بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 حزيران 2023 12:02ص وعي لتحديات البيئة

حجم الخط
هنالك وعي عالمي واضح لتحديات البيئة المؤثرة مباشرة على صحة الانسان ونوعية الحياة. الوعي في تزايد مستمر بسبب الواقع، أي الحر والحرائق والجفاف، وبالتالي هنالك قلق من انحدار نوعية العيش مع الوقت ومن ارتفاع تكلفة المعالجات. تحديات البيئة معقدة لأنها تطال كل القطاعات وترتكز على وعي المسؤولين والحكومات وخاصة على تجاوب المواطن في الحفاظ عليها. في الدول الصناعية حيث التلوث كبير، هنالك أيضا وعي مرتفع لتحديات البيئة بحيث يتجاوب المواطن مع متطلبات الحفاظ على ما تبقى منها أو حتى اصلاح ما يمكن.
في الدول النامية والناشئة، التلوث يكون عموما أقل لكن الوعي ما زال غير كاف وبالتالي خطورة التلوث كبيرة. هنالك مؤتمرات دولية مهمة عقدت وتعقد لحماية البيئة، والتقدم واضح وان لم يكن كافيا. من الضروري عقد مؤتمرات بيئية اقليمية خاصة في عالمنا العربي وفي أفريقيا حيث الوعي مطلوب لمخاطر التلوث وضرورة التصحيح والمعالجة. المطلوب أيضا عقد مؤتمرات بيئية قطاعية خاصة للصناعات التي تلوث بدرجات مختلفة حيث معالجة تلوثها تتطلب وجود تقنيات غير متوافرة محليا.
تحديات البيئة لا تقل أهمية عن المشاكل السياسية حيث التكلفة الاجتماعية كبيرة ومعالجتها صعبة. تأخرت المعالجات البيئية كثيرا بسبب الكورونا التي قلبت معايير التنمية رأساً على عقب. خلال الثلاث سنوات السابقة، تحقق تردي عالمي لمؤشرات الفقر والنمو والغذاء والتعليم والأمن وغيرها. تم تركيز الموارد المالية والبشرية العالمية على محاربة الكورونا وهذا جيد وكان ناجحا، الا أن المشاكل الأخرى لم تختفِ. جاءت الحرب الأوكرانية لتعمق المشاكل الاقتصادية أي تضخم وارتفاع للفوائد أثرت سلبا على الاستثمارات والتكلفة الاستهلاكية. نضيف اليهما تزامن شح المياه مع الزيادات السكانية مما أثر سلبا على معايير التنمية والاستقرار العالميين. كانت كل تلك التحديات كبيرة وحولت الاهتمام اليها مما سبب اهمالا للمشاكل البيئية.
تعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من تحديات المناخ والبيئة مما يؤثر سلبا على نموها النوعي. هنالك مشاكل مياه جدية تظهر أهمها في الصراع القائم بين مصر والسودان من جهة وأثيوبيا من جهة أخرى. هنالك مشاكل أخرى لا تقتصر على الجفاف والفيضانات والأمراض المنتشرة، بل ناتجة عن طبيعة الطقس المختلف بين حار ناري وبرد قارس يؤخر نمو المنطقة سنويا بين 1 و 2%. ما هي السياسات التي يمكن اعتمادها للمواجهة؟
أولا: يجب على كل دول المنطقة تخفيف الانبعاث الفحمي الملوث للهواء والمياه والرافع للحرارة كما القاتل للصحة، وهذا ممكن عبر اجراءات تقنية وادارية أصبحت معروفة عالميا. تحاول دول المنطقة الاستثمار في الصناعات دون اعتماد أحدث الوسائل المتوافرة بسبب التكلفة. هنا لا بد من التمييز بين دول مجلس التعاون الخليجي وبقية دول المنطقة بسبب القدرات المالية والانفتاح أكثر على التطورات العلمية العالمية.
ثانيا: يجب اختيار الاستثمارات العامة ذات القيمة المضافة المرتفعة خاصة في المياه والري لرفع انتاجية الزراعة، كما في البحث والارشاد في العلوم المؤثرة على الوعي البيئي وفي مقدمها الصحية والحياتية.
ثالثا: جميع الدراسات البيئية تشير الى ضرورة تغيير عادات الأكل حفاظا على البيئة. ترتكز هذه الارشادات على التخفيف من أكل اللحوم الحيوانية والتوجه نحو السلع الأخرى الأقل ضررا للبيئة وللكائنات الحية الأخرى كما لاستمرارية الحياة العامة. تشير دراسات أخرى الى ضرورة تغيير طرق الزراعة وجعلها طبيعية أكثر أي لا تعتمد على الأدوية والأسمدة العادية كما هو الحال اليوم. طرق الانتاج الحالية تعتمد على السرعة وزيادة الانتاج دون النظر دائما الى نوعية السلع المنتجة وتأثيرها على الصحة.
رابعا: ترشيد استهلاك الطعام بحيث يخف التبذير ويتم تدوير ما نرميه من طعام وغيره مما يؤثر ايجابا على البيئة والمناخ. هنالك ضرورة لترشيد استهلاك المياه للري خاصة وعدم حرق الغابات أو استعمال الأشجار للتدفئة حتى في الظروف الاقتصادية الصعبة التي نمر بها. التكلفة المستقبلية ستكون مرتفعة جدا اذا أحرقنا الغابات وقطعنا الأشجار وهذا في غاية الأهمية. هنالك ضرورة أيضا لرفع انتاجية الزراعة في المنطقة وعالميا بحيث ننتج سلعا نوعية أكثر من أراض مساحتها أقل. هنالك وسائل «خضراء» مع مواد وأدوية وأسمدة «خضراء» تسمح بالوصول الى النتائج الفضلى.
يبقى التحدي الأكبر لمشكلتي البيئة والصحة هو توافر المياه النظيفة العذبة الضرورية للانسان والأرض والحياة. تشير احصائيات البنك الدولي الى أن هنالك فقط 58% من سكان أفريقيا يحصلون على مياه الشرب السليمة. عالميا مليارا شخص لا يحصلون على مياه عذبة صالحة للشرب. هنالك 3,6 مليار شخص يعيشون مع مياه ملوثة وشبكات صرف غير صالحة. النوعية السيئة للمياه بكافة استعمالاتها مسؤولة عن 70 الى 80% من الأمراض في أفريقيا أي تلك المؤثرة على نمو الانسان الصحي كما الذهني. هنالك ضرورة عالمية لتحسين ادارة المياه عبر مؤسسات فاعلة واستثمارات كافية في الشبكات المائية والصحية المختلفة.
توافر كميات كافية من المياه أساسي للبيئة. عرض المياه محدود والطلب كبير وبالتالي التخزين في السدود أساسي. يكمن تحدي المياه الأكبر في المدن حيث يعيش 55% من سكان العالم وحيث من المتوقع أن ترتفع النسبة الى 68% في سنة 2050 تبعا للأمم المتحدة. لذا فالاستثمارات المقدرة لمواجهة الطلب تصل الى 6,7 ألف مليار دولار حتى سنة 2030 والى 22,6 ألف مليار دولار حتى 2050. من أين تأتي الأموال؟ من القطاعين العام والخاص اذ لا يمكن للموازنات العامة وحدها مواجهة الطلب. وضع تعريفات مدروسة أساسي كي يهتم القطاع الخاص بالاستثمار في القطاع. لا بد من تعزيز قدرات التدوير بحيث لا تهدر المياه دون استعمالات كافية. تدوير المياه ومعالجتها بأفضل التقنيات ضروري لكافة الاستعمالات ولا بديل عنها.