بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 أيلول 2023 12:10ص يبقى القطاع العام أساسيًّا

حجم الخط
موضوعان يهزان الضمير العالمي اليوم وهما قضايا المناخ والتحديات المعيشية للجميع وخاصة للفقراء.  مشاكل المناخ معقدة، وما نشهده هذه السنة من حرائق وزلازل وفياضانات في مختلف بقاع الأرض مؤلم ويؤثر على الضمائر والمشاعر. حقيقة، نجهل عالميا وعلميا اذا كانت هنالك امكانية لتخفيف هذه المصائب والكوارث على سكان الأرض.  الحرائق التي اشتعلت في أوروبا وخاصة في اليونان واسبانيا وفي القارة الأميركية خاصة في كندا، مؤلمة حيث تصيب المناطق الفقيرة كما الغابات المؤثرة ايجابا على صحة وحياة الانسان أينما وجد.
هل هنالك من امكانية لتخفيف هذه الخسائر؟ هل أن توزيع الانتاج الاقتصادي بشكل أفضل بين المناطق والقطاعات يؤثر ايجابا على حياة الانسان؟ كيف يمكن أن يحصل ذلك؟ هل من الممكن تقوية وسائل الدفاع عندما تقع الكوارث؟ هل هنالك تقصير في تجهيز الدفاعات المدنية والطيران والآليات المتخصصة لمواجهة هذه الخسائر؟ هل جرت معاقبة مجرمي الطبيعة الذين يفتعلون عن قصد أو غير قصد هذه الحرائق؟  ما شهدناه هذه السنة مؤلم ومكلف علما أن امكانية التكرار ما زالت كبيرة.
لن تحل المشاكل المناخية من دون دعم الدول الصناعية المالي والتكنولوجي وتغييرها تدريجيا لطرق الانتاج داخلها.  المهم توزيع التكلفة على الملوثين أولا عبر ضرائب أو تعريفات اضافية أو عقوبات مالية أو فرض تبرعات عليهم تقدم للضحايا، وثم اذا تبقى من تكلفة توزع على الآخرين في القطاعين العام والخاص.  في هذا الاطار أصدرت الولايات المتحدة قوانين مرتكزة على معايير تلوث جديدة صارمة وسياسات داعمة للانتاج الأخضر بينها للسيارات الكهربائية. الهدف منها أيضا زيادة الوظائف في الصناعات الخضراء، لكن السيِّىء في هذه السياسات انها منغلقة أي تحمي الانتاج الداخلي وبالتالي تضر بالتجارة الخارجية وبالحلفاء التجاريين في آسيا وأوروبا.  ها هي وزيرة التجارة الأميركية تحاول تصحيح ذلك عبر زيارتها الى الصين لكن المهمة صعبة. المطلوب أيضا من المؤسسات الدولية الضغط باتجاه الانتاج الأخضر خاصة عندما تعطي قروضا أو مساعدات أو ارشادات تقنية للدول النامية والناشئة في مختلف القطاعات والقارات.
في المواضيع المعيشية، هنالك مسببات عدة للأوضاع المتعثرة بدأ من الحرب الروسية في أوكرانيا التي أنتجت ارتفاعا كبيرا في السلع الغذائية كما في الأدوية الكيمائية والسماد الزراعي. هنالك أسباب أخرى منها الكورونا التي أثرت على العرض وما تبعها من مشاكل في سلاسل الامداد وفي التوزع المهني في أسواق العمل.  هنالك أيضا الجشع والرغبة المتزايدة في تحقيق أرباح كبيرة مهما كانت الظروف.  حقيقة، ترتفع تكلفة الانتاج فتزداد أسعار السلع المنتجة.  تنخفض التكلفة فتبقى الأسعار كما هي لأن المنتجين يخافون أن يكون تدني التكلفة مؤقتا.  من الخاسر؟  المواطن أو المستهلك.
انهاء المسبب الأساسي يتطلب وقف الحرب في أوكرانيا حتى من دون مفاوضات اذ لا يظهر أن هنالك امكانية في تحقيق ذلك.  ما يمكن الأمل به هو أن تقف الحرب كما حصل مع كوريا حيث توقف اطلاق النار دون توقيع أي معاهدة أو اتفاقية سلام. ما زال الوضع بين الكوريتين كما كان في الخمسينات أي مجمدا منذ 70 عاما. من الممكن أن يكون الحل الكوري الأفضل لروسيا وأوكرانيا أي أفضل من الموت والحرب والدمار والهجرة من دون حدود، بل ربما أفضل من انهائها مع خاسر ورابح أي وقف نار وتحضير لجولات قادمة من الحروب.  عموما، ليس المهم من يربح في الحروب بل من يربح السلام.
في سلاسل الامداد، الحلول الاقتصادية أصعب اذ ترتبط بالسياسات الصناعية التي يجب أن تعتمد كما بسياسات النقل والبنية التحتية.  هنالك اليوم موجة سياسات جديدة تبتعد عن التوصيات التقليدية أو «اجماع واشنطن» التي أوصت بنقل قسم كبير من مهمات القطاع العام الى الخاص.  هنالك جو جديد بسبب الأزمات يطالب باحياء دور القطاع العام ليس فقط في الرقابة وانما أيضا في تقديم خدمات تعجز الطبقات الوسطى وما دون عن شرائها من القطاع الخاص. هنالك مطالبة شعبية للقطاع العام بتأمين وربما فرض سلامة القطاع المالي على المتنافسين خاصة في شقه المصرفي.  تتكرر الأزمات المصرفية في معظم الدول وتنعكس سلبا على النقد والقدرة الشرائية للمواطن كما على حركة الأسواق بشكل عام.
هنالك دور كبير للقطاع العام في ادخال التكنولوجيا الى الادارة حماية لمصالح المواطن وتسهيلا لحياته. هنالك دور مطلوب من القطاع العام في الاشراف على تحول الطاقة من الجزء الملوث الى الأخضر ضمن الامكانات المتوافرة والتشريعات الحديثة المطلوبة. أما دور القطاع العام في الضمانات الصحية والتعليمية فهو واجب كل الدول حتى الأكثريتها رأسمالية.  هذه المشاكل العامة كلها مترابطة، لذا لا يمكن للقطاع الخاص أن يجد حلولا فضلى لها حتى لو كانت النيات حسنة الى أقصى الحدود.
أخيرا من السياسات المدنية المطلوبة أكثر فأكثر، تحديد مساحات كبرى ضمن المدن للمشاة فقط.  هذا مناسب لمحاربة التلوث ومفيد للحياة والصحة شرط وضع نقل مساعد معين لغير القادرين على التنقل مشيا على الأقدام.  هذه المساحات واسعة في المدن الكبرى، ولما لا تعتمد العواصم والمدن الكبيرة العربية هذه السياسات المناسبة جدا لوسطها.  هنالك أقسام مدن كما جزر كاملة مسموحة فقط للمشاة منها على سبيل المثال جزيرة «هيدرا» اليونانية حيث التنقل داخلها يتم عبر الوسائل الخضراء أي السير على الأقدام أو استئجار الحيوانات المجهزة لذلك.  هنالك من يقول أن هذه القوانين تحد من حرية المواطن الذي يرغب في قيادة السيارات.  الجواب هو أن باستطاعته الذهاب الى مدن أو جزر أخرى حيث قيادة السيارات ممكنة.  طالما أن الخيارات الايجابية متاحة للمواطن، لا مانع من تطبيق سياسات مدروسة في أوضاع صعبة.