بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 تشرين الأول 2018 12:23ص أكبر مأساة نزوح منذ الحرب العالمية الثانية (1/4)

أكثر من نصف سكان سوريا مشتَّتون بين الداخل والخارج

حجم الخط

5 آلاف و274 شركة تأسّست في تركيا برأسمال سوري
مغامرات بحرية خطيرة للنازحين  من تركيا نحو اوروبا

إذا كانت نكبة اللاجئين الفلسطينيين عام 1948، إحدى أكبر فظائع القرن العشرين، جرّاء العدوان الصهيوني، وتواطؤ المجتمع الدولي، الذي عطّل تنفيذ القرار الأممي رقم 194، وشتّت الفلسطينيين في لبنان وسوريا والأردن، وفي أرجاء مختلفة من دنيا الله الواسعة، فإنّ أزمة النزوح السوري منذ عام 2011، تشكّل أكبر مأساة إنسانية، وأضخم أزمة نزوح في التاريخ الحديث منذ الحرب العالمية الثانية، وفقاُ لدراسة أعدّها معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية ببيروت، تنشرها «اللـواء» على حلقات.. 
في الحلقة الأولى ، نستعرض تعدّد أشكال هذا النزوح بين نزوح في الداخل السوري، والنزوح إلى الدول المجاورة: لبنان، الأردن، العراق وتركيا، والنزوح إلى ما هو أبعد أي نحو مصر وشمال إفريقيا، وإلى ما هو أبعد وأبعد أي نحو أوروبا.

