بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 كانون الثاني 2019 06:11ص الـ«Stress» مرض العصر.. وضحاياه معرّضون للإنتحار

حجم الخط
الـ«Stress»، كلمة معناها لغوياً: الإرهاق، الإجهاد، الوهن، الضغط، عدم التركيز، الإنهاك.. وسواها، وتزداد وتيرة ضحاياه بالارتفاع، مسجلة عدداً مهولاً من الحالات المستعصية في لبنان، بفعل الأوضاع السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والنفسية، بحيث تبيّن أنّ الشعب اللبناني يدفع حوالى 200 مليون دولار أميركي، للمعالجة من الأمراض المرتبطة بالحالات النفسية، ومنها الأدوية المهدئة للأعصاب والقلق والاكتئاب.
ويُعتبرهذا الرقم مخيفاً جداً، إذ تدل المؤشرات إلى أنّ الضغط اليومي، الذي يتراكم بشكل سلبي على المواطن اللبناني، بفعل عدم القدرة لديه، لإدارة الشؤون الحياتية اليومية، المرتبطة بالأحوال العائلية هو الذي يؤدي للإصابة بـ الـ«Stress».
د. الخوري
للخوض أكثر في هذا الموضوع، ومعرفة أبرز أسبابه وكيفية العلاج، التقت «اللـواء» الأخصائي في الطب النفسي والأستاذ المساعد في كلية الطب، في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور جوزف الخوري، فكان الحوار الآتي:
{ كيف تعرّف لنا الـ«Stress»؟
- «يغيب الـ«Stress» عن لائحة منظمة الصحة العالمية كمرض، والتعريف غير الرسمي له هو حالة عصبية تؤدي إلى العديد من الأمراض، وبمعنى آخر فإن تأثيراته تؤدي إلى ظهور البوادر للإنتقال إلى الحالة المرضية، لكن كل المؤشرات الصحية تؤكد أنّ عدد المصابين الـ«Stress»، أكثر من عدد المصابين بالأمراض النفسية، وأنّ 20% من أي شعب في العالم، يُصاب في مرحلة من المراحل، بأحد الأمراض النفسية، وأكثرها شيوعاً في لبنان وخارجه، كالتوتر الحاد (Acute Tension)، بالإضافة إلى الكآبة وسواها.
وهنا أقصد المشاكل التي لها علاقة بالمزاج الشخصي، لهذا الإنسان أو ذاك، إذ تشير الإحصائيات إلى أنّ 15% من الشعب اللبناني، كما غيره من الشعوب الأخرى، مُصاب بهذه الأمراض النفسية، المعترف بها من قِبَل منظمة الصحة العالمية، ومن الأفضل تسمية الـ»Stress» بحالة نفسية وليس مرضاً، فالأسباب المؤدية إلى الإصابة به في لبنان، نراها مختلفة عن باقي دول العالم، بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية، السيئة والمتردية في هذا الوطن».
{ ما هي أبرز العوارض؟
- «هناك عوارض جسدية، مثل أوجاع الظهر والرأس وارتفاع ضغط الدم والآلام في المعدة، ما يؤدي إلى ظهور هذا المرض أو ذاك، دون أن ننسى بروز العوارض النفسية مثل القلق، الاكتئاب، والتوتّر النفسي والعصبي الحاد، ما يؤدي إلى الحدية في التعاطي مع الآخرين، وردة الفعل على تصرّفاتهم، بحيث يعتبر المريض ما يحدث معه، بمثابة التهجّم الشخصي عليه، سواء من أفراد عائلته أو من زملائه في العمل».
أبرز الأسباب
{ ماذا عن الأسباب؟
- «أسباب الـ«Stress» بكل الحالات في بريطانيا وفرنسا، تختلف بشكل كلي، عما نراه في لبنان، وهنا نُشير إلى أنّه لا توجد لدينا دراسة ميدانية، أو مرصد لسجل وطني رسمي، يبين عدد المصابين بالـ»Stress»، فآخر الأرقام الرسمية صدرت منذ 15 سنة، والمتغيّرات السابقة لا تنطبق على الأوضاع الحالية. وإذا تحدّثنا عيادياً وطبياً، من خلال الاحتكاك بالمرضى والمصابين بهذه الحالة بشكل مباشر، وهذا ما نناقشه ونتحاور به، من خلال الأطباء الزملاء من المعالجين النفسيين، لناحية التطرّق إلى واقع الـ»Stress»، والتوتّر النفسي والعصبي، الموجود بشكل مرتفع في المجتمع اللبناني، يُحتّم القول بأنّ المجتمعات غير المرتاحة، يكون مواطنها غير مرتاح أيضاً، وإذا كان الإنسان وُلِد في لبنان، وكافة المقوّمات الحياتية والخدماتية والاجتماعية فيه، غير موجودة بشكل طبيعي، بالإضافة إلى فقدان الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، فإن هذا الأمر يُفرز مواطنين يعانون من مشاكل نفسية وصحية واجتماعية.
