بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 تشرين الثاني 2019 12:30ص «السياسية» و«التكنوقراط» انعكاس لصراع أبعد من الساحة اللبنانية!

الإستحقاق الحكومي على مراوحته والضغوط الاقتصادية تزيد من مخاطر الانهيار

حجم الخط
يتحضر الحراك لدخول شهره الثاني، وطريق الاستشارات النيابية ما يزال مقطوعاً، مع استمرار الاتصالات والمشاورات في كواليس الأزمة السياسية والاقتصادية والحياتية الآخذة بالتعاظم والتي باتت تحشر المشهد اللبناني، تأسيساً على المؤشرات القائمة، بين حدّي الانفراج المشوب بالحذر أو الانزلاق نحو الانهيار الشامل. 

وفي وقت يعتصم الرئيس سعد الحريري بالصمت وسط ترجيحات تفيد بميله نحو الاعتذار عن تشكيل الحكومة العتيدة، أو حتى تسمية اسم شخصية لهذه المهمة، للأسباب التي باتت معروفة وأهمها رفض أطراف لحكومة تكنوقراط انقاذية، أفادت بعض التسريبات بأن عقدة التشكيل «بلغت مرحلة متقدمّة ولاسيّما بعد نجاح الوزير جبران باسيل بفتح الخطوط واعادة التواصل بين «حزب الله» و«المستقبل»، بحسب ما نقلت وسائل اعلام مرجحة تقدم خيار «صيغة تلاقي تطلعات الناس ولا تضع شروطاً ولا فيتوات وتقطع الطريق على كلّ من يراهن على توتّر شيعي – سنّي»، وهو ما سيتظهر خلال الساعات القليلة المقبلة، في مقابل مؤشرات سلبية عدة باتت تتجمع في الفضاء العام، سواء لناحية مستجدات الاستحقاق الحكومي أو مؤشرات التوتر السياسي المتصاعد والتأزم المالي، فارضة وجوب تقديم قراءة حذرة ومتأنية لتطورات المشهد من دون مراكمة المزيد من الأخطاء في قراءة ما يجري. 

عون والاستشارات المجهولة

في المعطى المتصل بشكل الحكومة، ما أشار إليه رئيس الجمهورية ميشال عون خلال إطلالة تلفزيونية مساء أمس، من أن «حكومة «التكنوقراط» لا يمكنها تحديد سياسة البلد»، وإعلانه تأييد «تشكيل حكومة نصف سياسية ونصف تكنوقراط». وهو إذ شدد على تشكيل «حكومة منسجمة»، قال «لست أنا من يحدّد عودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة... والاستشارات النيابية تحدد تكليفه من عدمه» من دون أن يحدد أفقاً زمنياً لهذا الأمر، ما فهم على أن الأمور لم تصل إلى خواتيم سعيدة. 

الانتفاضة والموفد الفرنسي 

في الأثناء، تواصل الانتفاضة الشعبية زخمها لليوم الـ27 على التوالي لكن من دون تحديد أطر واضحة ومحددة للمطالب وتكليف ممثلين للتفاوض بشأنها ومتابعة تنفيذها مع تزايد عدد الطامحين والطموحين، بدا أن تداعيات حالة الشلل العام بدأت تؤثر بشكل ضاغط على حياة المواطنين، ولو لم يتقصّد الحراك هذا الأمر، سواء لناحية الارتفاع الجنوني للأسعار وفقدان سلع أساسية من الأسواق، وتمنّع محطات الوقود عن تزويد الزبائن بمادة البنزين، وفوق كل ذلك استمرار اقفال المصارف بالرغم من كل التطمينات التي سبق أن قدمها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.   

وسجّل أمس دخول دولي على خط الأزمة، تمثل بدعوة المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش خلال لقائه مع سفراء مجموعة الدعم الدولية الرئيس عون، لاختيار رئيس الوزراء القادم على وجه السرعة ولتشكيل حكومة جديدة سريعا تضم شخصيات معروفة بالكفاءة والنزاهة، في وقت وصل إلى بيروت موفد فرنسي هو مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في الخارجية الفرنسية كريستوف فارنو حيث سيعقد لقاءات مع عدد من المسؤولين و«ممثلين» عن المجتمع المدني، وكان لافتاً إعلان مجموعات من الحراك اعتذارها عن لقاء فارنو «انسجاماً مع إيمانها المطلق بسيادة الدولة اللبنانية وأنّ هذه الثورة هي ثورة اللبنانيين حصراً.

