بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 تشرين الثاني 2019 06:00ص عودة الحريري أسيرة الشروط المتبادَلة.. والتأليف الطويل!

مُراجعة إجراءات المصارف بعد تطبيع الوضع.. و«فيتش» تحذِّر من فك إرتباط الليرة بالدولار

حجم الخط
بعد «خضة» الانتفاضة الشعبية، وما أفرزته من مواجهات، وفرز في المواقف، بما في ذلك تحوُّل الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال بعد استقالة رئيسها سعد الحريري، بدأ الوضع يتجه إلى التطبيع، بعد ساعات عصيبة على عوارض تلت «الانتفاضة الجامعة»، وجنحت إلى الانقسامات المذهبية أو العودة إلى اصطفافات، ظن اللبنانيون انهم خرجوا منها للمرة الأخيرة.

واستئناف العمل في المصارف، كان الحدث الأبرز، بعد حركة الاحتجاجات التي عطّلت البلاد بكل مرافئها واداراتها فضلاً عن قطع الطرقات وامتلاء الساحات بالاعتصامات، إذ اصطف المودعون صفوفاً طويلة امام المصارف وفي اتصالات لتخليص معاملات تراكمت خلال اسبوعي التعطيل..

ومع ان السعر الرسمي لليرة مقابل الدولار بقي على حاله 1507 ليرات لكل دولار، فإن سعر صرفه في السوق الموازية تخطى سعر الصرف 1700 ليرة، مع استمرار المصارف في الحدّ من عمليات بيع الدولار.

والمشترك في البحث عن آلية سياسية دستورية لتأليف حكومة جديدة، هو سحب الولاءات السياسية من التداول، والابتعاد عن إرضاء الزعامات والالتفات إلى الوقوف على خاطر حراك الشارع، فيما طفت على السطح دعوة حزب الله على لسان أمينه العام السيّد حسن نصر الله إلى «حكومة سيادية»..

ومع ذلك، كشف مصدر مطلع لـ«اللواء» ان حصيلة مشاورات رست على الآتي:

1- الاتجاه الأكبر هو إعادة تكليف الرئيس الحريري تشكيل الحكومة، وربما يصدر مرسوم التكليف الثلاثاء المقبل.

2- البحث عن توليفة حكومية من 14 وزيراً، نصفهم من التكنوقراط والنصف الآخر من السياسيين..

3- الالتفاف إلى الحراك الاحتجاجي، على مستوى تمثيله في الحكومة العتيدة والأخذ في نظر الاعتبار مطالبه..

وتوقع المصدر ان تأخذ رحلة التأليف وقتاً نظراً للظروف المحيطة والضغوطات الجارية..

وفي السياق المالي، قال مدير الفريق السيادي في وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية توبي ايلز إن تغيير ربط العملة اللبنانية بالدولار سيكون خطوة مؤلمة وسينجم عنه ضعف حاد لليرة لكنه قد يدر أيضا فوائد في الأجل الطويل.

ويخضع ربط العملة المستمر منذ 22 عاما لتدقيق متزايد بينما تصارع البلاد أسوأ أزماتها الاقتصادية في عقود وسط انتشار واسع لاحتجاجات أطاحت بحكومة سعد الحريري الائتلافية.

وقال ايلز لرويترز «إذا كنت بصدد تغيير الربط، فإن الأمر يرقى لأن يكون إعادة تسعير للاقتصاد اللبناني ... ومع الأخذ في الاعتبار الاختلالات التي يراها المرء في لبنان، مثل عجز الحساب الجاري، فإنه سيتسبب في ضعف كبير للعملة.

«ستكون تكاليف التخلي عن الربط مؤلمة في الأجل القريب، حتى إذا استطاع تعديل أن يدر فوائد في الأجل الطويل».

وفي السنوات الأخيرة، ألغى عدد من الدول ربط العملات للسماح للاقتصادات بالتكيف مع عجز كبير في الحساب الجاري واختلالات أخرى.

