بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 كانون الأول 2019 12:46م في زمن الانتفاضة.. بذور القمح في قبضة الشباب الثائر على احتكار التجّار

حجم الخط

"إنّه زمن الانتفاضة"، ستبدو هذه الجملة مجرّد شعار اعتدنا على سماعه منذ بدء "ثورة 17 تشرين"، لكنّ الحقيقة تتجلّى في خفايا هذه الكلمات، وما تكشفه يوميًا من مبادرات حيّة، ألهبت شعلة العطاء في قلوب اللبنانيّين، لا سيما منهم، الشباب.

فعلى مرّ الوطن ومناطقه، إلّا وأن تجذبك مبادرة شبابيّة من هنا أو من هناك، بعد أن تراكمت قوّة التغيير في هذا الجيل، الذي أبى إلّا وأن يُسجّل بصمته في تاريخ لبنان الحديث، وعلى أوسع أبوابه.

هنا، وفي سياق المبادرات التي أنتجها الوعي الشبابيّ، في "زمن الانتفاضة"، برز اندفاع عدد من الشباب والشابات، فأرادوا أن يكسروا "سلطة الاحتكار" التي يمارسها بعض التجار، الذين استغلّوا أوضاع البلد الاقتصاديّة الصعبة، لانتزاع مزيدٍ من الربح من جيوب الطبقة الأكثر تضررًا وتأثرًا بالتدهور المعيشيّ.


من هذا الواقع المتأزّم، انطلقت مبادرة الشباب والشابات في منطقةٍ التحمت تاريخيًا، وتتألّف من عدد من البلدات والقرى، وتُعرف باسم "القويطع".

عن هذه المبادرة، تحدّث لـ "اللواء"، الشاب علاء فرحات، وهو ناشط في المنطقة وصاحب الفكرة، قائلًا "منذ بدء ثورة 17 تشرين، بدأنا بإدراك واقع البلد بشكل أكبر، لا سيما فيما يتعلّق بواقع الاستيراد الذي يشكّل نسبة أعلى بكثير من نسبة التصدير، وهذا بطبيعة الحال يطال أيضًا سوق القمح، إضافة إلى الغلاء الفاحش في الأسعار، في ظلّ استغلال بعض التجار لهذا الواقع، ما دفعنا إلى التفكير بالاتجاه نحو مبادرة فرديّة بدأناها بزراعة القمح".


عن بداية الفكرة، قال فرحات إنّها بدأت بـ "منشور عبر فيسبوك، قلنا فيه إنّنا نريد أن نزرع القمح وطلبنا المساعدة، فكان هناك تجاوبًا كبيرًا من قبل أهالي المنطقة، وحتى من قبل المغتربين، الذي عمدوا إلى التواصل معنا، فمنهم من بادر إلى تقديم أرضه، ومنهم من قدّم بذور القمح، ولجأ آخرون إلى تقديم آليات لفلاحة الأرض مجانًا".

الناشط أوضح أنّنا "زرعنا حوالي 9 آلاف متر من الأراضي، بأكثر من 180 كيلو قمح، ولا يزال هناك كمية تعادلها بانتظار زراعتها، كذلك هناك 20 ألف متر من الأراضي التي لا تزال تُقدّم من قبل أهالي المنطقة لزراعتها".


كما شرح طبيعة المنطقة التي انطلقت منها المبادرة، موضحًا أنّ "القويطع يتألّف من وجه الحجر، حامات، رأسنحاش، كلباتا، كفرحاتا، بتعبورة، اجدعبرين، كفتون، كفريا، بدنايل، المجدل، الزكزوك، وطى فارس وصولا إلى بزيزا"، كاشفًا أنّها كانت تُعرف أيام الرومان تحت اسم "ماكدالو Magdalou".

علاء فرحات كشف أيضًا أنّ هذه المبادرة تأتي ضمن مبادرة موسّعة، إذ "نحاول أن نؤمّن اكتفاء ذاتيًا في هذه المنطقة ولأجل هذا الهدف، أسّسنا مجلسًا تحت اسم "مجلس إنماء القويطع"، ومن خلاله تمّ تقسيم الشباب والشابات المتطوعين من أجل هذا الهدف، كلّ بحسب اختصاصه، إلى لجان طبيّة وتربويّة وإعلاميّة ومدنيّة وزراعيّة وقانونيّة وماليّة".

أمّا الخطوة الثانية بعد زراعة القمح، فهي، وفق ما أوضح الناشط الشاب، "تأسيس فرن صاج في المنطقة، تحت اسم "ماكدالو Magdalou"، وهو كما ذكرنا اسم الإمارة الرومانيّة القديمة للقويطع، وسيعود المردود الماديّ من أجل تأمين المستلزمات لاستمرار هذه العمليّة من زراعة القمح، حتى إنتاج الرغيف، لأنّنا لا ننتمي إلى أيّ حزب سياسي أو جهة معيّنة، فهدفنا هو أن يضع الإنسان يده في يد الإنسان الآخر".


يوم بعد يوم إذًا، يتكشّف الوعي والإدراك الذي يكتنزه الشباب اللبنانيّ، من خلال مبادراتٍ عَجِز الكثيرون من "أصحاب السلطة"، على تنفيذها أو النجاح بها، وذلك إن دلّ على شيء، فهو ربّما أنّ الطاقة الشبابيّة في لبنان، قرّرت أن تأخذ زمام المبادرة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بلدٍ تآكل بفعل المحسوبيّة والفساد، في زمن "انتفاضة" لم يشهد لها لبنان من مثيل، تاريخيًا.



إعداد "اللواء"