«حزب الله» والحكومة الآحادية!؟

على خط مواز، يتمسك «حزب الله» برفض فكرة تشكيل حكومة تكنوقراط، وهو يرى أن هذه الخطوة تهدف لإخراجه من الحكومة، والأخطر بحسب رؤية الحزب، إصدار بيان وزاري ذو طابع اجتماعي واقتصادي بحت، ولا يتطرق إلى الشأن السياسي، وبالتالي لا تذكر المقاومة ولا تعطى شرعية بذريعة أن عنوان هذه الحكومة انقاذي بحت، وتأتي استجابة لمطالب الحراك.

وما لم يقله الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله عن الشأن الحكومي في إطلالته يوم الاثنين، فُهم من مصادر محسوبة على الحزب وفق كلام انتشر أمس، وفيه أن استقالة الحريري أتت مجاراة لمطلب أميركي وليس تحت الضغط الشعبي، والمعطى الأميركي، وفق هذا التقدير، هو الذي يعرقل قبول الحريري بتشكيل حكومة حالياً. وهنا يفهم سبب تأخير تحديد الرئيس عون مواعيد إجراء الاستشارات النيابية الملزمة أي لسحب هذه الورقة من يد الحريري.

وتكشف المصادر أن الحزب كان مصرّاً على تسمية الحريري لتشكيل الحكومة العتيدة نتيجة ما يعتبره دقة الوضع وحساسية الظروف القائمة، وخاصة الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به لبنان، لكنه اصطدم برفض الحريري المتكرر لفكرة حكومة سياسية، لذلك فهو يعتبر أن التفاوض القائم حالياً هو ليس مع الحريري بمقدار ما هو مع الجانب الأميركي الذي ينحو باتجاه المزيد من الضغط على لبنان اقتصادياً ومالياً. 

وتخلص القراءة المتشددة لتطورات الاستحقاق الحكومي وفق مصادر الحزب، إلى أن الحريري لن يشكل ولن يسمّي أحداً لترؤس الحكومة العتيدة، وهذا يوصل إلى أحد خيارين: تعويم حكومة تصريف الأعمال مع ما لهذا الخيار من تكاليف وتبعات سلبية جدا على الاقتصاد، وهو أمر من شأنه تأزيم الامور أكثر ودفع الشارع لتحميل حزب الله مسؤولية عدم تشكيل حكومة. أما الخيار الثاني فالذهاب لحكومة مواجهة آحادية، من فريقي عون و8 آذار، مع ما يعنيه هذا الخيار من تداعيات لن تكون سهلة سياسياً واقتصادياً ومالياً.

يرتكز «حزب الله» في حال السير بهذا الخيار إلى أنه يمتلك الأغلبية النيابية التي تخوله تأمين سقف دستوري للتشكيل، لكنها يصطدم بأن مزاج الحراك والشارع الشعبي لن يقبل بذلك كما أن الوضع الاقتصادي الراهن يدعم فكرة الذهاب لحكومة تكنوقراط، وبذلك يكون الحراك، وفق رؤية الحزب، يضغط باتجاه ما يتناسب مع المصالح الاميركية، وإن لم يكن متآمراً معها. 

لعبة «عض الاصابع» إذا ما قرر الحزب السير بها قد تدفعه إلى «حمل كرة النار» من خلال تشكيل حكومة أحادية لمواجهة الضغوطات الأميركية، تسعى لايجاد حلول من خلال وحدة اقتصادية مع سوريا، وانفتاح أكبر على ايران، مع توظيف العاملين الروسي والصيني الساعيين لدور وحصة في نفط لبنان، في تأمين غطاء دولي يمنع الانهيار أو التعرض لعقوبات دولية. هذا السيناريو وإن كان صعب التحقق، لا بل أقرب إلى الخيال ويصادم وقائع وتعقيدات داخلية، سياسية واقتصادية وميثاقية ربما، قد يعتبره الفريق المحسوب على محور الممانعة «فرصة مواتية قد لا تتكرر»، وهو ما ستكشفه الايام القليلة المقبلة.