وقال ايلز إن الفرض المحتمل لقيود على رأس المال مع استئناف عمل البنوك يوم الجمعة بعد أسبوعين من الإغلاق يثير «تساؤلا كبيرا».

واضاف «حتى إذا استطاع (فرض القيود) المساهمة في وقف التدفقات الخارجة في الأجل القريب، فإن لبنان بحاجة إلى تدفقات داخلة، والإخفاق في الحصول على تدفقات داخلة سيعني إعادة تعديل ضخمة للاقتصاد خلال فترة زمنية قصيرة جدا وركود واسع».

وقال ايلز إنه مع 75 بالمئة من الودائع مقومة بالدولار، فإن عمليات سحب كبيرة محتملة قد تضر باحتياطيات النقد الأجنبي، إذ تواجه البنوك عجزا كبيرا في الأرصدة مقابل الالتزامات بالنقد الأجنبي أو الودائع القصيرة الأجل وأصول النقد الأجنبي أو الدولارات المُحتفظ بها في البنك المركزي، بعيدا عن متطلبات الاحتياطي، وهي بآجال استحقاق أطول.

وتساءل «هل سيُسمح للبنوك بالوصول إلى ودائعها بالدولار الأمريكي لدى البنك المركزي قبل أجل الاستحقاق لإتاحة الدولارات؟ إذا فُعل ذلك، فإن أي تهافت على البنوك لسحب ودائع بالدولار الأمريكي سيعمق انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي».

وإذا كان المشهد السياسي حافظ على ضبابيته، ضمن منظومة غير منظورة من الشروط والشروط المضادة، فإن الموقف الأميركي، الذي تضمنه تقرير الخارجية الأميركية أعطى للاشتباك الحاصل بعداً دولياً، ضمن الصراع الأميركي - الإيراني على الساحة اللبنانية.

وجاء في التقرير الأميركي انه «على الرغم من جهود الحكومة اللبنانية الرسمية في النأي بنفسها عن النزاعات الإقليمية، واصل حزب الله دوره العسكري في العراق وسوريا واليمن».

واعتبرت الوزارة في تقريرها أن «إيران ما زالت أسوأ دولة راعية للإرهاب في العالم، من خلال دعم عدة جماعات متشددة»، كاشفة أنّ «النظام الإيراني أنفق نحو مليار دولار لدعم وكلائه من الجماعات الإرهابية».

وأكد التقرير على «أهمية العقوبات التي جرى فرضها على إيران، عقب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، في أيار 2018، بسبب تمادي طهران في سلوكها المزعزع للاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط».


قوى الأمن تعتقل متظاهراً أمام جمعية المصارف (تصوير: جمال الشمعة)

الاستشارات بين الاثنين أو الثلاثاء

إلى ذلك، يتوقع ان يُجري رئيس الجمهورية ميشال عون الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس للحكومة الجديدة يوم الاثنين المقبل او الثلاثاء كحد اقصى، بعد ان تكون الاتصالات بين القوى السياسية قد اظهرت الاتجاه و امكانية التوافق المسبق على الرئيس المكلف وعلى التشكيلة الحكومية، وسط معلومات عن ترجيح عودة الرئيس سعد الحريري لرئاستها، وان لم يتم الاتفاق بعد على شكلها، سياسية ام تكنوقراط ام مختلطة، موسعة ام مصغرة؟. ولكن مصادر رسمية متابعة رجحت ان تكون الحكومة «متوسطة الحجم»، اي من 24 وزيرا، ما يعني استبعاد وزراء الدولة.

ولفتت مصادر رسمية إلى ان هناك تباينات في المواقف حول شكل الحكومة. فحكومة السياسيين بالكامل يرفضها الرئيس الحريري، وحكومة التكنوقراط الصافية يرفضها عدد من الفرقاء السياسيين في مقدمهم حزب الله، والحكومة المطعمة تكنو- سياسية دونها عقبات، لجهة التوافق على اختيار الوزراء سواء السياسيين او التكنوقراط، وهل يكون السياسيون من الصف الاول ومن الاسماء المقبولة، ام يعود الوضع الى ما كان عليه لجهة الاشتباك حول الاسماء ونوعية الحقائب ولمن تُعطى، لا سيما الحقائب السيادية والخدماتية.

