20 آذار 2024 12:02ص في الــ21 من آذار: أمهات لبنان تفترشن الطرقات ...فهل من يتحرك؟!

تخلت عنها العائلة فغرقت في وحدتها وكآبتها تخلت عنها العائلة فغرقت في وحدتها وكآبتها
حجم الخط
لمناسبة الـ21 من آذار:عيد الأم ، أردنا أن نسلط الضوء على  ظاهرة انتشرت مؤخرا في شوارع العاصمة «بيروت»، لتدل على مدى تدهور أوضاعنا الإجتماعية والإنسانية في زمن انعدمت فيه القيم والأخلاق في العائلة الواحدة ،فلم يعد هناك أية اعتبارات للروابط العائلية، وبالتالي لم يعد هناك من يسأل عن صلة الرحم وأهميتها في حياتنا اليومية .
ومما زاد في «الطين بلة»،الوضع المعيشي الذي بات يفرض نوعا من التقشف نظرا لغلاء السلع وارتفاع أسعارها بشكل عشوائي دون حسيب أو رقيب وسط سبات عميق للدولة التي ما زالت تغفو في العسل رغم صراخ ألأمهات اللواتي تمتن جوعا يوميا .
ونتيجة لواقع الفقر المرير هذا، تشهد شوارعنا للأسف انتشارا لظاهرة السيدات العجائز اللواتي أمسين دون مأوى فأصبحن يفترشن الأرض من الصباح حتى المساء ليصبح الشارع مسكنهن ومأواهن الوحيد، وكل ذلك يعود إلى غلاء المسكن والمشرب وانعدام القيم الأخلاقية لدى الأبناء .
مشاهد مؤلمة تصدم المواطن اللبناني الذي يخجل من نفسه ومن مجتمعه ومن مؤسساته التي رضيت بأن تكون ألأمهات العجزة فيه ضحايا التجاهل والتهميش والإقصاء واللامبالاة بكل قسوة ووحشية لم يعرفها آباؤنا ولا أجدادنا من قبل؟
ليصح في مناسبة ال21 من آذار أن نقول:«عيد بأي حال عدت يا عيد؟؟؟؟»
بالأمس كان العمر الطويل بالنسبة للبنانيين نعمة لكنه اليوم أمسى نقمة، هذا ما توصلنا إليه لدى قيامنا بجولة في عدد من شوارع العاصمة حيث التقينا بعضا من هؤلاء السيدات المسنات اللواتي رفضن الإفصاح عن أسمائهن لكنهن عبرنا بخجل عن كل ما يجول في صدورهن من قهر ومآسي نوردها بحرفيتها كما وردت على ألسنتهن.
 تنكروا لي ورموني
في الشارع
نهى سيدة عجوز تجاوزت السبعين من عمرها تقف يوميا أمام إحدى المصارف لكسب قوتها اليومي ،تقول:«أنا لم أستجد يوما أو أمد يدي لأي إنسان إلا أن موظفي المصرف وزبائنه يقدمون لي المساعدة كل تبعا لإمكانياته .
صدقيني أنا لم أفكر يوما بأنني سأقف هذا الموقف ولو كان باستطاعتي أن أعمل لقمت بذلك ووفرت الذل والإهانة اللذين أشعر بهما يوميا .
ماذا أقول لك يا ابنتي؟بعد أن ربيت الأولاد وكبرتهم والله رزقهم لم يعد أحدا منهم يتطلع إلي أو يسأل عما أحتاجه. فتنكروا لي ورموني في الشارع كما ترين بعد أن أقنعوني ببيع المنزل الذي ورثته عن زوجي، وذلك حسب رأيهم في بداية الأمر كي لا أبقى وحيدة، فتراهم كانوا يخططون لكسب المال فقط دون مراعاة والدتهم ولولا بعض أولاد الحلال الذين سمحوا لي الإقامة بغرفة متواضعة وبشكل مجاني لكنت افترشت الطريق دون مأوى. أنا آتي يوميا إلى هنا وأبقى لغاية الظهر لحين انتهاء دوام عمل المصرف، فأذهب إلى غرفتي وأشتري ما أمكنني من طعام ودواء تبعا للمال الذي رزقت به .»
ولدى سؤالها عن أولادها، وما إذا كانوا قد بحثوا عنها ؟تقول: «كبري عقلك يا بنتي وانتبهي لآخرتك، طالما إنتي بصحتك ومعك مصاري الكل حولك، بس تمرضي ويخلصوا مصرياتك ما بيعود حدا يطلع فيكي. أنا ما بقى بدي حدا منن، إلي الله بس والحمد لله ولاد الحلال بعد ما انقطعو».
