجوار، وصناعة وتوريد المخدرات التي تقدّر بعشرة مليارات دولار الى الدول العربية واوروبا. في ظل هذه الوقائع على الارض، وفي ظل عدم القدرة على ازاحة الاسد عن موقعه في ظل الدعم الروسي والايراني غير المحدود، كان لا بد من مقاربة جديدة، قضت بإعادة الانفتاح على الاسد، وتطبيع العلاقات من جديد، على أمل تخفيف الاضرار الراهنة التى على الدول العربية، وخصوصاً البلدان التي تستضيف النازحين.
يأتي قرار التطبيع مع سوريا ودعوة الاسد الى القمة العربية على خلفية البحث عن رؤية وهندسة امنية جديدة لضبط وتخفيف نتائج الازمات الكبرى التي تعصف في منطقة الشرق الاوسط، وسيكون لهذه العودة اثارها في عملية ضبط الديناميات في النزاعات الراهنة في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، وفي رأب الصدع المزمن في العلاقات المصرية - التركية، والمصرية - الايرانية، وستكون لها ايضاً ايجابياتها على مسار تطوّر العلاقات السعودية - الايرانية، تطبيقاً لمندرجات الاتفاق الذي رعته الصين. ويذهب بعض المحللين الى توقع ان يكون لقرار التطبيع مع نظام الاسد اثاره على اتفاقات ابراهام بين دول الامارات والبحرين ودولة اسرائيل، وبما يؤدي الى خفض مستوى التوترات والعمليات العسكرية الاسرائيلية سواء في الاراضي الفلسطينية وقطاع غزة او في داخل سوريا.
يبدو ان القادة الاقليميين في ظل التطورات الراهنة قد قرروا اعتماد الواقعية السياسية والحكمة في العلاقات بين بلدانهم، وذلك يؤشر الى تخليهم عن الانقسامات التي سيطرت لعقود مراعاة لمصالحهم الخاصة الضيقة، وانطلاقاً من الحسابات الطائفية والمذهبية الضيقة، لكن يجب ان لا يدفعنا هذا التحوّل السريع في المواقف والعلاقات الى استنتاج بأن ذلك سيؤدي فعلاً الى «سلام دافئ» بين الدول العربية المتخاصة، او الى انهاء النزاعات والخصومات المستمرة بين الدول العربية وايران منذ عقود، والى ما قبل سقوط كم الشاه محم درضا بهلوي وقيام الجمهورية الاسلامية. وان ابرز المؤشرات على عدم امكانية تحقق مثل هذا التطور النوعي في العلاقات يتمثل بالغارة التي شنها الطيران الاردني على معمل للمخدرات في جنوب سوريا، في اليوم التالي لاجتماع وزراء الخارجية العربي واتخاذ قرار المصالحة مع نظام الاسد، بالاضافة الى ذلك لا يمكن تصوّر تخلي ايران عن كل استثماراتها في تنظيم الميليشيات المختلفة في عدة دول عربية، وفي مقدمتها حزب الله، او القبول بتخفيف مستوى ولجهة الخطاب السياسي الايراني ضد اسرائيل.
اذا صدقت التوقعات بنية ايران على الاحتفاظ بأذرعتها المسلحة عبر الميليشيات التي نظمتها وسلحتها، فإن ذلك قد يدفعها الى اعتبار اسرائيل وأمنها المباشر والاستراتيجي قد تراجع، واصبح اكثر هشاشة، ويمكن بالتالي رفع مستوى التهديد ضدها وإجبارها على التجاوب مع مطالب حلفاء ايران في لبنان وفي غزة.
في رأينا لا يمكن فصل الهندسة الامنية الجديدة الناتجة عن الاتفاق السعودي - الايراني وعن عملية التطبيع مع نظام بشار الاسد عن الواقع في الجيوبوليتيك الاقليمية، والمتأثر جداً بتراجع الوجود الاميركي ودور اميركا العام في منطقة الشرق الاوسط، والذي سيدفع حتماً الى تطلع الدول العربية وترحيبها بوجود نظام دولي - اقليمي متعدد الاطراف كبديل لوحدانية الدور الاميركي. ولا بد هنا من الاشارة الى جهوزية الصين للعب دور الشريك والمنافس الاساسي للدور الاميركي، حتى في حال قررت ادارة الرئيس جو بايدن التأكيد وتجديد التزاماتها الامنية لدول مجلس التعاون الخليجي. وبالفعل فإن الدور الصيني الراعي للاتفاق السعودي - الايراني، وما سينتج عنه من تطورات في العلاقات والهندسات الامنية على مستوى المنطقة، بات يثير هواجس المسؤولين الكبار في ادارة بايدن، وابرزهم مدير وكالة المخابرات المركزية وليم برنز ومستشار الامن القومي جايك سولفيان، حيث ادعى الاخر بأن بلاده لعبت دوراً مهما في التطورات الاخيرة، ولكن ذلك لم يُخفِ هواجسه من تراجع المصالح الاستراتيجية الاميركية في حساب اللاعبين الاقليميين الكبار. يبقى من المؤكد بأن الولايات المتحدة غير راغبة في رفع العقوبات عن سوريا وايران، وسيبقى محظراً بموجب القوانين الاميركية والاوروبية التعامل تجارياً واقتصادياً مع سوريا. ويبقى من البديهي الاعتراف بأن موقع ايران الاقليمي قد تعزّز بفعل المصالحة مع السعودية، وبالتالي فقد اصبحت مهمة الولايات المتحدة، وبالرغم من حفاظها على تواجدها العسكري، في مكافحة الارهاب (المهتمة ايران بتغذيته ورعايته) وفي الحد من الجهود الايرانية لامتلاك السلاح النووي اكثر صعوبة من العقد الماضي.
سيبقى الرهان الاميركي قائماً على فشل نظام الاسد على التجاوب مع المطالب العربية لجهة التحرر من النفوذ الايراني، المتجذر داخل النظام والمجتمع، والتجاوب مع تسهيل عودة النازحين ومع اقفال معامل المخدرات ووقف تهريبها عبر الاردن والعراق الى دول الخليج. هذا بالاضافة الى ان الابقاء على نظام العقوبات قائماً سيمنع او يؤخر الى حين انطلاق ورشة اعمار سوريا، ويؤخر حصول اي تحسن في اوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، وبما يفرض مزيداً من الاعباء المالية على ايران، التي من المتوقع ان تسعى للحفاظ على وجودها ونفوذها في سوريا.
في النهاية، لا بد ان يدرك اللبنانيون بأن ازمتهم هي بالغة التعقيد وبأن النظامين الايراني والسوري لن يكونا في عجلة من امرهما للمساعدة في حلها. وان يتوقعوا بأن نظام الاسد لن يسهّل عودة النازحين، ولن يتهاون في عملية ضبط وترسيم الحدود البرية والبحرية. ويستدل من تصريحات القيادات الايرانية والسيد حسن نصر الله بأن مشروع جبهة الممانعة هو قائم ومستمر وسيجري دعمه ليزداد قوة.