وفي سياق المشاورات الناشطة في قصر بعبدا تبين انه لم يتم أي اتصال مع الوزيرة السابقة ليلى الصلح حمادة من القصر الجمهوري، خلافاً لما ورد في «اللواء» أمس، فيما لوحظ ان أي لقاء لم يتم بين الرئيس الحريري والوزير جبران باسيل منذ انفجار الأزمة، علماً ان باسيل، بحسب المعلومات لم يعد متحمساً لأن يكون وزيراً لئلا يقال ان تمسكه بالتوزير هو الذي يعرقل أو يؤخر التأليف، في وقت تحتِّم كل الظروف ولا سيما الاقتصادية منها السرعة في التأليف.

وقالت مصادر على صلة وثيقة بمرجع رئاسي ان التريث في بدء الاستشارات النيابية، ليس فقط لافساح المجال امام مشاورات مكثفة تجري لتبيان هوية الرئيس العتيد للحكومة، فقط، وإنما بهدف تظهير صورة واضحة لأي اتفاق أو تفاهم سياسي سيواكب النصف الثاني من العهد الذي اطفأ قبل يومين شمعته الثالثة، وطبيعة هذا الاتفاق، والاهم قدرة كل أطرافه، من دون استثناء، على التزام مندرجاته منعاً لتكرار ما حصل في النصف الأوّل غداة التفاهم الرئاسي الذي شابت تطبيقه عثرات وعيوب كثيرة، وانتهى باستقالة أحد جناحيه أو يكاد.

وقال نائب رئيس المجلس النيابي ايلي الفرزلي لـ «اللواء»: ان البحث يتركز على آفاق المرحلة المقبلة، لكن المسلمات الاساسية الكل يدرك اهميتها لذلك لا يقلق أحد، الاساس في البحث التفتيش عن عناصر المرحلة المقبلة ومن هم ركيزتها ورموزها وكيف تُدار المرحلة المقبلة، وما هي الادوار والخلفيات؟ الموضوع ليس ضربة حجر ولا تسلية او ترفاً.

وعما اذا كانت هناك امور عالقة يجري بتّها؟ قال: لا شيء اسم عالق او غير عالق، انا رأيي الشخصي الامور تتجه الى تكليف الرئيس الحريري، ولا نستطيع ان نستبق الامور.

وعما اذا البحث تناول شكل الحكومة والحقائب؟ قال: بكير، هذا الموضوع لا زال مدار نقاش عميق، ولا يوجد طرف يطرح اموراً استفزازية او يحدد معايير لوحده، المسألة تعود للاحزاب التي ستسمّي الوزراء وهي تقدّرالموقف وتتخذ القرار، واعتقد انها تدرك حساسية وخطورة الوضع.

وعن رؤيته للموقف قال: انا لست متشائماً.

نصر الله

وفي السياق، لفت الانتباه، ان الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله لم يضع شروطاً أو «فيتو» على شكل الحكومة الجديدة، ولم يتطرق إلى احتمال عودة الرئيس الحريري أو انتقاد استقالته، لكنه شدّد في اتجاه ان لا يكون هناك فراغ في السلطة وان تشكّل الحكومة الجديدة في أقرب وقت، وان تضع برامج لاستجابة النّاس، تحت عنوان «استعادة الثقة»، كما طالب بحكومة «سيادية» بمعنى ان يكون كل مكوناتها وطنياً، وان لا يتصل أي مكون منها بالسفارة الأميركية، جازماً ان لدى اللبنانيين من العقول والتجارب والقدرات البشرية والابداع ما يساعدهم على الخروج من المأزق.