باختصار، إنّ الأوضاع المتردية من كافة النواحي، في واقع البلد كله، أثّرت سلباً على العائلة اللبنانية الأمر الذي يؤدي للإصابة بالـ«Stress»، بالإضافة إلى أسباب أخرى، ومنها: زحمة السير، طريقة التعامل بين الأفراد، الإلتزام بدفع الفواتير في المنزل مرّتين في الشهر مثل، الكهرباء، المياه، والهاتف والخليوي دون أن نغفل دفع الضرائب والرسوم البلدية والمالية، والانتقال من مسكن إلى آخر، إذا كان محل الإقامة بالإيجار».
ممر غير آمن للأمراض
{ هل يتسبّب الـ«Stress» بأمراض نفسية أخرى؟
- «إنّ الـ«Stress» يشكّل جسر عبور إلى أمراضٍ أخرى، والتراكمات السلبية للمشاكل الحياتية واليومية تجعل منه يشكل ممراً غير آمن للإصابة بالأمراض، والسؤال: أين الأمان الإقتصادي والإجتماعي، الذي يجب أن يكون متوافراً، داخل العائلة اللبنانية؟.. في المقابل فإنّ زيادة التوتر النفسي تنتقل لتصل إلى العلاقات المباشرة، بين الزملاء في الشركة الواحدة، وهذا ينعكس سلباً على إنتاجية الموظفين العاملين فيها
باختصار، الـ«Stress» هو مرض العصر، لأنّنا نعيش في زمن يشهد متغيّرات كبيرة، في أنماط الحياة ومتطلباتها اليومية، والمطلوب من الفرد أن يكون منتجاً، بينما في السابق كان يعيش في مجتمع زراعي، فيه راحة للبال أكثر مما نراه اليوم.
{ هل من إحصائيات حول تأثيرات الـ«Stress»؟
- «لقد ظهرت إحصائيات في عدّة دول أجنبية، حول تأثيرات الـ«Stress»، وبحسب تقرير صادر عن «الجمعية الأميركية للمعالجين النفسيين»، فإنّ الـ«Stress» بكل أشكاله وحالاته وأنواعه، يكلّف الاقتصاد الأميركي 300 مليار دولار، آخذين بعين الاعتبار المعالجات الصحية والمرضية، وعدم الذهاب إلى العمل، وانعكاسه على التقدّم الاقتصادي، فيما يؤثر على الإقتصاد البريطاني، بما يقارب الـ 100 مليار جنيه إسترليني».
{ كيف تتم المعالجة؟
- «تبدأ طرق المعالجة بالأدوية والعلاج النفسي من أجل منع تفاقم المرض وانتشاره، في المقابل، على المريض أنْ يبتعد عن الضغوطات النفسية المباشرة، فيكون البديل لديه ممارسة رياضة المشي، التنزّه مع مجموعة أشخاص يتقبّلهم ويرتاح إليهم، في إجراء نقاشات مفتوحة معهم، أو يشاهد فيلماً في السينما، أو يستمع إلى أغنية تذكره بالماضي القريب.
بينما المرضى الذين يرفضون العلاج، لدى الأطباء النفسيين، فهم معرّضون للوصول إلى مرحلة الإنتحار، والمطلوب إدخالهم إلى مستشفيات متخصّصة للمعالجة بأدوية الأعصاب، إلا أن عائلاتهم مع الأسف لا تعترف بفكرة وجود المرض لديهم، وعليه فإنّ عدد حالات الإنتحار إلى ارتفاع مخيف عند الرجال أكثر من النساء، لكونها مرتبطة بالأوضاع والخسائر المالية والإقتصادية الصعبة، التي يمرون بها، فيفضلون اللجوء إلى الإنتحار، حتى ترتاح عائلاتهم من عقوبة المجتمع وثرثرة العائلات المحيطة بهم، فيهربون من تحمل المسؤولية المباشرة».
نسبة الشفاء
{ هل ارتفعت نسبة الشفاء من الأمراض النفسية؟
- «إن نسبة الشفاء من الأمراض النفسية، باتت عالية وتصل إلى 90%، إذا اكتشف المرض مبكراً، وواظب المريض على التقيد بالمواعيد المحددة له، من قبل الطبيب المعالج، والإنتظام في استخدام الأدوية».