الله يريحني
محاسن التقيناها في منطقة عين المريسة تفترش الرصيف مأوى لها فهي تمضي ليلها ونهارها أملا في أن يتكرم عليها المارة بحسنة من هنا وأخرى من هناك والمؤلم أنني أحيانا كثيرة أراها في ساعات الصباح الأولى وهي تغفو جالسة في مكانها.
لدى اقترابنا منها في محاولة للتحدث معها رفضت بادىء الأمر لكنها عادت واقتنعت على مضض، تقول:«بيني وبينك صار لازم فش خلقي لأنو قلبي مليان قهر وحرقة .»
ولدى سؤالنا عن سبب تواجدها على الرصيف ، تقول :«بيتي دمرتو الحرب وزوجي مات والصبي اللي طلعت في من هالدني سافر وما عدت عرفت عنو شي ،وهوي ما فكر يسأل عن إمو.حاولت دق بواب المسؤولين بس ما حدا رد عليي ،وإذا تكرمو كانوا يعطوني شوية مصاري لا بتقدم ولا بتأخر .»
وعندما سألناها لماذا لم تتوجه إلى أي دار للعجزة ،ثارت ثائرتها قائلة:«جربت وحاولت وقلتلن ما بدي شي بس بدي غرفة تأويني ومستعدة إشتغل عندكن بس ما حدا رضي وكان جوابن ما في محل.»
تضيف:«بتعرفي بدي شغلي واحدة ما بقى بدي غيرها وهيي إنو الله يريحني من هالعيشة ويقصر عمري لأرتاح لأنو تعبت «نتركها وهي تسترسل بالبكاء ،ورغم محاولتنا كفكفة دموعها إلا أنها طلبت منا الرحيل فذهبنا ونحن نشعر بحرقة كبيرة بعد أن وعدناها بأن نحاول أن نؤمن لها مكانا في إحدى دور العجزة .
غادرت بكرامتي
دنيا غادرت منزل ولدها الوحيد الذي طالما وعدها بالإهتمام بها وعدم التخلي عنها ،تقول:«عندما كبر امين فرحت وعندما أراد أن يتزوج رقصت وغنيت ،لكن ما إن تزوج انقلب رأسا على عقب وبات يمتثل لرأي زوجته في كل شاردة وواردة ،فأصبحت لا أستطيع أن أسير في المنزل أو أحرك ساكنا لأن زوجته أرادت المنزل لها ولزوجها فقط علما أن المنزل منزلي . 
لكن بعد أن كثرت «الخناقات» بينها وبين إبني فضلت أن أغادر المنزل بكرامتي ليهنآ سوياً به ،ولا سيما أنها كانت تهينني في غيابه وحضوره وهو مثل «الصنم».
لا أستطيع أن ألومه فهو مغرم بها حتى أذنيه ،«الحب أعمى» لذلك هو لا يستطيع أن يرفض لها طلبا لكن سيأتي نهار سيندم فيه حيث لا ينفع الندم .»
تضيف:«فضلت الخروج من المنزل قبل أن يطردني إبني لأنني بالتأكيد لن أتحمل هذا الموقف . كنت قد خبأت بعض المال لمثل هذا «اليوم» مما مكنني من المبيت في غرفة أقل من متواضعة ،وأنا كما ترين أقف هنا كي أنال نصيبي من الإحسان وأحاول قدر الإمكان أن أخفي مظهري كي لا يعرفني أحد ، وما زلت أستخبر عن امين من بعيد لبعيد وقد علمت أنه رزق مؤخرا بصبي «الله يحميلو يا».
ذل وقهر
شفيقة تجاوزت الثمانين من عمرها، وقد احدودب ظهرها تحت ثقل السنين، تنام هنا وهناك في مكان من هذا الحي أو ذاك الشارع، تخلت عنها العائلة فغرقت في وحدتها وكآبتها ورضيت بقضاء الله.
 وقدره ...
تمشي بخطوات متثاقلة ، تجلس على الرصيف دون أن تتحدث مع أحد، فهي لا تنطق بأية عبارات ولدى اقترابنا للحديث معها،رفضت تماما واكتفت بأن وجهت يداها للسماء وهي تدعي بأن يأخذ الله أمانته كي ترتاح لأنه وحده من يعرف ما بداخلها من مآسي وذل وقهر.... نبتعد عنها محترمين رغبتها ، لكننا نأسف لما رأيناه في جولتنا من واقع أليم في وطن قست فيه قلوب أقرب الناس فباتت الأمهات فيه مهملات مهمشات مرتعهن الشوارع وزواياها، وهن من كن بالأمس أمهات لهؤلاء الأبناء الذين أقل ما يقال فيهم أنهم «ناكرين للجميل».
وختاما إن ننسى لا ننسى «بأن الجنة تحت أقدام الأمهات» .