وأوضح انه «لم يكن يؤيد استقالة الحكومة ولا فكرة التعديل الوزاري، الذي كان سيزيد مشاعر الغضب، بمعزل عمن هو مستهدف في التعديل، لكنه لم يتطرق إلى أسباب الاستقالة، وان كان لفت إلى ان من تداعياتها تجميد ورقة الإصلاحات حيث أصبحت المعالجة الاقتصادية في دائرة الانتظار وكل الذي نزل النّاس من أجله سيضيع ولن يتحقق». (راجع ص 3)

عودة المصارف

على الصعيد الميداني، تراجعت حركة الاحتجاجات بشكل ملحوظ في اغلب المناطق بخاصة خلال النهار، باستثناء اعتصام لعدد محدد من المحتجين على السياسة المصرفية امام مقر جمعية المصارف في الجميزة، حيث دخلوه عنوة واقفلوا ابوابه قبل ان توقفهم قوى الامن الداخلي وعددهم خمسة، ثم أفرجت عنهم بإستثناء واحد فقط، سرعان ما تجمع رفاقه امام مكان توقيفه في ثكنة الحلو مطالبين بالافراج عنه.

وقطع شبان من الحراك الطريق العام المؤدي الى القصر الجمهوري لفترة قصيرة، ودعوا في بيان الى إجراء إستشارات نيابية سريعة وتكليف شخصية حيادية في موعد اقصاه الاثنين، من أجل تشكيل حكومة إنقاذ، فيما أعاد الجيش فتح الأوتوستراد الشرقي في صيدا بعد قطعه بالاطارات المشتعلة لبعض الوقت، وسجل هدوء في ساحة ايليا التي شهدت ظهراً كراً وفراً بين المتظاهرين والقوى الأمنية، لكن لوحظ ان محطات التلفزة توقفت عن بث نشاطات الحراك الشعبي، لا سيما في طرابلس التي حافظت على استمرار الحشد فيها.

اما الحدث الأهم، أمس، فكان في فتح المصارف أبوابها امام الزبائن كالمعتاد للمرة الأولى منذ اقفال استمر أسبوعين، وحصل تهافت قبل الظهر على هذه المصارف من أجل سحب الرواتب أو الودائع، أو دفع المستحقات، وسط اجراءات متشددة من المصارف بعدم تحويل أي مبالغ بالدولار إلى خارج لبنان وعدم تحويل مبالغ كبيرة من الليرة اللبنانية إلى الدولار.

وكشفت مصادر مصرفية ان بعض البنوك اتخذ إجراءات لإعطاء الأفضلية للمودعين وليس للمقترضين، وبحسب هذه المصادر، فإن المعاملات تمت بحسب سعر الدولار الرسمي المعتمد أي بين 1514 و1515 ليرة، في حين كان السعر لدى الصيارفة في حدود 1700 ليرة.

وفيما أوضحت المصادر لوكالة «رويترز» ان المصارف اللبنانية ستسعى لوقف نزوح رؤوس الأموال مع فتح أبوابها لكن من دون فرض قيود رسمية على حركة رؤوس الأموال، تحدث نواب في تكتل «لبنان القوي» عن عملية إخراج أو تهريب أموال تكون مستحقة للدولة، وقال النائب زياد أسود ان احد المصارف حول مليار دولار في عملية مصرفية مشبوهة وبسرعة، لكن التكتل الذي اجتمع أمس برئاسة الوزير باسيل، لم يشأ الكشف عن اسم هذا المصرف، الا انه أكّد انه سيتابع هذا الموضوع ويلاحقه، سواء عبر التشريعات أو عبر الوسائل القانونية الممكنة.

يُشار إلى ان «التيار الوطني الحر» ينظم غداً الأحد مسيرة إلى قصر بعبدا، تأييداً للرئيس عون لمناسبة مرور ثلاث سنوات على انطلاقة عهده، يأمل ان تكون استفتاء على شعبية التيار، ولرد الاعتبار له، في مواجهة الانتفاضة الشعبية التي أظهرت تراجع شعبيته، ولا سيما في مناطق المتن وكسروان.