بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 آذار 2020 12:01ص ما انعكاسات «الرهاب الجماعيّ» نتيجة «فيروس كورونا»؟

حجم الخط
منذ الإصابة الأولى بـ«فيروس كورونا» في مدينة ووهان الصينية، والعالم يواجه حالة من الرعب. 

والجميع يتساءل عما إذا كانت الصين استطاعت الوصول إلى علاج لهذا «الفيروس» في ظل تزايد حالات الإصابة وانتقاله لما يزيد عن 26 دولة.

البحث الطبي مستمر وهناك عدة علاجات محتملة لإيجاد لقاح لـ«فيروس كورونا» لكن حتى الساعة لم يثبت أي دواء بعد فعاليته ضده.

ومما لا شك فيه، أن هذا «الفيروس» خلق جوا من الرعب والذعر في مختلف الدول الذي انتشر فيها ومنها لبنان، ولا سيما أن اللبنانيين يمرون بهكذا ظرف صحي خطير للمرة الأولى، مما شكل نوعا من «الرهاب الجماعي» في صفوف اللبنانيين، الأمر الذي بدأ ينعكس سلبا على نفسيتهم.

«الرهاب الجماعي»؟

فماذا عن «الرهاب الجماعي»؟

في ظلّ هذا «الرهاب الجماعيّ» الناجم عن تفشيّ وباء «الكورونا» الذّي صُنِّف عالميّاً، لا بدّ من التوقّف عند إنعكاساته النفسيّة على الأفراد، وكيفيّة التعامل معها في ضوء علم النفس العياديّ.

د. بلوط

لتسليط الضوء على هذه الإنعكاسات، والعوامل التي تولّد «الرهاب» المذكور، التقت «اللواء» الدكتورة في علم النفس العيادي سيلفا بلوط، فكان الحوار الآتي:

{ بداية، ما الذي زاد من حدّة «الرهاب الجماعيّ» الذي أطلقه «فيروس كورونا»؟

- ممّا لا شكّ فيه أن هناك عدّة عوامل تسبّبت في خلق هذا الرهاب وسرّعت في انتشاره. وأبرزها مواقع التواصل الإجتماعيّ التي عمدت، وبدون أيّة رقابة، إلى نشر الأخبار حول هذا «الفيروس»، حول آثاره، نتائجه... الخ.

وكلها أخبار خاطئة، بحيث زادت من حدّة القلق عند الناس. ويعود السبب في ذلك إلى التنافس فيما بينها على جذب أكثر عدد ممكن من المتابعين لها.

وكما هو معلوم، كلّما كان موضوع المعلومة مهمّاً، كلّما كثرت الأخبار الخاطئة حوله.

هناك عامل أساسيّ في خلق حالة الخوف الشديد، ويتمثّل ذلك في غياب الدواء للمعالجة من «كورونا». أمّا العامل الأساسيّ الذّي يطلق هذا الرهاب، فهو نفسيّ، ويتمثّل في تأثير العدوى السريعة لـ«فيروس كورونا.

{ إلى أي مدى تعتبر «العدوى السريعة» بحدّ ذاتها عاملاً أساسيّاً في خلق هذا «الرهاب»؟

- إن فكرة «العدوى السريعة» لـ«فيروس كورونا»، تطلق، بحدّ ذاتها، صدمة نفسيّة حادّة لدى الأفراد الذّين يشعرون بأنهم ليسوا بمنأى عنه، وبأنهم من الممكن أن يُصابوا به في أيّة لحظة. وهذا ما يجعلهم ضحايا لقلق شديد ودائم.

فما يحدث في الوقت الراهن هو «صادم» لأنه يُطلق فكرة الموت، أوعلى الأقل فكرة الخوف من الموت الذّي يضع الفرد في حالة رعب، وخصوصاً، كما ذكرت، في ظلّ غياب الدواء اللازم للشفاء من «الكورونا». 

ولا يخفى أن العدوى السريعة تجعل من الخوف الشديد أو الرعب «جماعيّاً»، بحيث لا يختصر على فردٍ أو إثنين.

{ إلى جانب تأثير العدوى السريعة على الحياة النفسيّة للفرد، ما هي التأثيرات التي يطلقها «فيروس كورونا» عليها؟

- في ظلّ تزايد حدّة العدوى وتزايد أعداد الموتى جرّائها، يعيش الفرد إضطراباً إنفعاليّاً سلبيّاً يصعب ضبطه، ويظهر على مستويين: جسديّ ونفسيّ. بالنسبة إلى الأول، أي الجسديّ، يعتري الفرد وهن جسديٌّ يصاحبه إحساس بالكسل، أضِف إلى ذلك إحساساً بالتوتُّرّ الذّي يصيبه، كخفقان القلب السريع، والرجفان الذّي يصيب أطرافه.

أما في ما يتعلّق بالمستوى الثاني، النفسيّ، فيعاني الفرد من حالة رعب أو (trouble de panique) تسبّب لديه إضطراباتٍ في النوم، والتفكير المستمر في اليوم التالي أو الغد... أضِف إلى ذلك إضطراباتٍ حادّة في المزاج.

{ إلى أيّ مدى تُطلق فكرة الحجر أو العزل شعوراً نفسيّاً كدراً عند الفرد؟

- لا يخفى ما لفكرة العزل أو الحجر من أثرٍ سلبيٍّ على الفرد، بمجرّد أن تجول في خاطره، إن جاز التعبير. تطلق هذه الفكرة خوفاً شديداً أو هلعاً يتمثّل في الشعور بأنه قد يصبح شخصاً يتمُّ تجنُّبَهُ من قبل الآخر. بمعنى آخر، يشعر بأنه منبوذ. 

أضِف إلى ذلك، أن هناك الكثير من الأفراد الذين يعانون من الرهاب من الأماكن الضيّقة (الـlaustrophobia)، وقدّ يزيد ذلك من حدّته لديهم. ولا يجب أن ننسى أن فكرة الحجر تسبّب إحباطاً عند الفرد، لأنه ينقطع عن عمله وإلتزاماته تجاه أسرته، بالإضافة إلى حرمانه من القيام بهواياته.

{ هل يعاني الجميع من هذه الإضطرابات؟

- طبعاً لا... هناك أفراد أكثر عرضة من غيرهم للإضطرابات المذكورة، وهم الذين يعانون من فرط في القلق (hyper-anxiété)، أو من إستعدادٍ للاكتئاب، أو من الرهاب من المرض... وفي هذه الحالة، يجب الاستعانة بأخصّائيّ أو معالج نفسيّ، لأن ذلك سيساعد الفرد على البقاء «آمناً»...

{ ما هو دور الأخصائيّ أو المعالج النفسيّ في هذه الحالة؟

- ممّا لا شكّ فيه، تظهر الحاجة كبيرة للمعالج النفسي. لذلك لا يجب التأخّر عن الإستعانة به كما ذكرت، ولا يجب الشعور بخجل من جرّائها.

وفي هذه الحال، يحمي الدعم النفسيّ الأفراد الذّين يعانون من ضعف في جهازهم التنفسيّ.

وتُعَدُّ العلاجات القصيرة، العلاجات المعرفيّة والسلوكيّة، الأنسبَ في هذه الحالة، إذ يستطيع المريض التحدّث عن حالتِهِ أو عمّا يمرُّ به من أحداث، والتعبير عن إنفعالاته و مخاوفه، ومن ثم الابتعاد عن الأفكار السلبيّة التي أطلقها الوباء.