بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 كانون الأول 2020 12:01ص العام 2020 يشهد ارتفاعا ملحوظا بنسبة الجرائم

ما أبرز الأسباب وسبل المعالجة؟

حجم الخط
شهد العام 2020 ارتفاعا ملحوظا بنسبة الجرائم ولا سيما في الآونة الأخيرة، لجهة القتل والسرقة مقارنة مع السنوات الماضية، وذلك نتيجة ما يعايشه اللبناني من تدهور في الوضع الاقتصادي وارتفاع في معدلات الفقر والبطالة.

وفي هذا الإطار، تشير الأرقام إلى أن جرائم القتل ارتفعت في الأشهر الـ5 الأولى من عام 2020 بنسبة 82.2% مقارنةً بالفترة عينها من عام 2019، فيما ارتفعت حوادث سرقة السيارات بنسبة 58.6% وعمليات السلب بنسبة 150%، في حين تراجعت نسب عمليات النشل 56.8%، والانتحار 28.2%.

د. بلوط

لتسليط الضوء على أسباب ارتفاع الجريمة في لبنان وكيفية معالجتها، التقت «اللواء» الدكتورة في علم النفس العيادي والمعالجة النفسية سيلفا بلوط، فكان الحوار الآتي: 

{ نلحظ مؤخرا ارتفاعا في نسبة الجريمة في لبنان، فما تقييمك لهذا الواقع؟

- ممّا لا شك فيه أن ارتفاع نسبة الجريمة في المجتمع اللبناني يشكّل آفة تطال جوانب الحياة كافة، وخصوصاً الجانبين: الاجتماعيّ والأسريّ.

لذلك، ما نشهده اليوم من أحداث يدفعنا إلى إطلاق إنذار الخطر الذي يمتدّ على مساحة المجتمع اللبناني ككل.

{ برأيك، ما أبرز الاسباب؟

- هناك أسباب أو بالأحرى عوامل كثيرة تدفع الفرد إلى الجريمة: أسباب إقتصادية كالبطالة والفقرّ، والعوز... أسباب نفسيّة كالشعور بالحرمان والإحباط.

ومما لا شك فيه، أن العاملان الاقتصاديّ والنفسيّ يتداخلان، فعلى سبيل المثال يفقد أب عاطل عن العمل تقديره لذاته نتيجة عجزه عن تأمين إحتياجات أفراد أسرته، بحيث يلجأ إلى السرقة بغية أولاً إكفاء أسرته وثانياً التعويض عن شعوره بالعجز. 

وهناك، أيضاً، أسباب أسريّة كاضطراب التواصل بين أفراد الأسرة والأزمات التي يعيشونها، وأخرى اجتماعيّة كرفاق السوء... ومؤخّراً الحجر المنزليّ الذي «زاد الطين بلّة»....

وما نلحظه بقوة في مجتمعنا اللبنانيّ، هو أن هناك من يشيّع قيمة العنف، ويدفع الشباب خصوصاً إلى التمثّل بها باعتبارها مؤشراً على الشجاعة ودليلاً على القوة في مقابل ضعف القانون.

لذلك يمكن القول أن المجتمع اللبنانيّ واقع بين تجذّر قيمة العنف من جهة وضعف القانون من جهة أخرى. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى تجذّر «أنا أعلى»، أي أنه يمجّد العنف من وجهة نظر ثيوقراطية، في مقابل ضعف السلطة الأبوية أو غيابها. 

وعلى المستوى «السيكولوجيّ»، هناك الإستعداد النفسيّ للجريمة، ويتمثّل في وجود ما يسمّيه بعض علماء النفس بالشخصيّة المجرمة personnalité criminelle، والتي تتميّز بالأنويّة والعدائيّة، والحاجة إلى السيطرة، وعدم المبالاة بالضحايا، وضعف الحسّ الأخلاقي.

لذا من هذا المنطلق، الجريمة هي علامة مرض.

{ كيف يمكن المعالجة للحد من ذلك، رغم صعوبة الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي نعيشها؟

- تتخّذ معالجة مشكلة إرتفاع نسبة الجريمة عدّة أبعاد... 

يتمثّل البعد الأول في التشريعيّ، من خلال تطبيق القوانين الرادعة. أما البعد الثاني، فهو تربويّ، ويأتي من خلال المناهج التربويّة عبر تطوير مواد التربية المدنيةّ وتعزيزها أكثر.

وهناك بالتأكيد أهمية التنشئة الأسريّة التي تعدّ بعداً هاماً في الحد من انتشار نسبة الجريمة عبر تشديدها على التمثّل بالقواعد الأخلاقية.

وفي ما يتعلّق بالعلاج النفسيّ، لجهةالمستوى «السيكولوجيّ»، فيتمثّل العلاج في منحيين: السيستاميّ والسلوكيّ المعرفيّ. 

بالنسبة إلى العلاج السيستاميّ، يعدّ الطريق الأكثر فعالية للمساعدة في العلاج. ويحصل التدخل العلاجيّ على مستوى الأسرة ككل، أي التدخل الأسري، باعتباره يساعد أفراد الأسرة على إعادة بناء علاقات سويّة بينهم من خلل تقويم التواصل، ويساعد بذلك الفرد المعنيّ بالعلاج على استعادة العلاقة السويّة مع أسرته، ليتمكّن بعد ذلك من إستعادة التواصل السليم والإيجابيّ مع محيطه. 

أما في ما يتعلّق بالعلاج السلوكيّ والمعرفيّ، فإنه يساعد العلاج الفرد على أن يعي التصوّرات التي دفعته إلى تبنّي سلوكاً عدوانياً وأن يستبدله بآخر سويّ. وكأننا في ذلك نساعده على إعادة التنظيم المعرفّي أو الهيكلية المعرفية لديه بغية مساعدته على مواجهة كل العقبات والأزمات التي ستعترض حياته لاحقاً.

وممّا لا شكّ فيه، أن الدعم النفسيّ المستمرّ لمن يعاني من أوضاع إقتصادية وإجتماعيّة صعبة يعدّ واجباً على الدولة ومؤسسات المجتمع المدنيّ المعنيّة بالعلاج النفسيّ.

{ في حال لم تتم المعالجة، ما مدى خطورة ذلك مستقبليا؟ 

- في حال ازدياد نسبة الجريمة في المجتمع اللبنانيّ الذي بات يتخبّط تحت الازمات الاقتصاديّة، والأمنية، والاجتماعيّة، فمن المتوقّع أن يتسم أو يوسَم بمجتمع منحرف بامتياز، وبالتالي فإن إلقاء صبغة هوية «مجتمع منحرف» على مجتمعنا هو بحدّ ذاته جريمة بحقّه.