النزوح الداخلي
وفقاً لدراسة أعدّها معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت، فإنّ عدد النازحين داخلياً في سوريا، منذ شهر أيلول 2017، بلغ 6 ملايين و200 ألف نازح، يُقيم 12 %، منهم في أماكن غير لائقة للسكن، كمخيّمات غير مخطّط لها، ومستوطنات غير رسمية، ومراكز عبور، ومراكز إيواء جماعية، بينها المدارس والمباني السكنية والتجمّعات العشوائية، وبشكل عام فإنّ النازحين في الداخل السوري يعيشون في 3 آلاف و500 تجمّع سكاني غير رسمي، وفي المخيّمات العشوائية ومراكز الاستقبال أو العبور، حيث يعتمدون على المساعدات الانسانية لتلبية حاجاتهم الاساسية.
وفي الواقع، فإنّ كل منطقة في سوريا تُعتبر مأوى للنازحين، ما أدّى إلى ضغط اقتصادي واجتماعي في تجمّعات النازحين، بسبب الضغط الهائل على الموارد المتاحة والبنى التحتية، وأسهم في ارتفاع معدلات الفقر في سوريا بشكل عام، وفي مجتمعات النازحين الجديدة، ناهيك عن صراع حقيقي بشأن فرص العمل، خصوصا أنّ سوريا تواجه منذ العام 2015، معدّل بطالة عالياً تجاوز الـ53 %.
نصف الشعب السوري
ووفقاً لهذه الواقع، فإنّ أكثر من 50 % من السوريين، نزحوا منذ بداية الحرب في سوريا عام 2011، من مناطق إقامتهم إلى أماكن أخرى.
وفي خضم هذا النزوح واسع النطاق، انحدر البلد نحو الفقر، حيث سُجّل مع نهاية العام 2017، أنّ نحو 69 % من السكان يعيشون في فقر مدقع (بأقل من دولارين في اليوم).
أما بشأن معدل البطالة، فوصل إلى 75 % في صفوف الشباب في العام 2015، وضاع ما يُقدّر من مليونين و300 فرصة عمل نتيجة هذه الأزمة.
بأي حال، فإنّ الحرب في سوريا ألغت نتائج 35 عاماً من التقدّم في مجال التنمية البشرية، وبعد مرور 4 سنوات على بداية هذه الحرب أي في العام 2015، هبط مؤشّر التنمية البشرية في سوريا من المرتبة 113 إلى المرتبة 173 من أصل 187 بلداً، بالإضافة إلى تضرّر البنى التحتية والتربوية والصحية.
وخلال عامي 2015 و2016 ترك أكثر من 45 % من الأطفال مدارسهم، وتراجع المؤشّر الصحي 30 % بالمقارنة مع العام 2010.
لقد أدّت وحشية الحرب في سوريا إلى ضرر فادح لا يمكن تعويضه على مستوى الاقتصاد السوري، فتدهور وضع المدارس والمستشفيات، بسبب هجرة المعلّمين والعاملين في مجال الرعاية الصحية، وسوء الخدمات العامة، ما أدّى إلى هبوط سريع في الوظائف والإنتاج المحلي، مقابل ارتفاع ملحوظ في الأسعار، فنتج عن ذلك تراجع كبير في الأداء الاقتصادي، وبلغ مجموع الخسائر الاقتصادية حتى نهاية العام 2015، نحو 254 ملياراً و700 مليون دولار، كما أثّرت تداعيات الحرب على مداخيل الأسر وازدياد نسب الفقر.
النزوح إلى الخارج
ووفقاً للاحصائيات، فإنّه سُجّل نزوح 5 ملايين و456 ألفاً و108 نازحين حتى شهر كانون الأول 2017، إلى الدول المجاورة لسوريا على الشكل الآتي:
- 3 ملايين و400 ألف 195 نازحاً إلى تركيا.
- أكثر من مليون نازح إلى لبنان.
- 654 ألفاً و903 نازحين إلى الأردن.
- 246 ألفاً و974 نازحاً إلى العراق.
- 126 ألفاً و27 نازحاً إلى مصر.
- 30 ألف نازح إلى شمال افريقيا.
وبين نيسان 2011 وكانون الثاني 2017، تمَّ توثيق 987 ألفاً و571 طلب لجوء إلى أوروبا، سُجّل منها 64 % في المانيا والسويد و20 % في المجر والنمسا وهولندا والدانمارك وبلغاريا و16 % في الدول الاوروبية الاخرى.
النزوح نحو تركيا وأوروبا
إذا كانت أكبر نسبة نزوح سوري خارجي تُسجّل إلى تركيا، حيث بلغ عددهم 3 ملايين و400 ألف و195 نازحا، فإنّ أكثر من 3 مليارات يورو كانت مبلغ المساعدات التي قدّمها الاتحاد الاوروبي لدعم اللاجئين السوريين في تركيا لعامي 2016 و2017، كجزء من الاتفاقية بين الاتحاد الاوروبي وأنقرة، رغم أنّ جانبا مأساويا من هذا النزوح، تجّلى في نزوح عشرات الآلاف من السوريين في محاولات للخروج من تركيا إلى اوروبا، فكانوا عرضة لجشع المافيات واللصوص.
في الاتفاقية الموقّعة بين الاتحاد الاوروبي وتركيا، مبدأ أساسي ينص على أنّ «جميع المهاجرين الجدد أو غير الشرعيين أو طالبي اللجوء، الذين يعبرون تركيا إلى الجزر اليونانية، ستتم إعادتهم من حيث أتوا، وكل سوري يُعاد إلى تركيا، سيُعاد مقابله توطين سوري آخر في دول الاتحاد الاوروبي من تركيا مباشرة».
ومن أجل دعم تركيا بشكل أكبر في جهودها الرامية لاستضافة اللاجئين وتقديم الدعم على ارض الواقع، نفّذ الاتحاد الاوروبي التزامه المالي بتزويد الحكومة التركية بمبلغ 3 مليارات يورو، ففي السنة الأولى من عقد الاتفاقية، تمَّ تخصيص مليارين و200 مليون يورو، كما تم التوقيع على 39 مشروعا بقيمة مليار ونصف مليار يورو، ويوجّه هذا المبلغ من التمويل نحو مشاريع تعالج احتياجات اللاجئين والمجتمع المضيف، مع التركيز على المساعدة الانسانية والبنية التحتية البلدية، والدعم الاجتماعي والاقتصادي، والتعليم والصحة. 
كيف استفادت انقرة؟
من ناحية أخرى، فقد استفادت أنقرة من النزوح السوري، حيث قام عدد كبير من المستثمرين السوريين بإنشاء شركات في تركيا، وعلى مدى خمس سنوات من 2012 حتى 2016، أقاموا خلالها 5 آلاف و274 شركة برأسمال سوري، وأخذت هذه الشركات التي يملكها السوريون، تساهم في الاقتصاد التركي وتزيد في ازدهاره، كما توفر فرص عمل جديدة للسوريين والاتراك، علما بأنّ هذه الشركات برهنت، رغم الحواجز اللغوية، عن إمكانية عالية في تطورها ونجاحها.
رحلات الخطر والمجهول
بأي حال، نتيجة للواقع المأساوي وتدهور الاوضاع الامنية والاقتصادية، قام النازحون السوريون برحلات خطيرة نحو اوروبا، فمنذ بداية العام 2017، اعترضت قوات الامن التركية طريق 24 ألفاً و131 لاجئا عند الحدود البرية مع اليونان ومع بلغاريا، علما بأنّ 22 ألفاً و171 لاجئاً تم اعتراضهم عند الحدود اليونانية (91 %)، كما بلغت حالات التوقيف عند الحدود التركية – اليونانية، والحدود التركية - البلغارية في تشرين الاول 2017 نحو ألفين و436 لاجئا، كما فُقِدَ لاجئون أو وُجِدُوا متوفين خلال محاولاتهم الوصول إلى اوروبا عبر البحر الابيض المتوسط، وبلغ عددهم نحو ألفين و811 لاجئا منذ تشرين الاول 2017، أي ما نسبته حالة وفاة واحدة من كل 55 شخصا حاولوا المرور.
الأطفال يدفعون الثمن
وأشارت وكالة «يوروبول» في تقرير لها، إلى فقدان نحو عشرة آلاف طفل أو مهاجر إلى أوروبا، بعد تسجيلهم لدى السلطات الحكومية، ما أثار مخاوف كبيرة من احتمال ان الكثير منهم ضحايا الاتجار بالرقيق او الجنس، او أنهم يتعرّضون لاستغلال مجموعات مجرمة، ففي إيطاليا وحدها اختفى اكثر من خمسة الاف طفل. 
وأشار مكتب الشرطة الاوروبي إلى ان شبكات من المجرمين، كانت تقوم بتهريب اللاجئين إلى اوروبا، وتستهدف الاطفال لغايات الاتجار بالرقيق والجنس، ويُعتبر القاصرون غير المرافقين (أي ليسوا مع اهلهم او اقاربهم)، الفئة الاكثر استضعافا بين المهاجرين، لانهم غالبا ما يسافرون بمفردهم إلى اليونان قبل الاجتماع بأفراد عائلاتهم الموجودين في مكان آخر من اوروبا، والخطير في الامر ان البعض ينتحل شخصية قريب للاسرة أو احد افراد العائلة لخطفهم من السلطات، وهذا ما يشكّل اهم مصدر قلق في أزمة النزوح والهجرة إلى اوروبا.